بشير البكرصفحات الناس

“أورينت” والمتاجرة بآلام السوريين/ بشير البكر

 

 

يبدو أن ما خفي من فصول المأساة السورية أكثر هولاً مما تكشَّف حتى الآن، وما عشناه طوال سبعة أعوام ليس سوى يوميات الانهيار. ويؤشر تسارع النهايات إلى أنه لن يطول الوقت حتى ندخل في طورٍ آخر، نشهد فيه على النتائج التي ترتبت على تدمير سورية والتنكيل بأهلها. وستحين اللحظة التي يتم فيها كشف المستور عن أحداث وصفقاتٍ كثيرة، وتسليط الضوء على ما دار في الكواليس من أعمال قذرة ومشبوهة، استخدمت معاناة السوريين  ممراً وجسراً من أجل الربح المادي.

وبلغ الحال السوري مرحلة من الانفلات وسقوط المعايير وتداخل المصالح وتشابكها، بات من الصعب فيها فرز الألوان وتحديد الاتجاهات بصورة صحيحة. وصرنا نقف، في كل يوم، أمام مفاجأة جديدة أشد غرابةً من سابقاتها، بما تحمله من أساليب الاحتيال والارتزاق باسم معاناة السوريين، والمتاجرة بآلام الشعب الذي قدم قرابة مليون شهيد، ونزح من دياره، ولا يزال يواجه، وحيداً، حرب إبادة واقتلاع من الأرض، تمتد من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب.

أساليب الاحتيال التي ولدت في مسار الألم السوري الكبير كثيرة، لكن أكثرها شيوعاً ركوب قطار الثورة من أجل التكسب المالي. وكان واضحاً، منذ الأسابيع الأولى للثورة، أن مصيراً صعباً ينتظرها، بالنظر إلى ما حفلت به هيئاتها من سماسرة ومرتزقة وانتهازيين، وصلوا إلى أعلى المراتب القيادية فيها، ومارسوا عمليات التخريب أمام أنظار الجميع، ولم يتعرّض لهم، أو يندد بهم أحد، طالما أنهم كانوا يستخدمون سلاح المال لشراء الذمم وإفسادها، وبعض هؤلاء لا يزال يتحكم بمصير السوريين، ويؤثر على خياراتهم ومواقفهم.

أتوقف هنا عند حالة غسان عبود صاحب تلفزيون “أورينت”، الذي نشرت “العربي الجديد” بشأنه تحقيقاً استقصائياً  أمس الأربعاء (7/2/2018)، يتناول عملية انخراطه في إيصال مواد إغاثية إلى مناطق في الجنوب السوري عن طريق هيئة خصصها لهذا الغرض، وأطلق عليها اسم “أورينت الإنسانية”، تعمل بالتعاون والشراكة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. وذهب عبود بعيداً من خلال زج جزء من الطاقم الصحافي العامل في القناة التلفزيونية (أورينت) في العلاقة مع إسرائيل، وتكشف المراسلات الداخلية عن توجهٍ إلى تبرير مسألة العلاقة مع إسرائيل لدواعٍ إنسانية.

ليست أعمال الإغاثة من دون قوانين وضوابط، وفي كل الحروب التي حصلت في المنطقة جرى الحديث عن تجاوزاتٍ قامت بها منظمات دولية، في الوقت الذي كانت تريد مساعدة المدنيين، وتعرّضت منظمة أطباء بلا حدود، على سبيل المثال، لانتقاداتٍ بسبب تقديم الرعاية الصحية لنازحي الموصل بالتنسيق مع التحالف الدولي، وهو أمر نفته المنظمة.

لا يكمن خطر عملية عبود فقط في أنها تقفز فوق قوانين الصراع بيننا وبين إسرائيل، بل تذهب إلى التطبيع مع هذا العدو عن طريق الأعمال الإنسانية. وهو بذلك يؤدي خدمة كبيرة جداً لإسرائيل، في وقت يواجه فيه الشعب الفلسطيني مرحلة جديدة في تاريخ نضاله للحفاظ على حقوقه المشروعة.

ما الذي يقود رجل إعلام وصاحب محطة تلفزيون إلى ممارسة الأعمال الإغاثية الإنسانية، وتوظيف جزء من فريقه الصحافي لخدمة هذا الغرض؟ الإجابة البديهية أنه يقوم بذلك من منطلق إيمانه برسالة إنسانية ذات أهداف نبيلة، خصوصاً أن نشاطاته تغطي مناطق مختلفة من الأراضي السورية، ولا تقتصر على مدينةٍ معينةٍ، إلا أن العلاقة مع إسرائيل تفضح الهدف البعيد، وهو لا يخرج في هذه الحالة عن الربح المادي، وتسوّل الدعم الدولي من خلال اللوبيات الصهيونية المؤثرة.

في الوقت الذي تتواصل فيه المجازر الأسدية والروسية، وترتفع فيه أعداد الضحايا والنازحين جرّاء القصف، هناك على الطرف الآخر غسان عبود، وأمثاله من أمراء الحرب السوريين الذين يتحملون مسؤولية مباشرة عن تفتيت الجبهة الداخلية، وما آلت إليه أحوال السوريين من انهيار شامل.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى