صفحات الثقافة

أيتها العاصفة انزعي الدفّة من يدي/ غوستاف مونش بيترسن

 

 

غوستاف مونش بيترسن (1912 ـ 1938) شاعر وكاتب وفنان دنماركي، يُعد، كذلك، سويدياً، نسبة الى أمه والى إسهامه في الحداثة الشعرية السويدية، مبكراً. ولد لأسرة أكاديمية، مثقفة أولت تطلعاته الأدبية والفنية الاهتمام والرعاية. بتأثير من الحركات الطليعية  للحداثة، راهن بقوة لأن يكون كاتباً وفناناً ومثاله في ذلك كان الحداثة السويدية، كما تمثلت في أسماء مثل، اديت سودغران، آرتور لوندكفيست وهاري مارتينسون. الرسم كان شاغلاً أساسياً لديه الى جانب الكتابة، فانخرط في أوساط الرسامين الطليعيين في الدنمارك، وفي الخامسة والعشرين من عمره مثّل السريالية الدنماركية بعشرين لوحة في المعرض العالمي الذي أُقيم في كوبنهاغن عام 1935.  مجموعته الشعرية الأولى “الإنسان العاري” صدرت العام 1932. تنقل بين مهن وبلدان عديدة حتى قادته المغامرة الى العمل في نقل الحجارة في تونس، وقد كان يرى في نفسه نموذجاً لبدوي عالمي. نقطة التحول وهي نقطة النهاية له أيضاً كانت مشاركته في الحرب الأهلية الإسبانية، العام 1937 ضمن حوالي 500 دنماركي، الى جانب الجمهوريين ضد  قوات الجنرال فرانكو، هذه المشاركة التي لخّص معناها في آخر رسالة منه الى زوجته، إذ أشار الى أنه شارك في الحرب ليقاتل كلّ ما من شأنه أن ينتزع من الناس حقّ أن يحيوا، كما رأى أنّ الشر يقف ضد الخير في هذا الصراع، القديم ضد الجديد وكان هو يقف في الجانب الخيّر، حسب تعبيره. أصدر غوستاف مونش بيترسن حوالي سبع مجموعات شعرية بينها واحدة مكتوبة بالإنكليزية اضافة الى رواية قصيرة.  ما يجدر ذكره ان بيترسن يقدّم عبر هذه القصائد للمرة الأولى، عربياً، وهي مستلة من مجموعته المكتوبة بالسويدية “ثمة الشمس”، وهي المجموعة الوحيدة له بلغته الثانية هذه. عبر القصائد المختارة هنا، يُستَشفّ نفَس شاعر أصيل، عميق مسكون بالرؤى والاستشراف، شأن كلّ شاعر كبير. ولقد تمّ التعريف به لأول مرة عبر مقال لكاتب هذه السطور، نُشر، قبل حوالي سنتين، يجده القارىء، للمزيد من التوسع في معرفة الشاعر، على الإنترنت، ولاحقاً في كتابنا “مرآة النص والكاتب”، الصادر حديثاً. ومن المقال الآنف استعدنا بعض المعلومات الضرورية هنا.

 

 

الشاعر

 

الآن أريد أن أحدّثك

ماذا يعني الشاعر:

أنه ضَباب

في الطرفِ القصي

من الأُفق،

هو الغيب

جبهته بصيص ينتظر

عند حدود الليل،

أحياناً، تكون عيناه متعبتين

من انتظار الضوء،

كما لو أنه لا يعرف

إذا كان موجوداً،

وأحياناً يكونا عمياوين

من الشمس في الجانب الآخر

الضباب،

ثمّةَ يبكي الشاعر، حتى

ينزاح الضباب بعيداً،

والهلع المنتظر يعود،

تبرد أجفانه الموجعة.

الشاعر

إما يكون أحمقَ أو حكيماً

كما لو أنه

كلّ ساعة يختار،

ما إذا كان يريد أن يحيا أو

يكون ميتاً، على الدوام.

 

 

كل شيء

حِنّ فقط الى الضوء

احلمِ الحلم ذاته

انتظرِ الأمل، فقط

أحِبّ النوم، الذي يهبك

من هناك ما لا تعرف.

 

 

العدو

 

فقط، النصر والهدنة هما من يكونا مشترَكين

لا توجد معارك مشتركة،

كل المعارك بعيدة عن الهدنة،

كل المعارك لها عدو واحد فقط،

كل المعارك تُخرق في الظلام،

هناك لا أحد يرى، فقط العدو يضرب،

دعنا نقتسم

حنين الهدنة والإبتهاج

المعارك يجب أن ترقص في الظلام،

وحيدةً مع جميع الأعداء.

 

 

ليل

 

السماء تظلَمُّ

الأقدار تستجمع قواها

الحياةُ تسبِت

سُبات الربيع أو الخريف

الأقدار تتحدث

الشمس والقمر ينتظران

الليل يعود متمهلاً

حياتكَ تتأوه في النوم

الأقدار تنتظر مشهد التنفيذ.

 

 

صباح

 

من أين يأتي هذا..

أن نكون بلا أيّ شيء

فقراء في كل شيء،

أيكون بإمكاننا الحلم بكلّ شيء؟

المستقبل وُضِع مسبقاً،

بعيداً يرتاح هو

مخدّراً من أحلامنا.

 

 

 

كلمة الانسان

 

أن تهَبَ الحياة

هذا هو حنينكَ،

لا تشحذ أزهاراً من المرج،

أو ثماراً من الأغصان

لوّن البراعم بدمك،

طعّم بها الأغصان الميتة،

نَم نوم المستقبل.

 

 

 

بعيداً

 

بروق دائمة، ثابتة

الغيوم تقف بعيداً

لا ترقص

بالرغم من ذلك تُلاعَب

الغيوم تفحّ بعيداً

نغمات الأمل واليأس

لا ترقص

بروق دائمة،

الغيوم تقف بعيداً،

يأس بعيد وأمل.

 

 

خريف

 

الدخان يتسرب من فمي،

وما هو صحيح محتبَس هناك

النوم صار رغبتي،

النبيذ مصباحي

إلّا اني لا أعرف،

إن كان ثمة رقصة تُرقص

بالقدمين كما يجب،

انْ ثمة مركب ينقلب،

لذلك أُعلن الوعد،

الذي غدا حقيقياً

برغم أن أحلامي

تموت دون مغزى، أعتقد أن الأمل

لا يزال يلهث

في الصحارى،

كما لا تجرؤ قدَم، حتى الآن.

 

 

ليال

 

أسكبُ أحلاماً من أصيص

ونبيذاً من إبريق

في قدحكِ الشمس والقمر يطفوان

دعينا نشرب،

نستشفّ عبقَ الحياة

بعد ألف ليلة كهذه.

 

 

تعالي!

 

تعالي أيتها الرغبة

امضغيني

تعالي أيتها العاصفة

انزعي الدفّة من يدي

تعال أيها الضباب الزاحف

تعال، دعني انتصر

دون إرادة، دون قيادة.

 

 

 

إنها تُهفهف في الغابة

 

الى اديت سودرغران*

 

 

قطرة في الغابة تريد تشكيل كلَ شيء وفقَ صورتها

قطرة في الغابة

وجدتْ نفسها أصدق من كل شيء

قطرةُ الغابة أخذتِ القيثارة

ـ أعلى من العالم ـ

هو قدرها، لا غير

أن تجد نفسها الأجمل،

الأصدق،

الأنظف

ـ كل شيء أُريد أن أشكلّه على صورتي

كل شيء سيكون

أروع من كل شيء،

أعلى، فأعلى ترتفع القيثارة،

ـ أعلى من العالم ـ

اهتز أيها العالم لأجل مصيرك

اهتز أيها العالم،

الإبداع يتجلى،

 

قطرة في الغابة غدت أصدق من كل شيء.

* اديت سودرغران شاعرة فنلندية من أصول سويدية رائدة الحداثة الشعرية الاسكندنافية، والشاعر يشير هنا الى مجموعتها الأولى المهمة “قيثارة أيلول” الصادرة عام 1918.

 

المترجم: باسم المرعبي

ضفة ثالثة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى