صفحات الرأي

أوراق عن الحالة السورية تم إعدادها لمهتمين من غير السوريين


إعداد زهير سالم

أوراق عن الحالة السورية

الوضع العام – النظام – المجتمع والجماعة – خيارات واحتمالات – احتياجات

 الوضع العام: مفارقات على مستوى الربيع العربي:

لقد تم إعداد هذا التقرير على عجل. في محاولة لسد ثغرة . فالوضع في وطننا سورية أشبه بسفينة يتقاذفها الموج، حيث يغيب أو يضعف الربان. كان الهدف من التقرير شرح أبعاد الحالة السورية لطبقة من المهتمين من غير السوريين، وبالتالي فقد غاص التقرير في بعض التفصيلات، وشرح بعض المتطلبات. وأشار إلى بعض الثغرات. بروح الناصح المشفق.

جرأة الشباب السوري وثباتهم وتضحياتهم تذهب صعدا يوما بعد يوم وهذا الذي يزرع في القلوب الأمل والعزيمة ويفرض على أصحاب الشأن أن يبحثوا عن دورهم الحقيقي وعن استطاعتهم الوفاء به.

ليس من موضوع هذه الورقة البحث في الأسباب التي أدت إلى انفجار ثورة الربيع العربي. ولكن لا بد لمحاولة الفهم أن نشير إلى بعض المفارقات الأساسية بين الوضع العام في سورية وأوضاع بقية الأقطار العربية التي شملها الربيع العربي.

المفارقة الأولى أنه بينما كان الرأي العام العربي يكاد يجمع على إدانة أنظمة مبارك وابن علي والقذافي وصالح فقد ظل نظام بشار الأسد محميا من كل نقد على مستويات إسلامية وقومية بل ظل الكثيرون يتسترون عليه وينظرون إليه بإكبار وإعجاب ويسوقون هذا الموقف بطرق مباشرة وغير مباشرة. ندرك أنه قد كان لهذا الموقف أسبابه ودواعيه التي تجعله مفهوما عند الذين كانوا يتبنونه وأن بعض هذه الأسباب كانت موضوعية وأكثرها كان متوهما أو مبالغا فيه إلى حد كبير. إن الذي يجعلنا نشير إلى هذه المفارقة هو أن هذا الموقف – على ما فيه من خذلان لأبناء الشعب السوري – ما تزال له آثاره وانعكاساته على مواقف بعض القوى على الساحتين العربية والإسلامية.

ولعل الأخطر في هذا الموقف هو أنه شارك في نفخ روح الغرور في شخوص النظام. وجعلهم يديرون ظهورهم لآلام المواطنين بل ويزدادون استهتارا وجرأة على التمادي في الظلم والفساد. فقد اعتقد القائمون على هذا لنظام أنه بالقليل من الشعارات بإمكانك أن تضلل رجالات الأمة من المحيط إلى المحيط، وأن تمتلك ولاءهم. كان لسان حال الشعب السوري يردّد قول الشاعر:

وأقتل شيء رؤية العين ظالما    يسيء ويُتلى في المجامع حمده.

وبالمحصلة فإن المواقف على الساحتين العربية والإسلامية لم ترق إلى أفق أن تصلح ما تسببت به من ضرر جراء المواقف غير المتوازنة، بل مازال بعض هذه القوى يهيم في ضلاله القديم بعيدا عن تطلعات الشعب السوري وآلامه.

والمفارقة الثانية بين الحالة السورية وغيرها من حالات الربيع العربي هي أن النظام السوري يتحمل دورا وظيفيا في المنطقة ما يزال يصعب على الكثيرين تفهم أبعاده. أيّ حقيقة يمثلها تخلي الغرب والولايات المتحدة عن حسني مبارك خلال عشرة أيام، وتمسكه ببشار الأسد لأكثر من سبعة شهور؟! حيث ما يزال التردد بشأن الرئيس الشاب!!!! يحيط بمواقف الكثيرين على المستويات الرسمية : العربية والإقليمية بما فيها موقف تركية وإسرائيل والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة.. هل السر في ذلك كون النظام ممانعا وحاميا للمقاومة ومدافعا عن مشروع الأمة؟! إن تباين مواقف هذه الدول من ابن علي، ومبارك، والقذافي، وبين موقفها الذي ما يزال عالقا من بشار الأسد يجسّد حقيقة المفارقة المضمرة في حقيقة الدور الذي نجح النظام في إخفائه عن الكثيرين.

إن التفكير بالبديل للنظام يربك هذه القوى على تباين ما بينها: حيث تتفق على أهمية دور النظام السوري: إيران وتركية وإسرائيل والعديد من دول الجامعة العربية وروسيا والصين ودول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة. وحيث ما يزال المطلب الإسرائيلي الوجيز والصريح: أضعفوه ولا تكسروه.

لن ننسى في هذا السياق أن نؤكد على دور النظام كحامل خفي لجوهر المشروع التغريبي والصهيوني من جهة، وكحلقة وسيطة وقوية في دعم المشروع الصفوي الإيراني وإحكام حلقاته بين العراق ولبنان من جهة أخرى..

وهذا سيقودنا إلى المفارقة الثالثة والأساسية في طبيعة النظام السوري، وهي ارتكازه على أقلية مذهبية ضيقة تتعصب له وتدافع عنه. إنه مهما قلنا إن الطائفة ليست مسئولة بجملتها عما يجري في سورية – وهذا كلام حقيقي إذ لا يعقل أن ينطوي قرابة مليوني إنسان على موقف واحد ورؤية واحدة وأن يكونوا جميعا مستفيدين من النظام وعلى قلب رجل واحد-  فإن الوجه الآخر لهذه الحقيقة هي أن كل مفاصل القوة في سورية هي بأيدي رجال من الطائفة الحاكمة. وأن معظم مفاصل القوة العسكرية والأمنية التي يرتكز عليها النظام هي بأيدي أبناء الطائفة.

لن نستطيع أن نغفل في تشخيصنا للحالة السورية عن أن هناك أكثرية مدنية من سائر الطيف السوري مضطهدة عقائديا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا ضد استئثار الأقلية المتحالفة مع قشرة رقيقة من المنتفعين على مستوى أوسع وهذا يصعّب مهمة الثورة السورية ويجعل المستقبل أكثر ضبابية. إن حجم المصالح التي تستأثر بها هذه القوى من جهة وحجم المفاسد والجرائم التي ارتكبتها بحق المواطنين من جهة أخرى؛ يجعل هذه القوى تتخوف أكثر من المستقبل. وهذا يدفع الحاملين لمشروع التغيير دوام التأكيد على البعد الوطني لمشروعهم الوطني. ورفض أي خطاب يبث الكراهية أو التمييز أو يدعو إلى الثأر أو الانتقام.

ولعل المفارقة الأخيرة التي يقتضينا المقام أن نشير إليها ولاسيما بالمقارنة بين الحالتين المصرية والتونسية أن نظام الاستبداد في نسخته السورية قد أفقر البلد بالفعل من الطاقات الفكرية والعلمية على حد سواء. لن تستطيع أن تجد طبقة من قادة الرأي والفكر والثقافة في سورية الأسد، إذ غابت عن سورية الوطن أسماء لامعة على المستوى العلمي بكافة الميادين. تحولت الجامعات السورية من معاهد للبحث والفكر إلى مدارس لمنح الشهادات، وغاب عن سورية المفكر والقاضي والقانوني والباحث والطبيب والأديب والصحفي، وتخلف في سورية كل شيء – إلا ونقولها للإنصاف ما يقال عن فن صناعة الدراما السورية.-  إن الفقر الفكري والسياسي والثقافي على الصعيد الوطني يشكل أزمة وطنية خانقة تستشعرها اليوم المعارضة السورية والمشروع الوطني بكافة أبعاده وهذا يحمّل رجال المعارضة الشريفة المزيد من المسئولية.

نعتقد أن المعارضة السورية أو أن سورية بشكل عام بحاجة إلى جيش من الكوادر من الخبراء والعلماء لبناء سورية الحديثة. يجب أن يهتف الجميع مع المطالبة بسقوط النظام الممطالبة بسقوط الغرور. وعلى القوى المعارضة أن تحشد شبابها على مقاعد الاختصاص في جميع العلوم والفنون.

النظام: طبيعة الأزمة:

حين نشير إلى النظام السوري فإن اللفظ يمكن أن يفسر على عدة مستويات، المستوى الأول هو المعنى الذي أشار إليه رامي مخلوف والذي يعني ( بشارا وأخاه وأمه وأخته وصهره وابن خاله وأحيانا ابن عمته ). بمعنى آخر يمكن أن ينضم إلى هذه المجموعة زمرة من كبار الضباط الأمنيين وفي دائرة ثالثة مجموعة أوسع من كبار القادة العسكريين، ومعظم هؤلاء بالطبع – إن لم يكن كلهم – من رجال الطائفة الذين يستأثرون بالحكم.

خلال واحد وأربعين عاما هي عمر نظام بشار الأسد مع أبيه لم يتوجه هذا النظام يوما إلى الشعب السوري لا بتحية ولا بموقف. كل سياسات النظام الأساسية إنما كانت تتشاغل باللعب في المساحات الدولية والإقليمية المتاحة مع مزاج يميل إلى الشغب الذي يجذب الأنظار.

ومنذ استلام بشار الأسد السلطة – وعلى سنة أبيه – كان دائما يتشاغل عن مواجهة أي استحقاق وطني داخلي. ومع نظام جمهوري رئاسي يضع جل مسئوليات الدولة في يد رئيس الجمهورية تحولت الحكومات السورية المتعاقبة إلى حكومات إدارة خدمات. ومع نظام شمولي مستبد لحق مجلس الشعب في اهتماماته بالحكومة، ونخر الفساد جسد مؤسسة القضاء والمؤسسات الوطنية الأخرى التعليم والصحة والاقتصاد والزراعة والصناعة وتضخم دور المؤسسة الأمنية حتى على دور المؤسسة العسكرية التي همّشت لحساب فرق خاصة سيطر عليها رؤوس النظام. وعند كل محطة أو استحقاق للحديث عن إصلاح داخلي كان بشار الأسد يتهرب من مواجهة هذا الاستحقاق حتى على مستوى الخطاب.

مع اغتيال الحريري سنة 2005 أعلن في المؤتمر القطري العاشر من وعود هلامية للإصلاح لم تلبث هذه الرؤى أن ذوت أو انزوت في الأدراج.

في الحقيقة يدرك رؤوس النظام أن مقتلهم الحقيقي يكمن في أول خطوة على طريق إصلاح حقيقيّ جاد. إن عقودا مرت على ما جرى في تدمر وحماة مع رفض النظام أي محاولة لتدارك ما حصل لم تكن تنبع من جهل وإنما من وعي حقيقي إن الخطوة الأولى على طريق الإصلاح هي الخطوة الأولى على طريق النهاية.

حين تكون المقدمة الأولى في منطق النظام هي الأسد للأبد، وحين يتحكم شعور اللاإنتماء لهذا الشعب بأصحاب هذه المقولة يدرك هذا النظام أن طريقه إلى العقول والقلوب مسدود، وأنه لا سبيل له إليه  لا بالأشخاص ولا بالسياسات. لا نظن أن بشار الأسد فد فوجئ بشيء من حدة الهتافات التي تنطلق بها حناجر الشباب هذه الأيام. بل هو يقرأ هذه الهتافات في قلوب وعقول الصامتين أيضا.

إن إدراك هذا الواقع يضعنا أمام عبثية انتظار الإصلاح من النظام. إذ أنّ أيّ مشروع حقيقي للإصلاح سيرتبط عملياً بانهيار سريع أو وشيك للنظام. والمعارضون الذين كانوا يطالبون بإصلاح متدرج خلال السنوات الماضية كانوا يراهنون على هذا: دائرة من الحرية ولو بمساحة موطئ قدم ستتسع سريعا وتسحب البساط من تحت أقدام مشروع الفساد والاستبداد. وفي الوقت نفسه ومن واقع إدراك النظام لهذه الحقيقة أيضا كان يرفض بل يصر على رفض التنازل عن هذه المساحة ليس للإسلاميين فقط بل لقوى معارضة تعتبر رديفة للنظام إيديولوجيا وسياسيا إلى حد كبير.

واليوم حين يتحدث النظام عن مشروع إصلاح يتحدث عن مشروع التفافي يريد من خلاله امتصاص الصدمة ليبقي كل شيء على ما هو عليه مع بعض التغيير في العناوين واللافتات..

ترفض القوى الشعبية الثائرة أن تنظر في أيّ من التفاصيل التي يقدمها النظام بسبب انعدام الثقة وفقدان المصداقية أصلا. ونحن مع تأييدنا لها في هذا الموقف نقوم مع كل وعد بالإصلاح أو قرار، بتفحّص هذه التفاصيل. تابعنا مثلا طريقة إلغاء حالة الطوارئ والتعويض عنها بتعديل المادة 55 من قانون العقوبات لتغطي الأثر الحاصل عن غياب هذا القانون وتابعنا قانون الانتخابات وقانون الإعلام وقانون الأحزاب وطريقة الدعوة للحوار وأرضيته وأفقه. كل هذه المتابعات تؤكد القناعة أن النظام لا يريد أن يتنازل عن أي مساحة من الحرية أو من الأمن أو من السلطة بل هو مصرٌ على الاحتفاظ بسلطاته المطلقة خارج إطار القانون  حتى النهاية، وأن على المجتمع السوري أن يقبل العيش في ظل سلطات أجهزة الأمن والشبيحة والفساد الاقتصادي. الوضع الذي ترمز إليه الصورة الملتقطة من قرية (البيضة): وجوه تحت البسطار، أو تلخصها ضمنا عبارة: لا إله إلا بشار التي أكره المعتقلون على تردادها.

المعادلة المطروحة اليوم مع إصرار الشعب السوري على المضي في طريق ثورته هي: هل يمكن لأحد أن يخذل هذا الموقف الوطني ليمضي مع وعد خلبي بالإصلاح؟ ندرك أن في الاختيار بعض المراهنة. وندرك أن بعض القوى ما تزال تتردد آخذة بعين الاعتبار الكلفة من الضحايا والمفاسد التي يمكن أن تنعكس على الوطن بخسارة الرهان.

نعتقد أن التخلص من هذا النظام يستحق التضحية. وأن الخلاص من هذا النظام هو أول الطريق لاقتلاع شجرة الفساد من المنطقة. و التعايش مع هذا النظام سيكون ربما أكثر كلفة على المدى الطويل على المستوى الوطنيّ والإقليمي أيضاً، حيث سيتمدد هذا النظام ليزجّ المنطقة في صراعات مذهبية، وسيحرض على إثارة الفتن في الخليج العربي والجزيرة العربية والعراق ولبنان وفي غيرها من الأقطار.

على مستوى الصراع مع العدو الصهيوني سيستمر النظام في أداء دوره الوظيفي في حماية دولة العدوان، واللعب بالأوراق لهدر طاقة الأمة وضرب أبنائها بعضهم ببعض. إن مراجعة دور نظام حافظ الأسد في تفتيت الموقف الفلسطيني وخذلانه في محطات كثيرة أمر بالغ الأهمية..

وعلى المستوى الوطني سيظل الشعب السوري أسيرا لقوة باغية مسيطرة ولفتنة عمياء. وستظل سورية بثقلها وشعبها خارج إطار الفعل العربي والإنجاز الحضاري. إلى جانب ألوان الفتنة التي ستضرب على الشعب السوري في كل مرحلة بما يتاح لقوى البغي التي يمثلها النظام..

نعتقد أن إدراكنا لطبيعة النظام ولآفاق المعركة ترجح لدينا على المستوى الوطني أن يكون خيارنا منحازا إلى الخيار الشعبي بكافة أبعاده وأن نبذل كل الوسع في نصرته وتأييده ودعمه سائلين الله أن يمدنا بالعون والتأييد.

ومن بعض العرض الذي تقدم عن طبيعة النظام وعن طبيعة المفارقات بين الحالة السورية وشقيقاتها العربية نعتقد أنه قد آن الأوان لتشتق القضية السورية مكانتها من القضية الفلسطينية ولاسيما في بؤرة هذا الصراع لتكون قضية نصرة الشعب السوري قضية من قضايا الأمة المركزية يبذل في دعمها ما تستحق من دعم وتأييد على المستويين العام والخاص.

المجتمع وجماعة الإخوان المسلمين:

المجتمع السوري بشبابه المسلم في توجهه العام هو الحامل الأساسي لهذه الثورة. بدقة وموضوعية لا يمكن لأحد أن ينسب هذه الثورة لتنظيم أو قوة سياسية منظمة تحت أي اعتبار. ثمة حقائق أساسية لا بد من توضيحها لتكتمل الصورة عن أبعاد الصراع:

الخارطة الديمغرافية..

يسمع الكثيرون عن أن سورية مجتمع من الأقليات. ويعلق المعلقون على الفضائيات بالحديث عن فسيفساء وطني، ويضطر البعض إلى مجاراة مثل هذه المصطلحات لئلا يتهم بالإقصاء.  يسمع الكثير في سورية عن ملل ونحل وأديان وأقوام. لتصحيح التصورات ينبغي أن نعيد  رسم الخارطة الرقمية لسكان سورية ، وهي خارطة تؤكد أن المسلمين السنة العرب يمثلون السواد العام من المجتمع السوري. الأرقام التي سنوردها هي أرقام تقريبية نظرا لغياب الإحصاء.

كان في سورية في مطلع القرن الماضي ثلاثة أديان: مسلمون ومسيحيون ويهود.

أما اليهود فقد هاجروا بجملتهم عن سورية تباعا وخرجت الدفعة الأخير في أول التسعينات بعد أن استجاب حافظ الأسد لضغوط وزير الخارجية الأمريكية كريستوفر وسمح لبقيتهم بالرحيل…

كانت نسبة المسيحيين في سورية في القرن الماضي تقارب10% من السكان إلا أن هذه النسبة تناقصت تحت تأثير الهجرة للغرب طلبا لسعة العيش، كما تحت تأثير الاقتناع بأفكار الغرب حول تحديد النسل فتناقصت النسبة إلى 5% فقط.. وهؤلاء يتوزعون على مذاهب متعددة أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت وآشوريين وكلدان وأرمن فمن يسمع تعداد هذه الطوائف يظن أنه أمام ملل ونحل متكاثرة ولكن الحقيقة أن كل هذه الأسماء لا تشكل 5% من سكان سورية..

وهذا يعني بالتالي أن نسبة المسلمين في سورية اليوم هي 95 % وهذه النسبة تتوزع على المذاهب التالية:

10% علويون – 4 % دروز%  – 1% إسماعيليون 1% مذاهب وطوائف أخرى

بمعنى أن المسلمين السنة في سورية يشكلون 85% من جملة المسلمين أي 80% من جملة السكان

على مستوى آخر هناك أقليات عرقية في سورية معظمهم من المسلمين السنة وهم أكراد وتركمان وشركس يشكلون في جملتهم 10% من سكان البلاد. الأكراد من هؤلاء بشكل خاص وهم النسبة العظمى يشكلون حالة من المظلومية الفاقعة التي تحتاج إلى مشروع وطني للاستيعاب والإنصاف.

هذه هي الحقائق الديمغرافية عن سورية أو عن بلاد الشام العربية المسلمة التي يثور شبابها اليوم طلبا للحرية والعدل وانتصارا للدين والهوية.

لقد استطاع المجتمع السوري خلال ثلاثة عقود من غياب الجماعة أن يجدد لنفسه قنوات ووسائل خاصة للفكر والدعوة ووجد في الإسلام الحصن الهوية والدرع والرمح. لا نستطيع أن نزعم أن هذا الشباب الذي ظل لسنوات طوال يسمع هجاء الجماعة يحمل ولاء لهذه الجماعة ولكنه في جملته يحمل ولاء لا حدود له للإسلام. إن أحد الأهداف الأساسية لمرحلة التعاطي مع هذا المجتمع أن نبادر إلى إجراء مصالحة بين هذا الشباب وبين الجماعة وفكرها واسمها وتاريخها.

قبل الانتقال إلى الحديث عن دور الجماعة لا بد من الإشارة إلى المفارقة بين وضعنا ووضع إخواننا في مصر حيث أنهم كانوا يعيشون في وطنهم وبين ظهراني قواعدهم وجماهيرهم وحيث كانت المعارضة المصرية بمن فيها الإخوانية تتمتع بهامش من الحرية لم تظفر المعارضة السورية بمثله حتى اليوم.

في حديثنا عن المجتمع السوري لا بد أن نشير إلى أنه لا يزال هناك أكثرية مجتمعية صامتة لم تنخرط في النشاط المعارض وهذه الأكثرية تتمركز في العاصمتين السياسية والاقتصادية للدولة وهما المدينتان اللتان تشتملان تقريبا على ثلث سكان سورية. كما أنه لا بد أن نشير إلى امتناع طبقات كاملة في سورية من الانخراط في النشاط وإذا ضممنا إلى هؤلاء طيف من بعض أبناء الأقليات التي ما تزال تعلن ترددها وتخوفها، ندرك أن المجتمع السوري ومع شدة القمع وقسوته ما يزال متربصا أو مترددا عن الانخراط في الصراع بكليته. ولم تستطع قوى المعارضة المنظمة أن تقنع بقية القوى المجتمعية بالانخراط عمليا في الثورة…

تحناج الأكثرية الصامتة إلى تشجيع ويجب أن يتم ذلك وفق خطاب مدروس ومنهجي. ويحتاج أبناء الأقليات الذين يشتركون في حمل الهم الوطني إلى تطمينات حقيقية على حقوقهم ودورهم عبر شبكة من العلاقات التي توثق العرى الوطنية، دينية كانت هذه الأقليات أو مذهبية أو قومية عرقية. كان المسيحيون في مطلع القرن الماضي في مقدمة من حمل عبء مشروع التنوير. وكان الأكراد في عصر غزو الفرنجة في مقدمة من قاد مشروع التحرير. إن التأسيس لثقافة المواطنة يحتاج إلى برامج تأصيل شرعي ومدني لدى أبناء الجيل.

الجماعة ودورها

على الحقيقة فقد كانت هذه الثورة وليدة عوامل تراكمية منها من جهد المعارضة وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي حملت راية المعارضة وتزعمتها طوال ثلاثين عاما، ومنها ما نتج عن حزمة ضخمة من المظالم أدمن على ممارستها النظام. ومع ذلك فقد تفجر الحدث في سورية كما تفجر من قبل في تونس ومصر وليبية بدون فعل مباشر لأي قوة معارضة على الأرض.وما تزال القوى المعارضة ومنها جماعتنا تحاول اللحاق بركب الثورة والاندماج فيها وتقديم العون والمساندة لها. لقد فاجأت الثورة الجميع  وفرضت عليهم جملة من التحديات لم تستطع جملة القوى المعارضة أن توفي بها. إن أبرز التحديات التي تواجه المعارضة هي توحيد صفها واجتماع كلمتها على برنامج وطني موحد. إنه ولوجه الحق ومع اجتماع المعارضة في الإطار العام على توافقية وطنية إلا أن التنافسات الشخصية ما تزال تحول بين المعارضة وبين  التوحد في أفق وطني جامع ومكافئ للتحديات.

لقد تم انعقاد العديد من المؤتمرات المعارضة، وانبثق عنها العديد من المجالس والتشكيلات. وشاركت الجماعة في جميع هذه المؤتمرات ولكن أيا من هذه المؤتمرات بمن فيها المجلس الوطني الأخير لم يتحصل حتى الآن على الاعتراف الدولي المناسب. مع إقرارنا بأنه شكل نقطة تحول في عمل المعارضة السورية ويمثل معظم أطيافها.

وما قلناه عن المعارضة بشكل عام نستطيع أن نقوله – مع الأسف الشديد – عن الجماعة.  فهي ليست في خير حالاتها. ومع ما تقتضيه المرحلة من حشد الطاقات وتوظيفها فإن الجماعة مع كل ما تقوم به لم تتمكن حتى الآن من حشد كافة طاقات شبابها وجماهيرها المنتشرين في أصقاع الأرض.

وإن كنا نقر بأنه ليس في صف الجماعة من ينازع الأمر أهله لأن جميع الإخوة يدركون خطورة المرحلة، وهم في نفس الوقت مشفقون على جماعتهم، فإن ذلك يدعونا للحديث عن ضرورة تطوير الجماعة لوسائل عملها وآلية اتخاذ القرار فيها عبر شورى ومشاورات حقيقية واسعة، وإلى الإنفتاح على جميع أبنائها وتوظيف طاقاتهم، وعدم ترك أي مجال للتفرد والاستئثار والإقصاء. والعمل على استقطاب دائرة مفتوحة من أبناء التيار الإسلامي العام للتعبير عن نفسه وإثبات وجوده وللتعاون من موقع المكافئ مع التيار العلماني الذي سبق إلى التعبير عن نفسه من خلال العديد من الهيئات.

إن حديثنا عن قلة الطاقات في المجتمع السوري وضعفها ينطبق بالتبع على أبناء الجماعة وهذا يؤكد على ضرورة تدارك مثل هذا النقص بتوسيع دائرة الشورى، والاستعانة بخبرات وطاقات إضافية وطنية سورية وعربية . والسعي الجاد والحادث إلى اكتشاف الطاقات الصديقة والوطنية وتوظيفها في مواقعها وإلى المبادرة في إعداد الكوادر عبر الجهد المكثف لتغطية حاجة الساحة الوطنية من الخبرات. سورية الجديدة لن تبنيها الأماني الطيبات وإنما سيبنيها رجال العلم والخبر ة في كل ميدان.

إن الذي يدفعنا إلى تقديم هذه المطالعة هو الأمل والإشفاق وطلب الإعذار أمام الله والناس دون أن يعني ذلك أي انتقاص من مكانة أحد.

الثورة: الخيارات والاحتمالات…

منذ البداية أكّد الشعب السوري خياراته الأولية في وطنية الثورة وسلميتها وسعيها إلى الدولة المدنية التعددية والتداولية. بعد عرضنا لأفاق هذه الخيارات سنضطر للتوضيح أنه وتحت وطأة القمع الذي رد به النظام جرت بعض التطورات على هذه الخيارات.

لقد أشعلت القسوة البالغة التي عومل بها طلاب مدرسة ابتدائية، كتبوا على الجدار: الشعب يريد إسقاط النظام، شرارة الثورة في سورية فقلعت أظافر الأطفال، وشوهت أجسادهم وغيبوا في السجون، وطُلب من آبائهم نسيانهم ووجهت لهم إهانات أبلغ من ذلك. ومنذ البداية هُرع النظام إلى فزاعتين ليختبئ وراءهما فاستدعى فزاعة المؤامرة الخارجية، واستدعى فزاعة الفتنة الطائفية، وظل يردد هذا الكلام ويجهد لإعطائه شواهده ولو باختلاقها، لتوظيفها كذرائع للقمع والقتل الذي يمارسه. ورد الشباب الثائر على ذلك بخياراتهم الأساسية:

وطنية الثورة:

وكان البعد الأول لمفهوم (الوطنية) هو رفض الطائفية. والدعوة إلى دولة مدنية تجعل من المواطنة المجردة أساسا للحقوق والواجبات. رفض الشباب الثائر ومن قبله ومن بعده القوى السياسية بمن فيها الجماعة المنطلق الطائفي، إلا أن النظام ظل يلجأ إلى أشكال الاستفزاز الطائفي ليشعل فتيلة فتنته، ويوظف في هذا السبيل ممارسات ما يسمى جيش الشبيحة، وما يسجل على أفراده من ممارسات وإهانات وتفوّهات خارجة عن كل سياق، وعندما يواجه بها النظام يتبرأ منها ويظهر عدم رضاه عنها، وتمادى هؤلاء في تصرفاتهم وأساليبهم حتى وصل الأمر إلى سياسات الانتهاك بكل انعكاساتها المثيرة للانفعالات.

ثم بالغ النظام أكثر في استدعاء معاني الفتنة ففزع إلى بعض الأقليات ليعلن نفسه حاميا لها، وليجعل بعض قياداتها  تعبر عن تخوفاتها من المستقبل المخيف، واصطنع بعض الشعارات الطائفية ليلقيها على الفضائيات على أنها شعارات متظاهرين. لقد أراد النظام من التخويف على المسيحيين بشكل خاص، وتعيين وزير دفاع سوري من المسيحيين أن يجعل دول الغرب تتعاطف معه ولكنه لم ينجح في ذلك ومازالت الثورة متمسكة بهذا البعد الوطني، وإن لم يغب عن المشهد بعض الأصوات التي يحاول النظام توظيفها ويساعد أحيانا في إطلاقها…

والبعد الثاني لمفهوم وطنية الثورة هو رفض التدخل الخارجي والاستعانة بالأجنبي. فقد ارتبطت الثورات العربية منذ البداية برفض التجربة العراقية والتخوف من سيناريوهاتها. وظلت الثورة السورية في الشارع الثائر وعلى ألسنة القوى السياسية تؤكد على وطنية الثورة بهذا المفهوم.

إلا أنه وتحت وطأة القمع والعنف الممنهج والمبالغ فيه بدأت الأصوات في الشارع السوري تتلمس النصرة من (تركية) بحكم الجوار وحسن الظن، ثم من الجامعة العربية بحكم الرحم، ثم من الشعوب العربية بحكم شعور الوحدة . وإزاء اليأس من كل ما مر انطلقت في سورية وعلى ألسنة الثائرين جمعة ( طلب حماية المدنيين ). فدخل الموقف الوطني في شيء من الارتباك والاضطراب على مستوى التفسير والتبرير وتحديد المواقف. ووضعت هذه الحالة على المحك علاقة قوى المعارضة المنظمة بالشارع الثائر: قيادة الشارع أو الانقياد له.

قيادة الشارع أو الانقياد له:

وضحنا أن هذه الثورات انطلقت بعيدا عن سيطرة أو توجيه القيادات السياسية للقوى المنظمة. وأن جميع هذه القوى أعلنت دعمها للثورة والتحامها بها على المستوى العام ولكن ومع تطورات الحدث والتقدم أكثر على طريق التفاصيل بدأت تتضح معالم هذه المزدوجة: قيادة الشارع الثائر أو الانقياد له. لقد وقعت أمام شعار طلب حماية المدنيين العديد من المفارقات على مستويات تفسير حقيقة الطلب أو تبريره أو التماهي معه أو تقييده أو الذهاب أبعد منه، ولم تكن جماعتنا بعيدة عن هذا التجاذب فقد صدرت بعض التصريحات التي تماهت مع الشفاعة للتدخل العسكري المشروط، وغابت الحكمة عن تقييد مفهوم طلب الحماية للمدنيين، في حين أصرت بعض القوى السياسية على الإصرار على موقفها في رفض أي تدخل عسكري.

وللحقيقة فإن الحديث عن التدخل الخارجي على مستوى تطور الوضع في سورية ما يزال حديثا (أرأيتيا) يوظفه النظام لإدانة المعارضة، وشق صفها، والتأليب عليها، وتحقيق معنى المؤامرة التي استدعاها منذ البداية النظام.

لا يزال مجلس الأمن مترددا في إدانة القتل في سورية. مازالت بعض دول الجامعة العربية والقوى العربية تؤيد مشروع النظام في القتل والقمع والاضطهاد. ليس مطروحا على أي مستوى من المستويات الدولية والإقليمية والعربية أي صورة من صور التدخل بينما تدخل إيران وحزب الله المعركة بالعدة والعدد والتأييد المادي والمعنوي.

نعتقد أن الانعكاسات العامة لأي تدخل عسكري في سورية ستكون غاية في السلبية. ونعتقد أن إصرار النظام على الذهاب في معركة القمع حتى النهاية يتطلب مواقف أكثر حزما وحكمة وواقعية. نعتقد أن ضغط الجماهير والقوى العربية في الشارع العربي سيكون لها دورها في جعل النظام يتوقف عن المضيّ على طريق القتل، ويقنع الشارع السوري بأنه يأوي إلى ركن شديد من نصرة عربية حقيقية.

سلمية الثورة وانشقاقات العسكريين:

كان الشعار الأول الذي تمترس خلفه المتظاهرون هو: سلمية سلمية. ولكن حجم القمع، والقتل الممنهج، وسياسات الانتهاك، دفعت منذ البداية إلى انشقاق بعض العسكريين وفتح بابا جديدا للصراع.

كان الانشقاق يتم برفض تنفيذ الأوامر بقتل المدنيين. وجاء رد الفعل على هذا الموقف بالقتل الفوري لكل عسكري يتردد أو يتلكأ. ووجد المجند أو الضابط السوري الشريف نفسه بين نارين قاتل أو مقتول ومن هنا نشأت فكرة الانشقاق على الجيش التي بدأت منذ الأيام الأولى في درعا ثم تنامت وامتدت إلى حمص وجسر الشغور ثم وجدت لها مواطئ قدم في بعض الأطراف والمواقع التضاريسية المناسبة.

إن تقويم ظاهرة انشقاقات العسكريين وتداعياتها قابلة للكثير من التأمل. فحرج الموقف الأخلاقي والشرعي للعسكري السوري يحمل النظام السوري أولا المسئولية المباشرة والكاملة عن هذه الظاهرة.

إن هذه الانشقاقات تدخل بعض الضيم على شعار سلمية الثورة الذي ما يزال يصر عليه آلاف المتظاهرين الذين يملئون الساحات. وتعطي النظام مبررات لمطاردتهم تحت عنوان مطاردة العصابات المسلحة..

من جهة ثالثة لا يمكن التعويل على هذه الانشقاقات في حجمها الحالي لإحداث أي تغيير عملي على الساحة السورية، ولكنها يمكن أن تكون بداية لتطورات قد تقود إلى حسم المعركة.

ومع ذلك فإن الحديث عن الانشقاقات العسكرية لا يمكن أن تغطي على جرائم النظام في إصراره على قتل المتظاهرين السلميين بمن فيهم الأطفال كطريقة لإرهاب المتظاهرين. تجاوز عدد القتلى من الأطفال المئتي شهيد حتى الآن ؛ إن سائر القتلى الذين يسقطون يوميا هم من المدنيين والمتظاهرين السلميين. وهذا ما يفرض على الٍمجتمع الدولي والعربي أن يتحمل مسئولياته أمام القتل اليومي والمنهجي على الساحة السورية.

لقد حسمت الجماعة أمرها بإعلان تمسكها بسلمية الثورة. والفصل بين المسارين المدني والعسكري.  والتحامها بالمسار المدني وتأييده. إن انعكاسات عسكرة الثورة في الظروف المحيطة سيكون لها انعكاسات بالغة الخطورة وإن أي محاولة لربط الجماعة بها ربما تحمّل الجماعة أعباء لا قبل لها بها. وهذا ما يمكن تجنبه بشفافية القرارات والمواقف.

الدولة المدنية…

سبق للجماعة أن طرحت في مشروعها السياسي عنوان الدولة المدنية كمقابل موضوعي للدولة (الثيوقراطية) بمفهومها وأبعادها. لقد ساهم هذا الطرح في تشكيل التوافقية الوطنية مع القوى الأخرى في وقت تبدو فيه الساحة الوطنية أحوج ما تكون إلى التوافق ولو على العناوين. نعتقد أن الفكر السياسي الإسلامي بحاجة إلى دراسات أكثر منهجية لشرح أبعاد الدولة المدنية والتأسيس لها في العقل السياسي لأبناء الجماعة وجماهيرها على السواء…

الاحتمالات…

الحديث عن احتمالات المستقبل ربما يكون هو الثمرة لكل ما قدمناه.

ربما لا أحد يراهن في سورية بعد كل الذي جرى على نسخة معدلة للنظام. فبعد هذا الحجم من القمع والقتل والانتهاك الذي تجاوز في انتشاره وامتداده – وإن لم يكن في حجمه – ما جرى في الثمانينات، فإن القادم في سورية سيسير في أحد طريقين: إما أن ترتدّ سورية إلى وضع أسوأ مما كانت عليه من ظلمة وظلم في حال انتصر النظام – لا سمح الله – وإما أن تسير سورية في طريق أخواتها العربيات في مصر وتونس وليبية.

لقد نجح بشار الأسد خلال أحد عشر عاما من حكمه في شيء واحد هو أن يجعل الناس ييأسون منه. لقد رد كل الأيدي التي امتدت إليه خائبة. وأسقط كل الرهانات على معطيات الشباب والثقافة التي رأى فيها البعض أملا لمشروع إصلاحي. حين نذكر ما تقدمت به الجماعة من ميثاق الشرف الوطني، ثم المشروع السياسي، ثم تعليق الأنشطة المعارضة، هذه الخطوات التي قوبلت بترحيب كبير على المستويات العربية، وأن كل تلك المبادرات لم تلق أي التفافة من بشار الأسد، نزداد يقينا أن أيّ مراهنة على الحوار أو الإصلاح هي مراهنة على باطل وغرور. ويوما بعد يوم نزداد قناعة أن خياراتنا محاصرة من قبل بشار الأسد نفسه إما انتصار مشروع الثورة أو الردة إلى عصر أشد ظلمة لا سمح الله.

يدرك الشباب الثائر أن كلفة التراجع ستكون أعلى أضعافا مضاعفة من كلفة الاستمرار. ولكن إن وجد النظام فرصة، في ظل التراخي العربي والدولي،  لتوجيه ضربات قاصمة وخاطفة كالذي جرى في حماة.. فإن مستقبل سورية سيكون مظلما لعقود قادمة. ومن هنا تبدو فظاعة هذا التراخي الذي يمارسه البعض تجاه ما يجري على أرض الشام.

إن أكثر الاحتمالات عملية هو أن يبادر بعض قادة الجيش إلى القيام بحركة لفرض مخرج ما وإن لم يكن في حقيقته في مستوى ما جرى في تونس ومصر نظرا لتركيبة القيادات المسيطرة في الجيش السوري. إن التفكير بهذا الاتجاه ليس إيجابيا وقد يكون مجرد محاولة التفافية، أو قد يقدم أنصاف حلول، ولكنه يبقى المخرج الأقرب والأيسر وربما الأسلم أيضا.

إن الحديث عن عصيان مدني شامل قد يشكل مخرجا للتخلص من النظام، ولكنه في الوقت نفسه سيكون بالغ الكلفة، و قد يفتح الباب لحرب أهلية تشنها القوى التي تستشعر الخطر على مصالحها. وتشارك بها القوى المهددة أو التي تعرضت للتهديد. وقد يفضي هذا السيناريو إلى محاولات جدية لتقسيم البلد وإن لم تكن العوامل الدولية والإقليمية مساعدة على مثل هذا التفكير ولاسيما في ضوء التخوف من سيطرة لإيران وموطئ قدم لروسيا على شاطئ المتوسط.

إن المصلحة الوطنية تكمن في ألا يحدث أي انفلات، قبل أن تملك القوى الوطنية مداخل التأثير العملية لحماية البلد مما يمكن أن يكون. إن على جميع القوى الوطنية أن تكون مستعدة لتحمل المسئوليات في الساعات الصعبة. وسيكون المطلوب من جماعتنا أكبر. ليس للسيطرة والاستحواذ ولكن للتضحية وحماية كل ما يجب حمايته. حين تتنافس القوى السورية على الظهور والعمل العلني ولا تجند طاقتها العملية في الإعداد للساحة والساعة العملية سيكون وضع المعارضة وضع من يحرث في الهواء.

إن احتمال التدخل الخارجي لتغيير النظام في أي مستوى من المستويات بعيد الوقوع. ربما تضطلع تركية – بترتيب دولي – بدور على مستوى ما، وقد يكون منها التدخل لحماية منطقة محررة ، أو لمنع التقسيم نظرا لشراكة تركية في الشريط الحدودي.

نعتقد أن طريقنا في سورية سيكون طويلا وشاقا، ما لم تحدث مفاجآت على الطريق،  والطريق الطويل يحتاج إلى التعاون والعدة والعدد والصبر والمصابرة.

إننا مع استشعارنا أهمية التحالفات الوطنية وتوسيع دوائرها ندرك كما يدرك النظام أن المعركة محددة الأطراف بدقة ومن هنا يحاول النظام كسب بعض القوى وتحييد أخرى وكل هذا يفرض علينا أن ندخل المعركة بروح أكثر انفتاحا واستعدادا وحشدا وتعاونا. يجب أن نعمل نحن أيضا على الكسب والتحييد.

الاحتياجات

نعتقد أن لإخواننا  في الحركات الإسلامية على المستوى العام حيثما كانوا دورهم في نصرة القضية السورية. ننتظر منهم موقفا من كل فقرة عرضناها. إن اعتبار القضية السورية قضية مركزية كما القضية الفلسطينية هو بعض الحق. إن تشبيه بشار الأسد بابن علي أو بمبارك فيه تجاوز كبير. إن ما عاناه الشعب السوري طوال أربعين عاما أكثر تعقيدا من أن يحيط به الوصف. إن سورية هي البلد العربي الوحيد الذي لديه أرض محتلة مع غياب أي مشروع حقيقي للتحرير مع نظام يرفع راية الممانعة!!!!

إن طبيعة المعركة وأبعادها وانعكاساتها وانغماس أطراف إقليمية فيها.. كل هذا يخرج ما يحدث في سورية من إطاره المحلي.

إن المشاركة في متابعة الشأن السوري من خلال لجنة إسناد ومتابعة من خبراء وأصحاب رأي ورجال تدريب في ميادين الخبرات المدنية يمكن أن يساعد الحالة السورية على سد بعض الفقر الذي نعتقد أنه ليس من العيب الاعتراف بها.

وقد يكون من مهمة هذه اللجنة تقديم المشورة في تحديد المواقف من القضايا الكبرى والشائكة بما يتلاءم مع التوجه الإسلامي العام.

ثم إن الاطلاع على المجريات للمساعدة على تأمين الاحتياجات هو جزء من المنتظر من الأشقاء في العالم.

يؤسفنا أن القضية السورية لم تتحول حتى الآن إلى قضية رأي عام لا على المستوى العربي ولا على المستوى الدولي نعتقد أن للحركات الإسلامية دورها في طرح القضية والاشتباك معها وشرح أبعادها والتعاطف مع ضحاياها…

ننتظر منها جميعا.. أن يكون لها دورها في التأثير على المواقف الرسمية للحكومات والدول. مع الأسف ما تزال حكومات مثل حكومة الجزائر والسودان تصوت في الجامعة العربية لمصلحة النظام. ما هو الأثر السياسي لبيان يصدر عن تلك الحركات والتنظيمات ضد الفيتو الروسي والصيني؟ تتجلّى أهمية مثل هذه الخطوات أنها ستكون جسرا إلى قلوب أبناء الشعب السوري قبل أن تكون رسالة سياسية لأصحابها.

وأخيراً نختم بقوله عليه الصلاة والسلام: إذا فسد الشام فلا خير لكم. وفي رواية فلا خير فيكم.

القاهرة 24/10/2011

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى