صفحات الحوار

أنور البني: الحل وضع سوريا تحت الوصاية الدولية

 

باسل العودات

يشدّد الحقوقي السوري أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، على أن العدالة الانتقالية هي من أهم أسس نجاح المرحلة القادمة في سوريا، مشيرا، في حوار مع “العرب”، إلى أنه باتت تترسخ لدى الكثير من السوريين قناعة بأن الحل الأكثر نجاعة هو وضع سوريا تحت الوصاية الدولية، يليها البدء في التفكير بالإعلان الدستوري والمرحلة الانتقالية، وأن التفكير في أي ديمقراطية أو حرية يجب أن يلقى صداه على الأرض في ظل الآليات المعتمدة لتحقيق ذلك.

دي ميستورا يفشل في رأب الصدع بين طرفي الأزمة السورية

قال الرئيس السوري بشار الأسد، إن مسودة اتفاق بشأن وضع دستور جديد لسوريا يمكن أن تكون جاهزة في غضون أسابيع، واختصر مطالب السوريين في إجراء تعديلات يجريها هو على الدستور، لكن هذا الكلام يبدو أنه “قفزة في فراغ”، وفق توصيف الحقوقي السوري أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، الذي أوضح في حوار مع “العرب”، أنه لا يمكن، عمليا، تعديل أو إصلاح الدستور السوري الحالي لأنه منح صلاحيات هائلة للرئيس لا يحظى بها أي رئيس في العالم، ثم أي شعب سيقبل الاستفتاء في ظل نظام أمني ووسط ظرف موضوعي صعب تهيمن عليه مآسي الحروب وموجات التهجير واللجوء.

واستبعد أنور البني أن يُفضي مؤتمر جنيف الثالث إلى حلول ناجعة للأزمة السورية، وشدد على أن الحل يكمن فقط بـ”وصاية دولية”، وقال “ما يجري هو عملية تمضية للوقت، والمجتمع الدولي المختلف لم يجد حلا للأزمة السورية بعد، ولا قواسم مشتركة تؤدي إلى الحل، فهو يحاول الإيحاء بأن شيئا ما يحدث من خلال المؤتمرات والمفاوضات غير الجادة، وبدا أن المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا يتعامل مع الأزمة السورية بشكل عشوائي وتجريبي، وباعتقادي، فإنه باتت تترسخ لدى الكثير من السوريين، قناعة بأن الحل الأكثر نجاعة هو وضع سوريا تحت الوصاية الدولية، ومن بعدها البدء في التفكير بالإعلان الدستوري والمرحلة الانتقالية”.

وفيما إذا كان المطلوب هو إجراء تعديل أو تغيير جذري للدستور السوري، قال البني، الذي كتب عام 2005 مسودة دستور لسوريا، وعام 2011 مسودة إعلان دستوري “ليست المسألة مسألة إصلاح للدستور أو تغيير له، إذ يمكن أن نأتي بدستور جديد ونقول إننا أصلحنا دستورنا، كما يمكن تعديل بعض مواد الدستور وندّعي بأننا وضعنا دستورا جديدا، ليست المشكلة في التسميات أو في التعبير، المشكلة في شكل هذا الدستور وما سينتج عنه، وهو الأساس الذي يجب أن يتركّز النقاش حوله، مع ضرورة الانتباه بشدّة إلى أنه لا يمكن الحديث عن دستور لمرحلة انتقالية في سوريا لأنه مبدأ خاطئ كليا، فإن أردنا وضع دستور جديد علينا أن نُجري استفتاء للشعب، وفي سوريا لا يمكن استفتاء الشعب في هذه الظروف، فأكثر من نصفه مهجّر والنصف الآخر يعاني من عنف الحرب وقسوة الحياة ويواجه الموت كل يوم، ومن الخطأ الفادح دفعه للاستفتاء على دستور تحت الضغط، فهو عمليا بلا إرادة حرّة، سواء أكان في الخارج أم في الداخل”.

الجميع يطالب بإقامة دولة ديمقراطية لكن أحدا لم يحدد الديمقراطية المقصودة ولا كيف يمكن الوصول إليها

وعن البديل، قال الحقوقي المعارض والسجين السياسي السابق “البديل السليم هو اعتماد إعلان دستوري للمرحلة الانتقالية في سوريا، وهذا الإعلان الدستوري هو الذي يحدد صلاحيات الحكومة أو الهيئة الانتقالية، وصلاحيات المجالس الانتقالية، وكذلك صلاحيات هيئة العدالة الانتقالية، على أن يستمر هذا الإعلان الدستوري لنحو سنتين، يستعيد خلالهما الشعب السوري أمنه وبعضا من حياته الطبيعية وتوازنه النفسي والحياتي، ليعود صاحب إرادة حرة ويتخلص من الضغوط الحربية والأمنية والانتقامية وحتى الاقتصادية، تليه فترة من تنافس البرامج السياسية لإقناع الشعب بأنها الأنسب والأصلح لتتم بعدها مناقشة دستور دائم لسوريا، وأي حديث عن دستور دائم لسوريا هو عملية تحديد قسرية لمستقبل السوريين وقد يؤدي إلى ردود فعل معاكسة”.

دستور الرئيس القائد

يعتبر الدستور السوري الحالي، الذي أقرّه النظام السوري تحت قصف الدبابات عام 2012، أي بعد عام من انطلاق الثورة، وبعملية استفتائية شكلية أشرفت عليها الأجهزة الأمنية والحزبية وقاطعتها كل تيارات المعارضة السورية على اختلاف مستوياتها وأيديولوجياتها، خامس دستور لسوريا منذ أن نشأت الدولة بمفهومها الحديث عام 1920. وكان الدستور المعمول به قد أصدره حافظ الأسد عام 1973 بطريقة مشابهة عبر لجنة خاصة ثم استفتاء وهمي، أما دستوري عام 1928 و1950 فقد وضعتهما جمعية تأسيسية منتخبة ديمقراطيا.

الدستور المعمول به الآن منح الرئيس كل الصلاحيات التي يمكن تخيُلها والتي لا يمكن أن تتوفر لأي رئيس آخر في العالم، وضرب مبدأ فصل السلطات وسمح للرئيس بالجمع بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، فهو يتولى تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم ورؤساء البعثات الدبلوماسية وإعفاءهم من مناصبهم، وصولا إلى تعيين وإنهاء خدمات الموظفين العاديين؛ ويضع السياسة العامة للدولة ويقود الجيش وله حق حل مجلس النواب ويتولى السلطة التشريعية بدلا عنه.

عليهم أن يذكروا أن حزب البعث الذي رفضه السوريون يتغنى بشعار “الحرية”، لكن أي حرية طبق هذا الحزب على الأرض، وأي آليات اعتمدها؟ وعلى الواقع كانت كل أعماله ضد هذه الحرية

ويقول أنور البني “هو أول دستور في العالم فُصّل على مقاس الرئيس الحالي لأنه أشار إليه تحديدا ضمن مواد الدستور. وتضخمت سلطات الأسد بعد إقرار الدستور الذي وضعه هو نفسه، فقد فصّل دستورا يجعله عمليا وقانونيا القائد المطلق للدولة والمقرر الوحيد لمصير المجتمع، ولم يكن إلا وسيلة لنقل البلاد من مرحلة الحزب القائد في الدولة والمجتمع إلى مرحلة الرئيس القائد للدولة والمجتمع”.

بالعودة إلى الإعلان الدستوري وآلياته ومرجعياته ومن سيضعه، شدّد البني على ضرورة أن يكون هذا الإعلان الدستوري مرتبطا ارتباطا عضويا بالحل السياسي. وقلل من أهمية الجهة التي ستضع الإعلان الدستوري المؤقت، مُشترطا أن يمنح هذا الإعلان الهيئة الحاكمة أو الحكومة الانتقالية كل الصلاحيات.

وقال “بالتأكيد يجب أن يكون مرتبطا ارتباطا مباشرا بالحل السياسي الذي يشير إلى أن هيئة الحكم الانتقالية ستستلم مقاليد الحكم كاملة، وأن يحدد هذا الإعلان كيف ستتخذ القرارات، سواء بأغلبية الثلثين بالنسبة إلى القرارات الهامة التي تؤثر على مستقبل سوريا، وبالنصف زائدا واحد بالنسبة إلى القرارات الإجرائية أو قرارات تسيير الأعمال، وبالطبع يترافق مع وجود هيئة عدالة انتقالية تحاسب الجميع”.

وأضاف “لا يهم من سيضع هذا الإعلان الدستوري المؤقت للمرحلة الانتقالية، فهو سيعطي كل الصلاحيات لحكومة تتشكل من كل أطياف الشعب السوري، بوجود حكومة انتقالية بيدها كل الصلاحيات لإصدار القرارات، ودون صلاحيات للرئيس، بحيث أن جميع أعضاء الهيئة الحاكمة أو الحكومة الانتقالية سيكونون خاضعين للمحاسبة والمحاكمة، ولا حصانة لأحد في مرحلة الإعلان الدستوري، ولن يؤثر على مستقبل سوريا وجود حتى بعض الأشخاص المحسوبين على النظام، لأنهم جميعهم سيكونون خاضعين للمحاكمة وتحت سقف العدالة الانتقالية، ومن المهم أن يكون هذا الإعلان الدستوري محددا بفترة زمنية واضحة، وتكون قراراته غير نهائية وخاضعة للمراجعة والتعديل من قبل مجلس نواب سينتخبه الشعب في ما بعد، وبالتالي فإنه لن تمتد آثاره لتؤثر على مستقبل سوريا، ويمكن إلغاء كل الآثار السلبية التي خلّفتها هذه المرحلة”.

لا لفرض الدساتير

رغم أن دستوري الأسد الأب عام 1973 والابن عام 2012 ضمّا مواد لها علاقة باحترام الحريات وصونها، إلا أن أغلب هذه المواد لم تُنفّذ، ففي ظلّهما أدينت الحكومة السورية بممارسة القمع والتعذيب والاعتقال وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان دستوريا ودوليا.

وخلال حكم حافظ الأسد تم تكبيل دستوره بقانون الطوارئ الذي يحظر التظاهر ويتيح الاعتقال التعسفي والتنصّت وغيرهما، وبقانون المحاكمات العسكرية التي حاكمت المدنيين بمحاكم عسكرية، ومحاكم أمن الدولة التي كانت أعلى من القضاء العادي، وفي ظل حكم بشار الأسد تم تكبيل دستوره بقانون الإرهاب الأكثر سوءا من قانون الطوارئ.

أي حديث عن دستور دائم لسوريا هو عملية تحديد قسرية لمستقبل السوريين وقد يؤدي إلى ردود فعل معاكسة

وفي هذا السياق قال البني، الذي عمل في توثيق انتهاكات النظام السوري ودافع عن معتقلي الرأي أمام القضاء، ما أدى إلى اعتقاله “لن تكون هناك استثناءات في الإعلان الدستوري، ولا صلاحية للأمن إلا عبر الهيئة الانتقالية، والقوانين التي يصدرها ليست مُنزّلة بل قابلة للمراجعة في ما بعد والتعديل وفق مصلحة الشعب، وسيكون فوق القانون مؤقتا وقادرا على إيقاف وتعديل أي قانون، لا إلغاءه طبعا، فمن يُلغي القوانين هو مجلس النواب المنتخب في ما بعد، ولا يمكن أن نعطي في هذه المرحلة الانتقالية شرعية للأشخاص الذين سيقودون المرحلة الانتقالية حتى لا يقع الشعب السوري في نفس المشاكل من جديد”.

وتابع “الدستور هو خيار لكل السوريين، لا يجوز أن يأتي أحد ويفرضه عليهم وعندما نتحدث عن الدستور. هذا يعني أننا نتحدث عن المستقبل وبما أننا لا نريد أن نُعطي مشروعية لأي حكومة تأتي بعد هذه الحرب لأنها أتت نتيجة آثار الحرب وليست نتيجة رغبة وخيار شعبي جماهيري، بالتالي فعلينا أن نحترم وجود فترة انتقالية يتخلص من خلالها الشعب من الضغوط قبل أن يبدأ مرحلة الاختيار النهائية، لكن يجب بالتأكيد أن تكون هناك عدالة انتقالية مرافقة لهذه المرحلة تضمن محاسبة المجرمين والقتلة مهما كانوا، ليشعر الشعب بأن الدماء التي سُفِكت لن تذهب هدرا والجرائم التي ارتُكِبت لن يتم الصفح عن فاعليها، وهذا بالذات هو العامل الذي سيسرّع في استعادة المجتمع السوري لتوازنه وثقته بالمستقبل

لكن الناشط الحقوقي السوري انتقد السياسيين السوريين لعدم تحديدهم بدقة الآليات التي يمكن من خلالها تطبيق الديمقراطية ونشر الحريات التي طالبت بها الثورة السورية، وقال “مشكلة أولئك السياسيين أنهم لا يتعاملون بجدّية مع القوانين، على الرغم من أن السياسة في النهاية هي مجموعة من القوانين، والجميع يطالب بإقامة دولة ديمقراطية، لكنّ أحدا لم يحدد الديمقراطية المقصودة ولا كيف يمكن الوصول إليها وتطبيقها وبأي قوانين وآليات، وعليهم أن يذكروا أن حزب البعث الذي رفضه السوريون يتغنى بشعار (الحرية)، لكن أي حرية طبّقها الحزب على الأرض؟ وأي آليات اعتمدها؟ فعلى الواقع كانت كل أعماله ضد هذه الحرية”.

باسل العودات

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى