صفحات سوريةميشيل كيلو

أوباما قال الحقيقة/ ميشيل كيلو

 

 

“بيت القصيد في كل ما قاله أوباما: ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم، أو بالأصح: إذا لم تساعدوا أنفسكم، فلن نتمكن من مساعدتكم. وكان أوباما قد قال هذا بحرفيته في لقاء البيت الأبيض، فلا أقل من أن نفهم هذا أخيراً”

أربكت تصريحات باراك أوباما قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والتي عادت، قبل نيف وشهرين، من واشنطن، تملأها الثقة بأنها نجحت، أيما نجاح، في إقناع البيت الأبيض بعقد شراكة استراتيجية معها، تتكفل بإسقاط النظام السوري.

وقد نجم الإرباك عن أن تصريحات الرئيس الأميركي كانت مفاجئة ومعاكسة لما روجته هذه القيادة، بعد لقاء الائتلاف مع أوباما، ولم تعبر عن وجود الشراكة التي كان قد طالب الأستاذ أحمد الجربا بها، في أحاديثه مع مسؤولي واشنطن ونوابها، بل تحدثت باستخفاف عن ضعف “المعتدلين” السوريين الذين يفترض أن زوار بلاد العم سام يمثلونهم، وقال أوباما إن أميركا أضاعت وقتاً طويلاً عليهم.

تطلب هذا الإرباك تبريرات ائتلافية، تؤكد على الصورة الزاهية التي قدمت بعد زيارة واشنطن، وتركزت على نجاحها في التوصل إلى شراكةٍ، ستترتب عليها نتائج حاسمة، بما أنها تمت، أخيراً، مع الدولة العظمى. وقد تكاثرت بالفعل التفسيرات المطلوبة، حتى إن أحدها زعم أن أوباما تحدث عن الماضي، متجاهلا أن تفسيره لا يتفق وحقيقة أن أوضاع المعتدلين كانت، في الماضي، أفضل من أوضاعهم الراهنة، وأن أوباما يستحيل أن يكون قد تحدث عن الماضي، لأنه كان يدافع عن سياساته الانسحابية في المعضلة السورية التي تتعرض، اليوم، لنقد شديد كان رد عليه بإعلان يأسه من ضعف المعتدلين السوريين كحليف، وضياع وقت أميركي طويل عليهم، من دون جدوى، كما قال.

بعد الإرباك جاء الفرج، فقد أعلن البيت الأبيض أنه طلب 500 مليون دولار من الكونغرس لتدريب وتسليح المعتدلين، وبدا وكأن الرئيس الأميركي يلحس كلامه. هذا ما قاله المفسرون، بينما تجاهلوا أن واشنطن لم تعد تتعامل مع “المعتدلين” بإطلاق، بل شرعت تختار منهم المعتدلين الذين يناسبون خططها، وأنها تدربهم وتخطط لتسليحهم، ليتسموا بمواصفات معينةٍ، تتفق وفهمها للاعتدال، ستقصي من صفوفه من خاب أملها فيهم، وأضاعت الكثير من وقتها عليهم، في الفترة القريبة الماضية.

لن أدخل في تخميناتٍ لا لزوم لها بشأن هوية هؤلاء، وأنتقل، الآن، إلى القسم المهم من الموضوع، الخاص بتطابق ما قاله أوباما مع الحقيقة، وهي أن المعتدلين السوريين لا يستطيعون، بالفعل، إسقاط النظام، وكانوا عاجزين دوماً عن إسقاطه بسبب انقساماتهم، وقصور وعيهم، وتخلف ممارساتهم، وضعف إحساسهم بالمسؤولية، وقلة خبرتهم، وافتقارهم إلى روح المبادرة، وتخبطهم، واعتقادهم بأنه يمكن تغيير الواقع بالشعارات والمزايدات اللفظية. وأخيراً، لأن من المحال إسقاط الاستبداد الحكومي باستبدادٍ معارض، يشبهه في الجزء الأكبر من طرائقه وخياراته. قال أوباما الحقيقة التي كان علينا، منذ وقت طويل، الاعتراف بوجودها ومعالجتها، وفي مفرداتها أن المعتدلين: الجهة التي قصّرت أميركا تعاملها عليها، لم يعرفوا كيف يبقون على رأس ثورةٍ، تبنت شعاراتهم ومطالبهم، وكانت تحت قيادتهم في أشهرها السبعة الأولى، وبدل أن يتقدموا تراجعوا بقدر ما تقدمت، إلى أن أخلوا مكانهم لجهات معادية لهم، انخرطت فيها في النصف الثاني من عامها الأول، ومع ذلك، لم يعوا ما وقع، ولم يحاولوا تداركه عبر سياسات وتدابير فاعلة، وإنما واصلوا تراجعهم، وكأن الواقع لا يعنيهم، إلى أن وجدوا أنفسهم في حالٍ، لا يحسدون عليها، قادتهم من تدهور إلى آخر، وقلصت حضورهم في جميع ميادين الحياة العامة، فلا عجب أن حملهم الشعب المسؤولية عمّا حاق بثورته من مخاطر وواجهها من فشلٍ نسب إليهم، لأنهم شكلوا هيئاتٍ كرتونيةٍ، ظلت برانية بالنسبة لمن هم تحت من مواطنين وثوار، بينما كان يقاتل ويضحي معهم قادتهم الجدد من أصوليين وتكفيريين.

لماذا قال أوباما كلامه الشديد القسوة بالنسبة إلى حلفاء، طالما زعم أن سياسته تقوم على تعزيز قوتهم، ومساندة سعيهم إلى إسقاط النظام المعادي لهم في دمشق؟ أعتقد أن المهم في ما قاله هو صدقه الذي يجب أن يدفعنا إلى العمل لمغادرة وضعنا الذي نحن عليه، والذي أرغمه على أن يرى في تجربته معنىً تضييعاً لوقت أميركا. كما أعتقد أنه كان صادقا في قوله إننا لن نتمكن من إسقاط النظام، إن واصلنا الاعتماد على الخارج، وإهمال المسألة الجوهرية، وهي أننا العنصر الحاسم في الصراع، الذي يجب أن لا يذكرنا أحد بأولويته، إن كنا نريد حقاً إسقاط النظام، أو بالأحرى الحصول من الخارج على ما يمكننا من ذلك، وهذا، في قناعتي، بيت القصيد في كل ما قاله: ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم، أو بالأصح: إذا لم تساعدوا أنفسكم، فلن نتمكن من مساعدتكم. وكان أوباما قد قال هذا بحرفيته في لقاء البيت الأبيض، فلا أقل من أن نفهم هذا أخيراً، قبل أن تقرر أميركا بالفعل التوقف تماماً عن إضاعة مزيد من الوقت علينا، وتمد يدها لمن لا نستطيع إسقاطه: نظام الأسد!

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى