صفحات الثقافة

أورهان باموك: لماذا نحتاج قراءة الروايات؟

 

 

في كتابه “الروائي الساذج والحساس” حاول أورهان باموك أن يكشف كيف يعمل الروائيون وكيف تكتب الروايات. مؤكداً تجاربه كقارئ رواية وكاتب رواية، لثلاثين عام مضت، مرتبطة مع بعضها بقوة.

وأن أفضل طريقة لدراسة الرواية هو قراءة روايات عظيمة والرغبة في كتابة شيء مشابه لها. مستشعراً صدق كلمات نيتشه: “قبل أن تتحدث عن الفن، يجب أن تحاول ابتكار عمل فني”. وفيما يلي عشرة أسرار كشفها لنا باموك حول قراءة الرواية وكتابتها:

1-                   قرأت روايات بين سن الثامنة عشرة والثلاثين. كل رواية أقرأها، وأنا أجلس مذهولاً في غرفتي في اسطنبول، كانت تمنحني عالماً غنياً بتفاصيل الحياة مثل أي موسوعة أو متحف، مثل غنى البشرية مثل وجودي، مليئة بالمطالب، المواساة، الوعود التي يقارن عمقها وسعتها مع تلك التي وجدت في الفلسفة والدين. أقرأ الرويات كما لو أني أحلم، أنسى كل شيء من حولي، من أجل جمع المعرفة عن العالم، من أجل بناء نفسي، وتشكيل روحي.

2-                   في كل مرة أقرأ فيها “البحث عن الزمن المفقود” الذي وصف فيه عالم رجل لا يختلف عن بروست، أود أن أعرف أي التفاصيل والأحداث التي شهدها الكاتب بالفعل، وإلى أي مدى. لهذا السبب أحب كتب السير الذاتية. ونحب قراءة الروايات لهذا السبب بالضبط: من أجل خلط الواقع مع الخيال.

3-                   نحن نعرف بأن تولستوي يحكي لنا، من خلال “آنا كارنينا” تجربته الخاصة في الحياة وعالمه الحسي. يجب أن يكون هذا بالضبط ما قصده فلوبير في كلام ينسب له: “مدام بوفاري، هي أنا” فلوبير كان رجلاً وليس امرأة،  ولم يتزوج طيلة حياته، وحياته لا تشبه بطلة روايته. لكنه عاش وشاهد أسلوبها مع تجاربها الحسية (شعورها بالتعاسة، توقها إلى حياة مرفهة، ضيق العيش في بلدة صغيرة في فرنسا القرن التاسع عشر، الفجوة المريرة بين أحلام وواقع الطبقة الوسطى).

4-                   الدقة، الوضوح وجمال التفاصيل، شعور الـ”نعم، هذا هو بالضبط،  هذا ما حدث لنا” – الذي يثيره لدينا الوصف، وقدرة النص على إلهام مخيلتنا لإحياء المشهد، هذه هي الخصائص التي تجعلنا نعجب بالكاتب.

5-                   الروايات الأدبية تقنعنا بأننا يجب أن نتعامل مع الحياة بجدية من خلال إظهار أننا في الحقيقة نمتلك قدرة التأثير على الأحداث وأن اختياراتنا الشخصية تشكل حياتنا. في المجتمعات المغلقة أو شبه المغلقة، حيث اختيار الفرد محدود، فن الرواية يبقى متخلفاً. لكن متى ما تطور فن الرواية في مثل هذه المجتمعات، فسوف يدعو الناس إلى دراسة حياتهم، وتحقيق ذلك يتم من خلال تقديم بنية أدبية سردية دقيقة عن الصفات الشخصية للفرد، مشاعره وقراراته. عندما نترك السرد التقليدي جانباً ونقرأ الروايات، فإننا سوف نشعر بأن عالمنا واختياراتنا لا تقل أهمية عن الأحداث التاريخية، الحروب العالمية وقرارات الملوك، البشوات، الجيوش، الحكومات والآلهة- وحتى أكثر من ذلك، مشاعرنا وأفكارنا لديها القدرة على أن تكون أكثر إثارة من أي منها. في شبابي كنت ألتهم الرواية بعد الأخرى، شعرت بإحساس مثير من الحرية والثقة بالنفس.

6-                   إحدى الجوانب الممتعة في كتابة الروايات هي اكتشاف أن الروائي إذا تعمد وضع نفسه في مكان شخصياته، وإذا قام ببحث واستخدم مخيلته، فسوف يغير نفسه تدريجياً. لا يرى العالم فقط من خلال أبطاله، لكنه سوف يشبه بطله تدريجياً! سبب آخر يجعلني أعشق حرفة كتابة الروايات، هو أنها تدفعني إلى تجاوز وجهة نظري الشخصية لأكون شخصاً آخر. كروائي، اندمجت مع الآخرين وخرجت خارج حدود نفسي، أكسبني هذا شخصية لم أملكها سابقاً. خلال الخمس وثلاثين سنة الماضية، من خلال كتابة الروايات ووضع نفسي مكان الآخرين، صنعت مني نسخة ممتازة ومعقدة.

7-                   مثل الكثير من الروائيين، كثيراً ما أسمع الناس يقولون: “سيد باموك، هذا بالضبط ما رأيته، وبالضبط ما شعرت به، كأنك كتبت عن حياتي!” لا أعرف ما إذا كان عليّ أن أشعر بالفرح أم الحزن عند سماعي لهذه الكلمات حسنة النية. لأني عندما أسمع هذه الكلمات منهم أشعر بأني لست روائي مبدع يؤلف القصص من لا شيء بواسطة مخيلته، لكني أشعر مثل مؤرخ يسجل ببساطة الحياة التي نشترك بها كمجتمع، مع كل تعبيراته، صوره وأشيائه. أعتقد أنها مهنة مشرفة وممتعة.

8-                   نحب روايات معينة لأننا أنفقنا جهداً تخيلياً عليها. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نتعلق بهذه الروايات، التي تجعدت وتثنت صفحاتها. الجهد الذي نبذله في القراءة وتصور الرواية يرتبط برغبتنا في أن نكون مميزين وأن نفصل أنفسنا عن الآخرين. وهذا الشعور يربط رغبتنا في التميز مع شخصيات الرواية، الذين يعيشون حياة مختلفة عن التي نعيشها. عندما نقرأ “عوليس”، نشعر قبل كل شيء بالسعادة، لأننا نحاول الاندماج مع شخصيات تحيط حياتهم وأحلامهم مخاوف، خطط، وتقاليد مختلفة تماماً عنا. لكن هذا الشعور يزيد بعد ذلك نتيجة إدراكنا بأننا نقرأ رواية “صعبة”- وفي مكان ما في عقلنا، نشعر بأننا شاركنا بنشاط متميز. عندما نقرأ عملاً لكاتب استفزازي مثل جويس، جزء من عقلنا مشغول بالثناء على أنفسنا لأننا نقرأ لكاتب مثل جويس.

9-                   أجد من الممتع أن أقرأ رواية لا يهتم بها أحد- أستمتع بشعور أني اكتشفتها بنفسي. ومثل كثير من القراء، أنا مولع بتخيل كاتب الرواية حزين ولا يفهمه أحد. في مثل تلك اللحظة، أشعر أني الشخص الوحيد الذي يفهم أغلب الزوايا المهملة في هذه الرواية المهملة. أشعر بالفخر لأني اندمجت مع الشخصيات، وفي نفس الوقت أشعر كما لو أن الكاتب بنفسه يهمس لي الرواية شخصياً في أذني. قراءة رواية لم يعرفها أحد غيرك يشعرنا بأننا نقدم خدمة للكاتب، لهذا نحن نضاعف جهدنا وننهك مخيلتنا أكثر بينما نقرأ الكتاب.

10-                 الإنسان المعاصر يقرأ ويحتاج الروايات ليشعر بالأمان في هذا العالم، لأن علاقته مع الكون الذي يعيش فيه مشوشة..

كتاب الروائي الساذج والحساس

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى