صفحات سوريةمصطفى كركوتي

أياً تكن نياتها: إيران المخرّب الأبرز في المنطقة/ مصطفى كركوتي

 

 

ستواصل إيران ادعاءها أن سياستها الإقليمية في الشرق الأوسط «بناءة» لا تهدف إلا «لتحقيق الرخاء والاستقرار والسلام» لشعوب الإقليم، وفقاً لكلام ما فتئ يتكرر على لسان مسؤولين كثيرين في طهران. لكن واقع الحال يؤكد أن إيران تفعل العكس تماماً سواء في سورية أو العراق أو لبنان أو فلسطين (غزة تحديداً) أو اليمن، الخاصرة الرخوة للسعودية وعرب الخليج.مآل سياسة طهران في هذه الدول، وبفترات متفاوتة منذ 2012، وقبل زمن طويل من ولادة «داعش»، لا سيما في ساحة سورية، هو دفع المنطقة نحو هاوية مميتة. وواضح أن هدفها الآني هو نشر الفوضى من خلال قوى تابعة لها، سواء كانت ميليشيا «حزب الله» في لبنان و «الحشد» في العراق وحوثيي اليمن وإلى حدّ ما «حماس» في فلسطين ومرتزقة من أفغانستان وباكستان وشيشان.

حان الوقت للمجتمع الدولي أن يتخذ الإجراءات اللازمة للحد من تخريب إيران في المنطقة وإجبارها على تغيير مسار هذه السياسات. وإذا كان الرئيس دونالد ترامب جاداً في مواجهة طهران عليه أن يركز على هذا الأمر بدلاً من التصعيد بشأن الملف النووي. قرار مجلس الأمن الأخير الداعي لوقف إطلاق نار في عموم سورية خطوة أولى في هذا المجال. وما صيحات الاستغاثة المؤلمة للضحايا المدنيين الأبرياء في الغوطة الشرقية ولعناتهم الموجهة، بالتساوي، نحو التنظيمات الإسلامية المختلفة وجيش النظام السوري و «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله»، إلّا تعبيراً عن حجم مأساةٍ متوحشة وغير مسبوقة صنعها هؤلاء.

من خلال دعم طهران المادي المباشر والمفتوح، بالمال والعسكر، لحكومة بشار الأسد بالإضافة إلى غطاء روسيا الجوي، قُطِعَ الطريق بنجاح أمام أي تحول سياسي ممكن في البلاد حتى الآن.

ويجب أن تدرك القيادة الإيرانية أن السوريين العاديين بغالبيتهم لا يثقون بإيران ونفاقها السياسي المتواصل بشأن «جبهة المقاومة والممانعة» للتصدي لـ «العدو الصهيوني»، لم يعد هذا ينطلي حتى على صغار السن إذ بات كلاماً ممجوجاً لا معنى له في زمن لا تتوقف فيه طاحونة الحرب عن القتل المستمر. ولكن على رغم كل ذلك، لا يتوانى المسؤولون الإيرانيون عن السعي الى تضليل العرب والجوار في آن.

بين حالات النفاق والتضليل، التهديد بهدم تل أبيب «فوق رؤوس سكانها وإزالتها من وجه الأرض»، وفقاً لأمين عام «مجلس مصلحة تشخيص النظام» محسن رضائي الذي أعلن أن بلاده «ستدمر تل أبيب وتجعلها ركاماً» في معرض رده على بنيامين نتانياهو الذي حذر طهران من «مغبة اختبار قدرات إسرائيل».

رضائي قال تحديداً: «إذا قام الإسرائيليون بحركة غير حكيمة مهما كانت بسيطة ضد إيران، فإننا سنسوي تل أبيب بالأرض ولن نعطي نتانياهو أي فرصة للهروب… فقادة إسرائيل والولايات المتحدة لا يعرفون إيران ولا يفهمون قوة المقاومة، ولذلك هم يتعرضون للهزيمة باستمرار». أي هزيمة يتحدث عنها هذا المسؤول! الهزيمة المعروفة في المنطقة تلك المستمرة منذ حزيران (يونيو) 1967 على رغم حديث البعض عن نصر تحقق في تشرين الأول (أكتوبر) 1973 في حين يراه أبرز قادته، الراحل سعد الدين الشاذلي، فشلاً ذريعاً.

والمذهل في نفاق إيران وصف رضائي لدور بلاده في الدعم الشامل لـ «جبهة المقاومة» الممتدة «من طهران وحتى غزة»، مدعياً أن نظامه لا يتدخل في الأراضي الفلسطينية ولا حتى في لبنان، «بل يقتصر دوره على تقديم المشورة السياسية». إيران، يقول رضائي، «لا تريد أن تفرض سيطرتها على دول المنطقة بل تريد من هذه الدول أن تتمكن من الوقوف على أرجلها».

هذا النوع من التصريحات الجوفاء ليس جديداً على آذان العرب، لا سيما عندما تكون موجهة ضد إسرائيل. قادة بارزون من عرب المنطقة (الراحلان جمال عبد الناصر وصدام حسين كمثال)، تباهوا كثيراً بتفوق قواتهم في تصريحات مختلفة حول صواريخ «القاهر» و «الظافر» في حالة عبد الناصر، أو «سكود» بالنسبة لصدام. هذان الزعيمان فشلا بجدارة في استخدام ترسانتيهما من الصواريخ بفاعلية ضد إسرائيل.

الأفظع من ذلك، قاد عبد الناصر العربَ إلى أشد الهزائم في تاريخهم المعاصر بدخوله حرب 1967 بجيش منهك واقتصاد ضعيف جراء حرب اليمن. ولم تكن صواريخ «سكود» لصدام حسين تهدف إلى «تدمير» إسرائيل في 1991 بقدر ما كانت تسعى إلى استعادة بعض الهيبة التي فقدها بعد ما سببه من خراب جراء غزوه الكويت في آب (أغسطس) 1990. وسائل الإعلام الناصرية التي كانت المصدر الرئيسي للمعلومات ضللت الرأي العام العربي في اليومين الأولين للحرب بأن نصف القوات الجوية الإسرائيلية تم تدميره وأن الجيوش العربية باتت على وشك أن تدك بوابات تل أبيب. ولكن في الحقيقة، كشفت وقائع تاريخ تلك المرحلة أن حرب الأيام الستة انتهت لمصلحة إسرائيل منذ اليوم الثاني لها.

لذلك، ليس ممكناً النظر إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين خارج إطار السفسطة الكلامية المبالغ بها والهادفة إلى حرف الرأي العام بعيداً عما تقوم به إيران من عمل تدميري في سورية وما حولها.

في النهاية، الهدف الأول لتمدد إيران من طهران وحتى قطاع غزة هو تأسيس نفسها كقوة كبرى في الإقليم. هناك عنصران يساعدان هذا التمدد: الأول هو الفراغ الكبير في موقع العرب القيادي الذي يتيح لطهران أن تخترق جلّ الجسم السياسي العربي من دون رادع. الثاني، وهو أمر مؤسف، تحالفها مع أقوى قوة رئيسية في المسرح السوري، روسيا فلاديمير بوتين. روسيا وإيران، ما كان يمكن لأي منهما النجاح من دون مساعدة الآخر. فمن ناحية، قدمت موسكو الغطاء الجوي الحيوي لـ «الحرس الثوري» وميليشيا «حزب الله» للتقدم بثبات في العمق السوري. من ناحية أخرى، إيران بملايينها الثمانين وثروتها النفطية الكبيرة وموقعها الاستراتيجي المهم بحضور بري قوي، ضَمنَ لروسيا شروط السيطرة في مناطق وجودها في سورية.

على رغم التعاون الاستراتيجي المهم بين روسيا وإيران، فإن هذه الأخيرة تدرك حدود قوتها عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. فطهران، والحال هذه، لن تضع نفسها في مواجهة مع الولايات المتحدة فحسب، بل ستخاطر بتحالفها الوليد مع روسيا أيضاً.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى