صفحات سوريةعلي العبدالله

أوروبا: نقطة نظام/ علي العبدالله

 

 

لم يكن مشروع الاتفاق الذي حمله وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى موسكو وحده من أثار ردود فعل متحفظة ورافضة ليس لصيغة الاتفاق فحسب بل وللانفراد الاميركي الروسي في وضع حل سياسي للصراع في سورية وعليها ورفضهما مشاركة قوى إقليمية ودولية وازنة في ذلك، مع عدم الاعتداد بدورها ومصالحها، وقد زاد صمت كيري على انتهاكات روسيا لاتفاق وقف الأعمال العدائية الطين بلة.

انطوى المشروع الاميركي على مقايضة تلبية طلب موسكو تحديد مواقع جبهة النصرة والفصل بينها وبين الفصائل المعتدلة، وتقديم جزرة اضافية بعرض المشاركة في استهدافها، (الاشتراك في ضرب “داعش” و “النصرة”، وهذا يشمل تعاونا عسكريا واستخباراتيا، وترتيبات حول مواقع القوّات وفصلها، والتحكّم بالأسلحة الثقيلة، وتنظيم تدفق الأسلحة إلى سورية، والإشراف والتأكّد المستقلّين، والتنفيذ، مع تقييد حركة طائرات النظام في مجال العمليات المشتركة ووقف قصفها للفصائل المعارضة المعتدلة) مقابل موافقة موسكو على تحرك أميركي روسي على ثلاثة محاور: وقف مستدام للاعمال العدائية في كل الاراضي السورية، بالتوازي مع تفعيل العملية السياسية والدخول في مرحلة انتقالية بتشكيل حكومة انتقالية وفق قرار مجلس الامن رقم 2254 والاتفاق على إطار عمل لعملية الانتقال السياسي يتماشى مع مضمون هذا القرار على أن يشمل تفاهمات حول كيفية وموعد تشكيل حكومة انتقاليّة ذات سلطات تنفيذية كاملة، يتم تشكيلها على أساس التوافق المتبادل، وإصلاحا للمؤسسات الأمنية والاستخباراتيّة، وتنظيم عمليات دستوريّة وانتخابيّة.

لم يتم الاتفاق على ذلك الى الآن، فواشنطن لا تزال تنتظر رد موسكو على هذا الاقتراح الذي يتطلب مشاورات بين المسؤولين الروس والحكومتين الإيرانية والسورية لتعلقه بنشاط القوات النظامية السورية وأنصارها، إضافة لتعلقه في بحث الانتقال السياسي واحتمال استئناف مفاوضات جنيف في الشهر المقبل.

غير ان تنفيذ اتفاقهما مرهون بقدرتهما على خلق اجماع اقليمي ودولي حول صيغة الحل الذي يتوصلان اليه لان للقوى الاقليمية والدولية الأخرى مداخلها الى الصراع والتأثير على مجرياته عبر القوى التي تخوض الصراع المباشر على الارض ما يستدعي من هاتين الدولتين اشراك هذه القوى في صياغة الحل ومراحل تنفيذه كي يحظى بفرصة للتحقق والنجاح، فالدول الكبرى لا تستطيع تجاهل دور ومصالح قوى اقليمية ودولية أخرى وضرب تطلعاتها عرض الحائط. من هنا يمكن فهم توجه كيري الى لندن لمقابلة وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا لوضعهم في صورة نتائج محادثاته في موسكو مع الرئيس الروسي ووزير خارجيته، في محاولة منه لتسويق الاتفاق المرتقب، ورد وزراء الخارجية بوضعه في صورة موقف دولهم المتحفظ على الانفراد الأميركي الروسي بصياغة الحل، وتخوفها من الليونة الاميركية في تعاطيها مع الموقف الروسي الذي لا يمتلك صدقية من جهة، وتمسكهم، من جهة ثانية، بدور بلادهم ومصالحها عبر تقديم تصور مشترك للحل في سورية (تصور صاغه كبار مسؤولي وزارات الخارجية في بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، في محاولة لضبط المفاوضات الأميركية – الروسية خصوصاً أن موسكو ترفض مشاركة دول أخرى، بما فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، في وضع صيغة الحل، تصور يرتكز على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 ويتمسك بمبادئ الانتقال السياسي في سورية من سيادة واستقلال سورية الى إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، مع رفض ترشح رأس النظام، مرورا بإقامة نظام ديمقراطي تعددي وغير طائفي، والمحافظة على مؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، مع إصلاحها، لتعمل مع احترام حقوق الإنسان والمعايير المهنيّة، وتكون خاضعة لقيادة عليا محل ثقة، وخاضعة للسلطة الانتقالية، وتشكيل هيئة حكم انتقالية من الحكومة السورية الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى، ونقل جميع السلطات التنفيذيّة إلى الحكومة الانتقالية، اتخاذ تدابير دستورية مرحلية لنقل السلطات من الرئيس إلى الحكومة الانتقالية، التي ستعمل مع المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب. وربط هزيمة “داعش” بتحقيق الانتقال السياسي وإنهاء الحرب الأهلية.

واضح أن للدول الأوروبية المشاركة في صياغة هذا التصور تحفظا عميقا وراسخا على  التصور الروسي الذي كرره وزير الخارجية لافروف حين اعلن “عدم وجود أي ضمانات لتجنب تكرار السيناريو الليبي في سورية في حال رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وإن محاوري روسيا من الدول الغربية والإقليمية يدعون إلى إبعاد الأسد عن السلطة قبل مكافحة الإرهاب، لكن موسكو ترى ذلك ممكنا فقط من خلال الانتخابات”، ورفضهم للسعي الروسي الذي يدفع باتجاه بقاء رأس النظام من دون صلاحيات لعدة أشهر، مع ضمان عدم ترشحه لانتخابات مقبلة، كي تحميه من المساءلة القانونية أمام محاكم دولية عن الجرائم التي اقترفها بحق المدنيين خلال سنوات الثورة، وعلى كيري الذي لم يدن انتهاكات روسيا وقصفها لمواقع مدنية وطبية في حلب وادلب، واستخدامها أسلحة محرمة دوليا(الفسفور الابيض والقنابل العنقودية).

كان روبين كساب وليلى الشامي قد ذهبا في كتابهما “حرق الدولة .. السوريون في الثورة والحرب” الى اعتبار ” الصراع الأميركي – الروسي في سورية جزءا من المشكلة، وليس بأي حال من الأحوال جزءا من الحل”. ما يعني ربط الحل فيها باتفاق هاتين الدولتين بالضرورة، وهذا لن يمر دون أخذ جذر الصراع وطبيعته ومطالب الثورة وادوار ومصالح الدول الاقليمية والدولية الأخرى في الحسبان.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى