صفحات العالم

أول يوم جمعة «سياسي»: من يروّض الغضب السوري؟

 


غدي فرنسيس

منذ أول صرخة سورية، اتضح اختلاف أسباب الغضب ودوافعه. مع امتداد «الثورة» الريفية شمالاً، بدأت المحافظات تكتسب شخصياتها المختلفة. تكرّس التنوّع أكثر. مع تقدم الأشهر الثلاثة الأخيرة بات في الشارع أسماء وأنواع معارضة تحت التقييم وقيد العمل وفي المبارزة مع التاريخ… في مطلع تموز، وفوق اقتصاد يسير في الخسارة، أصبحنا في مرحلة الثلاثية السياسية: معارضة اللقاء التشاوري، ومعارضة الأحزاب، ومعارضة الخارج. لكن أحداً من تلك الثلاثية لا يحرك الشارع. أي جناح من المعارضات يروّض موجة الغضب الريفي الجامحة؟ بدأ عهد جديد في تاريخ سوريا المعاصر لحظة عزف النشيد الوطني في فندق «سميراميس» للمعارضين المستقلين. اليوم هو يوم الجمعة السياسي الأول في العهد الجديد. فمن سيحصد علامات أكثر في الامتحان الأول؟

المستقلون المعارضون:

التنظير في الثورة

لؤي حسين، قبل مؤتمر المعارضة وبعده، لا يمثل الشارع، ولا يدعي ذلك. ميشيل كيلو، قبل اجتماعاته ومقالاته وبعدها، لا يمثل الشارع ولا يدعي ذلك. جميع المعارضين المستقلين كذلك: لا برهان غليون ولا طيب تيزيني ولا فايز ساره ولا سلامة كيلة ولا احد. وهذا بات معلوماً. ولكن منذ ثلاثة أشهر، وحتى اليوم، تلك أسماء رددها العقل السوري في جميع المناطق، وتابع مقالاتها على ضفاف الحل الأمني، وتعاطف معها في اعتقالها، وتنفس الصعداء مع خطواتها السياسية. تلك الأسماء العلمانية الناشطة، والتي لا تمثل فئة المتظاهرين، عبرت منذ آذار حتى اليوم إلى الشارع الأكبر في سوريا: شارع الصامتين.

في جامعة دمشق، وفي جامعة البعث في حمص، وفي جامعة اللاذقية، وفي دور العقول السياسية والقيادات التاريخية وبقايا الأحزاب الوطنية، أصبحت تلك الأسماء تمثل شيئاً ما. لديها شهادات نضال سياسي: «اعتقال» بتهمة إبداء الرأي لسنوات، «منع سفر» على الجواز ليكرّس معارضتها، مقالات في الصحف وكفاح سياسي… تحاول اللحاق بالغضب ومجاراته، تحاول أن تركض بسرعة الشارع.

وبفضل الدماء السورية، أصبح بإمكانها أن تجتمع وتعلن معارضتها أمام الكاميرات في عاصمة النظام البعثي بعنوان «سوريا للجميع». لكنها لا تزال كالرأس المنفصل عن الجسد. مشروعها واضح: حرية وسلطة ودولة وحق حقيقي على مقاس الوطن والشعب لا النظام ولا الأسماء. تناشد الشارع أكثر مما تمثّله.

الحزبيون المعارضون:

أرض الثورة

تحت المطلب ذاته، والهدف ذاته، تستجمع المعارضة الحزبية شارعها هي الاخرى. لأحزابها امتداد موجود أصلاً في الأرض. وبرغم ترهّلها عمراً وفعلاً، فإن لها جسرا اقرب وضلعا اكبر في الحراك الشعبي. وقد ازدادت شعبيتها وعادت للتداول السياسي بقوة مضاعفة مع بدء العقل السياسي السوري مواكبة الصراخ ثم المشاركة به.

هناك فروع لأحزاب في الجبهة، تبشّر باستقلال عن الجبهة، وعن مركز حزبها. هناك رؤوس لأحزاب المعارضة يعتقلون فيستعيدون شعبيتهم من الذاكرة السورية السياسية. هناك أحزاب تجمّع ما تبقى من أرضها وتقف فوق عقائدها وتنطلق من مبادئها: قوميون وناصريون واشتراكيون يعيدون نفض الغبار عن ثوابت أحزابهم، ويرفعون السقف في بياناتهم: نحن لا نحاور، لدينا شروط، أوقفوا القتل، واسمحوا بالحياة السياسية، أخرجوا الأمن من خلف عتباتنا. أعطونا إعلاماً صادقاً… أعطونا العلمانية والاشتراكية والقومية التي تزعمون في دولة مدنية محترمة تليق بالمجتمع السوري الغني والمتنوع.

تلك الأحزاب لها معارضة مختلفة عن معارضة المستقلين في الشكل، ولكنها تتفق على الهدف والمضمون. المشروع الواحد بأسماء مختلفة، ساحات للحياة السياسية تفتح مع كل نقاش حول تلك الأحزاب ودورها ما قبل الصراخ السوري وما بعده. آفاق لبلورة مستقبل سوريا الجديدة ترسمها حواراتهم في المقاهي. يشدون على أيادي بعضهم: نحن نصنع استفاقة الحياة السياسية السورية اليوم، ولن نتراجع ولن نخرج من الشارع ولن نرفع قلوبنا عن الأرض. إما أن تدوسوا عليها، فتصبح أقوى ونهلك وتهلكون، وإما أن تعطونا الدولة التي نريد. ما دامت ساحة الغضب مفتوحة، ووصلنا إلى هنا، لن نتراجع. ما دام الدستور قابلاً للتغيير، فنحن نريد أن نغيّره بما يتفق مع رؤيتنا. المعارضة الداخلية أولى بالمعروف من الموالاة المقنعة ومن المعارضة الخارجية، فافسحوا لنا الدرب.

الإخوان المسلمون:

خارج الثورة

وبعين مفتوحة على الحراك وتقويضه، يسهر الخارج ومعارضاته وأنواعها وأطماعها… في الغضبة السورية، للإخوان المسلمين أيضاً ضلع من الأرض. هناك إرث عاطفي وارتباط مذهبي ومشروع إقليمي. يحاول تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي يمثل التيار «الإسلامي المسيّس» كنموذج مرحب به خارجياً أن يقف على العاطفة والطائفة بمشروعه. الإخوان كتنظيم هو الخاصرة الخارجية بامتياز، لكنه أمر واقع في تاريخ سوريا المعاصر. العالم وإعلامه العربي والأجنبي معه هو أيضاً ويسمع صوته هو أيضاً… وهو أيضاً لديه أدوات وعقول. في مؤتمر انتاليا، وفي بروكسل، سمع صوته. وهذا الصوت، مثله مثل صوت «سميراميس»، نبض يغازل الشارع ويريد ترويضه.

ولكن من انتاليا إلى بروكسل، لا تملك المعارضة الخارجية أن تجتمع بأبنائها في دوما مثل حسن عبد العظيم، ولا تملك أن تتظاهر في حي الميدان في دمشق مثل لؤي حسين. وغداً إن كان للحموي خيار حزبي آخر، أو حرية تقولب مطالبه في مكان آخر ومفهوم اجتماعي آخر، سيتخلى عن التطرف. الشارع السوري عطش إلى الحرية لا إلى التطرّف. الحقيقة السورية تريد الدولة، لا تريد الخلافة الإسلامية. العقل السوري يريد حصة من السلطة لا يريد جلب الخارج. الوعي السوري يريد مخرجاً من عنق الزجاجة، لا يريد حصة لنفسه. هذا ما برهنته معارضة دمشق الواعية، القديمة الجديدة.

تحاول المعارضة الداخلية أن تتحدى مشروع الخارج وعقلية الموالاة والتخوين. فوق جسد الحراك السوري الجامح، هي الرأس الداخلي، وعلى هذا الرأس أن يتصل بالجسد لتكتمل مسيرة بعث الحياة في سوريا السياسية.

التحدي بعد صفحة سوريا الجديدة، كبير. اليوم وغداً في الشارع، وحدهم المتظاهرون يملكون قوة تصنع القرار، من يروّضهم؟ إذا كان النظام مستعداً للتغيير، وإذا كانت المعارضة تقرّ بمخاطر الفوضى، فلدى الفريقين أرض للتلاقي. عيّن موعد الحوار الوطني في العاشر من تموز. وخرجت مبادرتان معارضتان، مؤتمر وبيان من قلب دمشق. وتحت السياسة وفرقائها الجدد والقدامى، يمشي الشارع سريعاً اليوم، وكل يوم جمعة. واللسان السوري يناقش كل الأشياء وكل الأسماء. منذ أول تظاهرة واليوم وغداً: الشارع السريع يمشي وتمشي خلفه المعارضة. بالأمس خرجت المعارضة الوطنية إلى التحدي المعلن والمواجهة، فهل يمشي الشارع خلفها؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى