صفحات الثقافةلقمان ديركي

أنت والفردوس الضائع

 

لقمان ديركي

 مشكلتك أيها الإنسان أنك أضَعتَ  فردوساً تلو الآخر، نعم أعترفُ لكَ بأنكَ استطعتَ صنع الفردوس على أرضك التعيسة التي أتيتَ إليها مطروداً مذنباً، ولكن عليكَ أن تعترف أيضاً بأنك تفننت في فقدانها وخسارتها، تركتَ الوحوش تخرج من أوكارها على شكل إخوة لك، ثم تركتها تحكم بأنياب ومخالب مملكتك التي بنيتها من عرق الواقع وأجنحة الأحلام، وها أنت ذا مطروداً من جديد، لكن ليس بيد الله، بل بيد بشر متوحش طماع صغير ضيق سمحتَ له بأن يلعب دور الإله على مسرحك.

من أنتَ أيها الغريب من جديد، أنتَ في دور جديد الآن، أنتَ النادم الأزلي، تتملى أخطاءك كل يوم، تتجرع الندم في الصباح، بل وإنه يوقظكَ، يصفعكَ كلما غرقت في النوم والارتياح، انهض أيها المذنب، انهض أيها المبذر، بالغتَ في الإسراف، لقد خسرتَ وطنكَ الآن.

هذا أنتَ أيضاً في أنينك الذي لن يسمعه أحد، وسط العواصف التي تقتلع حتى الخيمة التي بها ارتضيت، والأمطار التي تهطل بقسوة على ما تبقى من جسدكَ الذي إليه أخيراً أويت.

هذا الخبز الذي تأكله الآن أيها الإنسان أيضاً فيه حصة من برد طفل شريد تحت ذات الأمطار التي سقت سنابلك، انتبه وأنتَ تمضغ، انتبه وأنت تبلع، هذا الرغيف حقاً ليس بكامله لك.

وأيضاً.. من أنتَ حتى تسرق دموع الأطفال، هل ضايقك حقاً ملمسها الدافئ على الوجنات الصغيرة، هل وصلت بك الأنانية إلى حرمان الصغار حتى من نعمة البكاء، من أنتَ؟ أي وحشٍ صغير النفس ما أنتَ عليه الآن؟!.. أنتَ تنتقم من الإنسان، أيها الوحش الخائب الفاشل الحسود. لا مكان لك في الدرجات العليا من حيوات الإنسان، لن تكون المنتصر، سينجو قطيعك ولن تنجو أنت، فإلى أين ستمضي سوى إلى مكانك الحق، إلى عقوبتك التي اخترتها بنفسك، ستكون وحشاً صغيراً لا قيمة له في برية الإنسان، هناك في الغاب، ستواجه الطبيعة بمخالبك والأنياب فقط، فأنتَ الذي أساء استخدام نِعَم الله، أنتَ الذي بلا قلب حولت عقلك من أداة بناء إلى أسلحة دمار.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى