صفحات الثقافة

أورهان باموق: “هل حقاً أنا أكون باموق؟”


يوسف يلدا

يوسف يلدا – سيدني: أصدر الكاتب الروائي التركي أورهان باموق (1952، إسطنبول)، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2006، مؤخراً  كتابه الجديد (الروائي الساذج والوجداني)، والذي يتحدث فيه عن القراءات التي تقف خلف إبداعه الأدبي. وكانت خفايا القصة هذه، هي أيضاً محور الكتب الأخيرة لأمبرتو إيكو، وخورخي فالبي، وشارل دانتزغ.

هناك في ركن ما  من جامعة كولومبيا في نيويورك، يعمل مؤلف رواية (إسمي أحمر)، وقد بدت عليه السعادة، وعلى حياته، آملاً وبحماس شديد، ولكن من دون ضجة، أن يبلغ مرحلة من العمر تكون حاسمة، ألا وهي مرحلة الستينات. في خضمّ تلك الأجواء تحدث باموق عن شبكة الإنترنت، حيث يدور كتابه حول القراءة (الروايات التي جعلت منه كاتباً، والكتب التي أدت الى بلورة شخصيته، وبالتالي الى ظهور رواياته)، ولذلك فمن الأهمية بمكان أن يطرح عليه سؤال عن مستقبل الورق، على ضوء التأثير الجلي للتقنيات الحديثة على عالم الكتب، وعن الكتب الإلكترونية، والإنترنت، والقراءة.

 ورداً على ذلك، يرى الكاتب “أن للإنترنت جانبها الإيجابي، وجانبها السلبي أيضاً . وإيجابيتها تتأتى من كون أسعار الكتب آخذة  في الهبوط، ولكن هذا لا يعني أن تعاني حقوق المؤلف من الهبوط  أيضاً. وأما سلبية الكتب الإلكترونية فتكمن في عمليات القرصنة. وبصورة خاصة في تركيا، والصين، حيث لم تستطع السلطات الحكومية هناك من السيطرة عليها. وفي الواقع، أن حكومتي هاتين الدولتين تنظران لهذه القضية بمنظار آخر، وتبرران فعل القرصنة بالقول أن للفقراء حقهم في القراءة أيضاً. وقد حاربت عمليات القرصنة في بلدي تركيا، ومعي ناشر كتبي، والعديد ممن تضرروا من جرّاء ذلك. أن كل كتاب قمت بتأليفه له نسخته المقرصنة. غير أن الحكومات لا يهمها الحدّ من عمليات القرصنة”.

 وفيما إذا كان يقرأ الكتب الإلكترونية، يقول الروائي التركي الذي تلقى العديد من التهديدات بالقتل، بسبب من مواقفه وتصريحاته حول مقتل مليون أرمني و30 ألف كردي على أرض تركيا: “قراءاتي في شبكة الإنترنت تتمثل في القصص. وإذا أردت قراءة رواية ما، أختار الكتاب، ومن ثم أشرع في قراءته. يعجبني الإحتفاظ  بالكتاب. وفي ذات الوقت، لست ممن يفضلون الكتاب للرائحة الطيبة التي تفوح منه، أو أي شئ من هذا القبيل. أنا لست ضدّ الإنترنت، ولا ضدّ الكتب الإلكترونية.

ولست متشائماً أيضاً. ورأيي في ذلك، أن السيطرة على الكتب في الإنترنت ليس بالأمر الهيّن. وهذا، طبعاً، ليس ذنب الإنترنت، بل ذنب الناس. كان إزرا باوند يقول أن (الأدب عبارة عن خبر وسيبقى خبر). في الإنترنت، الإحساس بأنك على إتصال مع الشبكة يكون كبيراً. بمعنى آخر، يولّد وهم الإتصال بالشبكة. إلاّ أن الإستعداد الذهني، الذي يتمتع به الواحد منا، أثناء قراءة رواية مادية آخذٌ في الزوال، وهذا ما يقلقني. لست بالإنسان المتشائم. لقد بقيت على قيد الحياة في بلدٍ، لم يكن فيه لتقليد القراءة وجود. وإن لم يكن هناك من يقرأ كتبي، فسيحفزني ذلك لتأليف كتاب أفضل، ويحفّز الناس  لقراءته”.

في كتابه الأخير، يتساءل أورهان باموق عن ماهية الكتاب الذي كانت آنا كارنينا تقرأ فيه، في المشهد الرائع من رواية تولستوي، وهي في القطار. وعندما يُطلب منه توضيحاً لذلك يقول: “بلى، سوف أوضح هذا الأمر. لقد كتبت خمسة فصول للندوات التي أقمتها في جامعة هارفرد، ومن ثمّ قررت أن أكتب الفصل الأخير منها هناك. وخلال إحدى هذه الندوات، التي إمتلئت القاعة حينها بالجمهور، سألت الحضور عن  إسم الكتاب الذي كانت آنا كارنينا تقرأ فيه، في ذلك المشهد. وكان غالبية الجمهور من أساتذة الأدب الروسي، ولم يكن لديهم الجواب. البعض منهم قال أنها كانت تقرأ لجورج إليوت، لكن، في حقيقة الأمر، لا أحد يعلم، ولا حتى أكثر الناس علماً. ولم أذكر في كتابي أنا كارنينا فقط، بل كابريرا إنفانتي، وكورتازار، وغارسيّا ماركيز، وجوليان بارنز. ويعود السبب في التذكير بهؤلاء الكتاب لقدرتهم على الخلق، ولبصيرتهم الحاذقة. وكان لهؤلاء تأثيرهم عليّ، في فترة ما بعد الحداثة. غير أن الكتّاب الكلاسيكيين، وأبطالي الحقيقيين هم تولستوي وبروست… ومع ذلك، أعتقد أن آنا كارنينا هي أفضل رواية مكتوبة على الإطلاق.  لقد قرأتها لمراتٍ عديدة. وفي هذا الإسبوع ، على وجه التحديد، كان المفروض عليّ أن أعود لقراءتها للتحضير لحصة في جامعة كولومبيا”. وعن سبب عشقه الكبير لهذه الرواية، يقول باموق: “هنالك العديد من الأسباب التي تدعوني لأن أعشق هذه الرواية. ولكن أهمها، هو ما تريد أن تقوله الرواية في أن “نعم، نعم، هكذا هي الحياة”. ويطرح تولستوي، بصورة أساسية، الأسئلة التي ينبغي أن تطرحها جميع الروايات، وهذه الأسئلة هي: ما هي الحياة؟، ما الذي ينبغي عليّ القيام به في هذه الحياة؟، ما هو معنى الأسرة، والصداقة، والزواج، والجنس، والوفاء…؟ هذه هي الأسئلة الكبيرة، التي يدعو تولستوي القارئ، بطريقة سخية، لأن يطرحها”.

ويبدو أن كتاب “الروائي الساذج والوجداني” هو بمثابة إعلان بيان لصالح القصة. والروائي التركي الذي قرر، قبل 35 عاماً، هجر فن الرسم والتفرغ للكتابة، يتحدث عن ذلك قائلاً: “كنت أبلغ من العمر حينها 23 عاماً، عندما قلت لأسرتي، ولأصدقائي بانني سوف لن أكون معمارياً أو رساماً، وهذه كانت رغبتهم، بل كاتباً روائياً. جميعهم طلبوا مني أن لا أفعل ذلك، لأنني لم أكن أفقه شيئاً من هذه الحياة. أعتقد أنهم كانوا يتصورون بأنني سوف أكتب رواية واحدة فقط. لكنني قلت لهم هناك بورخيس، وكافكا، وهم أيضاً لم تكن لديهم أية فكرة عن الحياة. وفي رأيي، أن الروايات هي شكل، غير منشور سابقاً، للنظر الى الحياة. الآن فقط، وبعد مرور كل هذه السنوات، أقرّ بأن ما قالته أسرتي عن جهلي بالحياة، كانت صائبة في ذلك. ففي حينها لم أكن أعرف شيئاً”.

يذكر مؤلف رواية “متحف البراءة” إسم بروست ليطرح سؤالاً. وعندما يُسأل إن كان هو باموق؟ يردّ بقوله: “لقد سألت نفسي عدة مرات، عندما كانوا يطلبون مني أن أخبرهم فيما إذا كنت أنا البطل في الكتاب، هل أنا أكون باموق؟ هذا أمر خيالي. لكن، بلى، أنا أكون باموق، غير اني لا أفكر به لحظة الكتابة. أنا لا أكتب، وفي ذهني فكرة أن أكتب رواية عن باموق. بالنسبة لي، أفضل وسيلة لأن يكون الواحد منا روائياً، هي أن ينسى نفسه. ولا أفكر أيضاً في إسلوبٍ معين في الكتابة، وإن ظهر ذلك بشكلٍ تلقائي. وعندما أكتب عن شخصية لا تشبهني، أحاول بقدر الإمكان أن أتقمص تلك الشخصية. وأنه لأمر ممتع الكتابة عن الآخرين، ومن وجهة نظرهم، والكتابة عن غيرك، كما لو كنت شخصاً آخر. وعودة الى سؤال إن كنتُ باموق… أقول نعم وكلا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى