صفحات سورية

أول حكومة للمعارضة السورية

 

كرم يوسف

لن نستطيع الجزم أن تشكيل الحكومة السورية التي أعلنها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية خلال اجتماعه الأخير في القاهرة سيكون خاتمة للأطر الجامعة للمعارضة السورية، أو عامل منع لولادات أطر جديدة لها، فكل تنظيم معارض لا يحظى بالدعم لن يستطيع الاستمرار، وليس هذا حال الأطر المعارضة فحسب، بل حتى حال التنسيقيات التي ظهرت مع بداية الثورة، وولد ومات الكثير منها للسبب عينه، لكن مايميز أطر المعارضة في سوريا أنه وليس فقط يؤثر فيها الدعم المادي بل السياسي أيضاً، وليس ولادة الائتلاف المعارض الذي يعد المجلس الوطني السوري عموده الفقري إلا نتجية عوامل من أهمها رغبة المجتمع الدولي في إطالة عمر الأزمة في سوريا، عبر سحب وإعطاء دعم لإطار جامع جديد للمعارضة، والقفز فوق الاستحقاق الأساسي ألا وهو إنهاء الصراع في سوريا.

الضربة التي يمكن عدها استباقية من قبل الائتلاف الوطني السوري، تكمن في أنه أوجد هيكيلة تنظيمية لإدارة مناطق محررة من سوريا الآن، وإمكانية إدارتها في أي لحظة لسقوط النظام، وليس هذا من جانب عدم ترك البلاد في حالة من الفوضى في حال سقوط نظام الأسد في أي وقت، بل من جانب أن ولادة حكومة سورية سيصّعب على الأطراف الدولية، وبالأخص ما يصنف في خانة المناصر للثورة السورية محاولة الهرب من تقديم استحقاقات جديدة له، كما فعل مع المجلس الوطني السوري حين سحب الثقة منه إلى حد كبير، وطالب بوجود إطار جامع وأكبر للمعارضة وهو الأمر الذي لا يمكن تفسيره من قبل المحور المصنف بمناصرة الثورة إلا بخلق موضوع ثانوي في حياة الثورة، وترك الموضوع الأساسي الذي طالب به المجلس الوطني من قبل، ويتابع الأمرذاته الائتلاف الوطني الآن، بل لايتخلى عنه أصغر ثائر سوري، ألا وهو إسقاط النظام، أو إيجاد الدعم لإسقاطه.

قام الائتلاف بخطا في غاية الأهمية عبر بيانيه الأخيرين، الأول كان بشأن تشكيل حكومة والثاني تم خلاله أخذ قرار بعدم حضور مؤتمر أصدقاء سوريا في روما وتعليق زياراته لأمريكا وروسيا، فكان بهذا سباقاً في سحب البساط من الأسرة الدولية بعد قرابة سنتين رأى الائتلاف فيها أن هذه الأسرة قدمت أقوالاً لا أفعالاً، لكن هل جوهر القصة هو إنشاء حكومة انتقالية وأن تكون الشخصية التي سيترأسها – وهي أولى الحكومات التي ستتشكل- من خارجها حلاً؟ فما الذي يمكنه أن تقوم به هذه الحكومة حين لا يكون لديها ما تواجه به أعباء شعبها وهي تتوجه معه لتمارس الحياة السياسية الفعلية، لا من خلال زيارات قام بها من قبل وجوه من المعارضة في حالات يمكن القول عنها أنها كانت تحدياً للنظام و كنوع من الدعاية الشخصية، مادامت لم تجلب لشعبها شيئاً جديداً.

لقد صرح أكثر من مسؤول في الائتلاف خلال اجتماعه السابق أنهم لن يكونوا قادرين على تشكيل حكومة لا تستطيع تقديم مستلزمات شعبها، وأنها تنتظر دعماً لفعل ذلك، وأن الموضوع ليس مستحيلاً لكن ماهو مستحيل هوالوقوف أمام متطلبات هذا الشعب دون القدرة على تقديم شيء، وأن إنشاء حكومة من دون دعم لهو أشبه بانتحار علني، فما الذي تغير منذ اجتماع الائتلاف السابق حتى هذا الأخير ليطرح تجاوزه للعائق السابق وتشكيل الحكومة؟

بمكن القول: لم يحدث أي تغيّر في مسألة الدعم الذي كان يأمله الائتلاف لإنشاء الحكومة فلو حظي به لما علق حضوره لمؤتمر اصدقاء سوريا، وهي الجهة المانحة الأكبر له، لا بل أنه أعلن على لسان د. وليد البني المتحدث باسمه عبر بيان على إحدى المحطات الإعلامية أنه سوف لن يكتفي بمقاطعة المؤتمر بل سيبادر بتعليق زياراته لواشنطن وموسكو، إزاء هكذا حالة، ترى هل يعد الائتلاف لانتحار سياسي، كما صرح به سابقاً مسؤولوه لأنه لن يحظى بدعم ما؟.

في مقابل ذلك يمكن القول أيضاً: إن الائتلاف اضطر لاستخدام كامل أوراق ضغطه السياسي على الأسرة الدولية للإسراع في إيجاد حل لأزمة شعب مثقل بالمجازر اليومية وهو بهذه الحكومة وإعلانها، إنما يسحب البساط من يدي الأسرة الدولية خشية أن تبادر هي في سحب البساط من تحته وإنشاء إطار جديد للمعارضة السورية وتمرير الوقت مجدداً كما فعلت بالمجلس الوطني الذي خسر كثيراً من أعضائه فيما قبل، بسبب نقص الدعم وزيادة المتطلبات والاستحقاقات.

الائتلاف أعلن عن تشكيل الحكومة ومنذ الثاني من آذار /مارس القادم سيختار لها رئيساً ورهانه الوحيد في هذه الحكومة بحسب ما يقوم به هو على السوريين، لأنه أعلن تعليق كل احتكاك بالأسرة الدولية حتى تلبية مطالبه، ولكن لو أحرجت الأسرة الدولية ولبت مطالب الائتلاف بعد فترة ما، فهل يمكن أن تبقى حكومة الائتلاف متماسكة لغاية الاستجابة لمطالبه؟، وهو ينتقل إلى الداخل ويمارس القيادة السياسية في الداخل للسوريين؟، أوما الذي ستفعله الحكومة فيما لو لم يقدم هذا الدعم أساساً؟.

الائتلاف راهن على السوريين في تشكيل الحكومة، ولاشك أنه مع دخوله إلى الأراضي السورية ستحدث تغيرات جديدة في جسد الثورة، لكن هل للائتلاف تلك السلطة التي يمكنه بناء عليها من ممارسة قيادة الأراضي المحررة سياسياً، وتمثيلها، مع خلافات تبرز على السطح بين الحين والآخر بين تشكيلات من الفصائل المسلحة في سوريا التي قطعاً ليست تحت إمرة واحدة.

ربما أدرك الائتلاف أنه لو أقدم على الانتحار- وفق ذلك التصور- أو تــــرك الأمور معلقة كما هي، ولم يعلن عن حكومة تديرالمناطق المـــحررة في سوريا، فلن يتغير في الموضوع شيء، لذلك فقد آثر على التضحية بأكبر مشروع سياسي معارض في سوريا، بل والتضيحة بنفسه والإقدام على خطوة إعلان الحكومة، لعلها تغير شيئاً في الموازيين، سواء أكان ذلك داخل سوريا أو خارجها..!؟.

‘ كاتب من سورية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى