مراجعات كتب

أوثّقُ رحلتي مع الألزهايمر قبل أن يفتك بي/ غريغ أوبراين

 

 

في رحلة جوية من سان فرانسيسكو إلى بوسطن، وجدت نفسي جالساً إلى جوار ابنتي البالغة 28 عاماً، كولين، في جوار مخرج الطوارئ. وحين سألني المضيف إن كنت قضيت كل حاجاتي، أجبته أنني أخشى المرتفعات. ونسيتُ أن الأمور تلتبس عليّ وأن الأطباء لا يسمحون لي بالسفر من غير مرافقة. والنسيان والتباس الأمور من عوارض الألزهايمر. وحين حلقت الطائرة فوق شيكاغو، هممت بدخول الحمّام. وفي ذهني أن باب الحمّام هو إلى جانبي الأيمن وأن جلّ ما عليّ فعله هو دفع مقبضه. وحين أمسكت به (المقبض) لأفتح الباب، بلغني صوت صراخ كولين فأدركتُ أنني أفتح باب الطوارئ. ولاحقاً طلب مني طاقم الطائرة ألا أجلس بَعد اليوم قرب مخرج الطوارئ.

وحياتي اليوم سباق ضد الألزهايمر، شأن 5 ملايين أميركي يعانون من المرض اللعين هذا. ويتوقع أن يتضاعف عدد المصابين به مرتين في العقدين المقبلين. وكلفة معالجة الألزهايمر في الولايات المتحدة اليوم تفوق 200 بليون دولار سنوياً، ويتوقع أن تفوق تريليون دولار في 2050. وأنا صحافي استقصائي، لذا، بدأت أوثق تجربتي مع المرض وأسجلها لأساعد غيري في معرفة ما ينتظرهم. وهذا المرض ليس حكراً على المسنين. فالخبراء يقولون انه يبدأ تمدده قبل 20 إلى 25 سنة من ظهور عوارضه. وقد يصيب (هذا المرض) الدماغ في الأربعين من العمر على شاكلة التهابات وعوارض عصبية قبل أن تظهر عوارضه الكاملة مع التقدم في السن. والألزهايمر خطف جديّ لأمي، ووالدتي وعمي من عائلتنا. وقبل وفاة والدي، شُخِّص بالخرف. واليوم، آل الدور إليّ.

وفي 2009، كنت في الـ59 من العمر، وشخّص الأطباء إصابتي بالألزهايمر، وقالوا أن ما سرع وتيرة انتشاره هو إصابتي في الرأس حين وقعت عن الدراجة. وبعد أسبوعين من التشخيص هذا، أبلغني الطبيب أنني مصاب بسرطان البروستات.

وبعد مشاورة عائلتي والأطباء، قررت ألا أعالج السرطان على أمل أن يقتلني قبل أن يشتد بي الألزهايمر. واليوم، عائلتي تتعامل مع أناي الجديدة، والخوف يسري في أوصالها ولكنها تجبهه.

وأنا فخور بها. والمرض قربنا من بعض، وحملنا على شد أواصرنا في مواجهة الفقدان. وبدأت أسجل ملاحظات يومية عن أفولي، وبلغ عدد صفحات الملاحظات هذه ألفاً، وجمعتها في كتاب: «على كوكب بلوتو: داخل عقل الألزهايمر». والكتاب مليء باستراتيجيات مواجهة المرض، من الإيمان إلى الفكاهة، والانشغال اليومي بالحياة مع الألزهايمر وليس بالموت إثره. وصباحاتي كلها تبدأ على المنوال نفسه: التشوش. فمع خيط الضوء الأول، أنشغل بأسئلة أساسية: من أنا، وأين أنا، وماذا، ولماذا وكيف هي الحياة. وأنا كذلك نهب للكآبة والخوف والقلق. وهذه المشاعر ترافقني في طريقي إلى الحمّام حيث – نزولاً على نصيحة الطبيب- بدأت ألصق بمعجون الأسنان والصابون السائل وكحول التعقيم ملصقاً يعرف بها. فأنا حاولت أن أنظف أسناني بالصابون السائل وتغرغرت مرتين بالكحول المعقم. وإلى وقت قريب، كان ذهني صديقي الصدوق وأفضل أصدقائي، ولكن اليوم لا أمل في المصالحة بيننا. ويقول الأطباء أنني أستعمل «مخزوني الإدراكي» الاحتياطي، ولكنهم يحذرونني من وشك نفاده، على نحو ما حصل مع أمي. والدواء اليومي يبطئ تمدد المرض، ويساهم في ضبط نوبات الغضب في أيام تتبدد فيها ذاكرتي القصيرة الأمد في ثلاثين ثانية. فأقذف في مثل هذه الأيام بالهاتف إلى الأرض أو عبر الغرفة، لأنني في تلك اللحظة لا أذكر الرقم الذي يفترض بي طلبه، أو أضرب آلة قص العشب بشجرة السنديان لأنني لا أذكر كيفية استخدامها، أو أمسك بصينية الفرن الساخن بيدين عاريتين فأصاب بحرق من الدرجة الثانية، أو أذرف دموع الأولاد حين أخشى الوحدة وعدم اهتمام الآخرين بي.

*كاتب، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 13/4/2016، إعداد منال نحاس

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى