صفحات العالم

أوهام فرنسية – بريطانية

 

    سميح صعب

في ذروة التقارب الأميركي – الروسي حيال الأزمة السورية، تذهب فرنسا وبريطانيا في اتجاه آخر، فهل ان هاتين الدولتين فعلا مؤمنتان بأن عسكرة النزاع هي السبيل الاقصر الى الحل وليس العودة الى بيان جنيف من اجل وضع خريطة طريق تخرج السوريين من حربهم التي دخلت سنتها الثالثة ولم تسفر عن شيء حتى الآن سوى تدمير سوريا دولة وكيانا وجعلها عراق آخر ولبنان آخر وأفغانستان أخرى واسبانيا أخرى وبوسنة أخرى الى آخر ما في القاموس الحربي من تسميات.

لقد حققت الحرب كل شيء الا المطالب التي انطلق بها بعض السوريين مدفوعين بهوس ما يطلق عليه زوراً وبهتاناً “الربيع العربي”، فأي ربيع هذا الذي يوقع اكثر من 70 الف قتيل ويشرد الملايين في الداخل والخارج ولا يبقي بلداً قابلاً للحياة كي تتحقق فيه اصلاحات وتقوم فيه ديموقراطية، وأي ربيع هذا الذي يوقظ فتنة بين السنة والشيعة ويجرف في طريقه ما تبقى من اقليات متجذرة في الشرق، وأي ربيع يحمل في طياته كارثة تتهدد المنطقة باسرها، حتى الذين يقفون متفرجين او يساهمون فيها لن يبقوا بمنأى عنها لأن طبيعة الصراعات في العالم تقود الى هذا، ومخطئ من يظن ان في وسعه اذا ما دمرت سوريا ان ينجو بنفسه.

وفي ذروة اقتراب واشنطن من روسيا من اجل ايجاد تسوية سياسية تنقذ ما تبقى من سوريا وتمنعها من الزوال، يقرأ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من كتاب برنار هنري – ليفي فيعمدان الى تكرار التجربة الليبية في سوريا بسيناريو مختلف يقوم على تزويد المعارضة السورية أسلحة متطورة كي تستطيع التغلب على الجيش النظامي ودخول دمشق واقامة نظام جديد!

هل هولاند وكاميرون مقتنعان فعلاً بان هذا هو العلاج للأزمة السورية وان التسليح يحقق السلام فيها وينهي حربها؟ أم انهما يفعلان ذلك بعدما وجدا نفسهما خارج التسوية الاميركية – الروسية، ام انهما يفعلان ذلك مسايرة لدول الخليج العربية وتركيا التي لا تريد تسوية سياسية يمكن ان تؤمن استمرار النظام السوري او سوريا ككيان موحد وقوي بأي صورة من الصور؟

كثيرة هي الاسئلة المطروحة اليوم حول الحمية الفرنسية – البريطانية بالنسبة الى سوريا، وهي تعطي انطباعاً ان الدولتين قادرتان فعلاً على تنكب مهمة ترددت الولايات المتحدة في السير بها، فهل من عاقل يقتنع ان في امكان باريس ولندن ان تملآ الفراغ الاميركي؟ ربما عاود الامبراطوريتين السابقتين حنين الى الزمن الغابر، ولكن هل هما تمتلكان القدرة والادوات التي يمكنهما بها تحقيق هذه الرغبة؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى