بشار العيسىصفحات سورية

أين المفرّ؟

 بشار العيسى

تتجول في طول البلاد السورية وعرضها كتائب دخيلة على اسم الجيش الحر، بعضها تضم شبابا سوريا متدينا اجتهد بان الجهاد الفوضوي هو السبيل لاسترداد كرامتهم ورفع الحيف التاريخي عن شعبهم وهؤلاء بالتأكيد لن يمارسوا شائن الاعمال وسوء السلوك ولا يمكن لمن يحترم دينه ان يصبح عونا للسلطة على جيش الثورة الحرّ، فهم بذلك كمن ينقلب على نفسه وعقيدته وحمياه الايمانية.

في حين ان كتائب أخرى غيرها وهي ليست بالقليلة تمّ وما يزال تتم شحنها وجلبها الى فوضى معابر الحدود السورية: التركي تحديدا وكذلك الاردني عبر سلفيي الاردن وغيرها تتم عملية انتاجها في مفرخة الاجهزة الامنية لسلطة الاسد المتدربة جيدا في هكذا عمليات مسبقة الصنع.

كانت الدفعة الجهادية الاولى ليبية دفعتها إدارة مصطفى عبد الجليل الى سوريا بخبث (مستغلا ربما تهافت وسذاجة السيد برهان غليون رئيس المجلس الوطني آنذاك، على أي مصدر مالي) برشوة مالية كبيرة عملت قيادة المجلس الانتقالي الليبي على تحقيق هدفين، الاول: التخلص من جهادييها الذين تبنتهم قطر وسلحتهم من اجل الصراع على ليبيا، كيلا يتحولوا الى لغم في مؤخرة المجلس الانتقالي وطموحاته، وصلت الشحنة الجهادية تلك عبر تركيا ( المعبر الملغوم لأكثر من لغم مشبوه ما زالوا يتدخلون عبرها في المعارضة والثورة السورية بما في ذلك عمليات ادخال شبيحة جهادية علوية من لواء اسكندرون وانطاكية، لدعم الاسد وارتكاب المجازر (عصابة معراج اورال وسياسات حزب الشعب المعارض).

تتم عمليات تسريب هذه الالغام الجهادية ومافيات السيطرة الاغاثية على المعابر والخطف والتشبيح المضاد باسم الجهاد الاسلامي بمن فيهم الكتائب الشيشانية (باسم أبو عمر الكويتي الروسية التي تعيث فسادا بحماية قوات السلطة الاسدية في محيط “مركز البحوث العلمية” في خان العسل، في ظل الصمت المريب والمرتهن لقيادة المعارضة المقيمة في تركيا .

تمارس هذه الكتائب الجهادية ( لفظا) شهوة القتل والتسلط بهيئات قضاء قروسطي وتعاليم لا علاقة لها بالدين او الاسلام يتصرفون ك”روبوهات” ملحقة بأجهزة أمنية متعددة الجنسيات فائقة القدرات الشيطانية، مبرمجة لفعل وارتكاب كل ما يسيء للدين الاسلامي وزرع الفتنة ونشر الكره والاستياء في حاضنة الثورة الشعبية وتسطيح العقل وتغول الاسلام السمح ، كما تفعل اغلب المجموعات التي تلحق بعقيدة تنظيم القاعدة التكفيري الهجروي.

قامت فلسفة السلطة منذ 2003 (وهي الخبيرة الضليعة المُنتجَة لهكذا أمراء كتائب جهادية على مدى سنين الارهاب القاعدي في العراق بالتعاون السوري الايراني، بإشراق مباشر من خدام وآصف شوكت)، على شحن شباب الطائفة السنية من فقراء المدن الريفية والضواحي العشوائية الى الجهاد في العراق لتنفيس مكبوتها والتخلص منها: فهي إما ان تموت وهي تحارب الجميع هناك في العراق، واذا ما حدث عادوا يتم قتلهم او اعتقالهم ليوم يلزمون في مهمة اخرى ( فتح الاسلام وابو القعقاع كمؤسسة استدراج واعتقال) وهم اليوم يستخدمون بقاياهم ضد اهلهم، وبالتداخل مع غرباء آخرين توردهم قطر وايران وروسيا وسلفيو الاردن عبر تركيا بالمال السياسي، للَغم الثورة واضعاف وتشتيت مقاومة الجيش الحر من الداخل، بعلم ومعرفة امريكية لصيقة بشخص سفيرها في سوريا “روبرت فورد” الخبير والمتدرب في العراق ولا يمكن ان تغيب كل هذه الاعمال الشيطانية عن عيون وأسماع الاستخبارات الامريكية والفرنسية والالمانية، فضلا عن التركية على اراضيها وعبر حدودها.

زُرعَت البلاد السورية بمافيات مالية لكتائب بأسماء استفزازية جهادية سلفية وهم اقرب ما يكونون الى قوات النخبة التي تدفع بها السلطة الى الاجرام والقتل، تقوم بأفعال وممارسات شنيعة، تسيء بها من جهة الى سمعة الجيش الحرّ ومقاومته الشريفة، ومن جهة أخرى يحقّقون سيطرة ميدانية يسهّلها لهم النظام كما فعل في الرقة ( المدينة الوحيدة التي لم تلتحق بالثورة، لكنها سقطت أسرع من أي مدينة سورية غيرها) وحلب الشرقية وتل أبيض في حين دفعت تركيا بآخرين عبر الحدود بقيادة شخصيات من المجلس الوطني السوري ( نواف البشير) الى المناطق الكردية “سري كانية” و”تل تمر”، لنهب الحبوب والاقطان وتدمير بنية الصوامع للتخزين، والاعتداء على البلدات الكردية لصالح فتنة تدفع بالكرد الى الانفصال عن الثورة كمرحلة اولى، ومن ثم الالتحاق بالسلطة وعونا لها .

تلعب هذه المجاميع ( الدخيلة) التي تَمَرَّن النظام في تركيبها وصياغة خطابها دورا فائق القذارة والخطورة بالإساءة الى صورة الجيش الحر والانفكاك عنه او رفض دعمه مطلباً شعبيا.

ترافقت اعمال هؤلاء وحملة دعوية نشطت فيها:

1 ـ اجهزة اعلام السلطة وحزب الله.

2 ـ كتائب ادونيس الاعلامية (مثقفين وكتاب وكاتبات شعراء وفنانين) يصرخون بمناسبة وغير مناسبة لكن بإيقاع مضبوط على تواتر ساعة المستشار الرئاسي الامني، يرفعون العقيرة المتظّلمة المتأسفة على انحراف الثورة بقولة واحدة : لن نستبدل الاسد بمن هو اسوأ منه، ولن نقبل بثورة لا تأتي قبل سقوط الاسد، بدولة علمانية مدنية ديمقراطية سويسرية او سويدية، ويشترطون على الثورة خصيها واعادة صنعها في مختبرات الممانعة والمقاومة، حتى تطمئن قلوبهم الوجلة فائقة الحساسية المدينية وهم صامتون بخبث عن جرائم القتل والاغتيال والاغتصاب والتهجير والتدمير طالما المستهدفون هم خصومهم المفترضون، بمحاكمات حداثوية ذات البعد الطائفي والمناطقي.

توحي كل المؤشرات، بانه حدث نوع من تواطؤ لم يخفيه قط “روبرت فورد” بينه وبين “محمد ناصيف” (المستشار الامني لبشار الاسد) في أكثر من مناسبة لخلخلة شروط المعارضة، بآليات تَصل قطر بتركيا او مراكز قوى في البلدين تنسق عمليات استيلاد وتسريب كتائب منفّرة باسم الجيش الحرّ، اشبه ما يكونون بالفيتو الروسي ـ الصيني، لخلخة قوى الثورة وحاضنتها الشعبية لطعن الجيش الحر في الظهر.

لم يعد يخفى على أحد أن من يُسَمَّون: جبهة النصرة، او غرباء الشام، او احفاد الرسول، واخيراً دولة العراق وبلاد الشام هم الأكثر تمويلا، والاكثر تسليحاً، يتم نقلها وتحريكها وتسليمها مناطق حساسة في ظروف غير متوفرة لأقدم كتائب الجيش الحر من مكان لآخر ومن جبهة لأخرى، كأنهم جنود لا ترونها، يتم تسليط الاضواء عليها حسب التعليمات التي تصل قناة الجزيرة بألغام “العربية” الملغمة بفعل براءة أكثر من شبيح اعلامي وخلية نائمة للسلطة السورية لميشيل سماحة في البي بي سي وفرانس 24 العربية بعد طرد مديرتها السابقة “ناهدة نكد” مع وصول هولاند الاشتراكي، للسلطة.

كلنا يتذكر كيف تمّت عملية دفن المجلس الوطني السوري ( على تواضع دوره) بقرار من فورد وقطر وكيف تم استيلاد “الائتلاف” السوري من الخاصرة الرخوة للثورة المرتهنة لقطر وتركيا بعملية القيصرية أتت بمعاذ الخطيب ( خطيب المسجد الاموي والخبير البترولي لدن هولندا الدولة الأنشط في مجموعة بنيلوكس التي تقف خلف لجم دعم اوربي لقوى الثورة، عشية مؤتمر اصدقاء سوريا في المغرب وكيف تم استفزاز الرّجل وهو في أيامه الاولى (وقدراته العقلية المتفسخة ان لم نقل غيرها)، بالقرار الامريكي بإرهابية “جبهة النصرة” لرمي القفاز في وجه من يُسَمَون بالمعارضة التي فُرضَت على الثورة فرضا، عبر مقال للسيد فورد في صحيفة الحياة ديسمبر 12, 2012، وقرار للإدارة الأمريكية ترافقا وغياب أي دعم بُرّرَ به استيلاد الائتلاف، مما دفع بالخطيب دفعا بحماقة المستَفَزّ المَخدوع المهان الى تبني جبهة النصرة، وجاراه بحماقة أشدّ بلاهة جورج صبرة، واخيرا السيد برهان بالقول لاورينت نت: جبهة النصرة ليست خطراً على الثورة.

يكاد الشيطان وحده يعلم لماذا فجّر السيد فورد قنبلته الموقوتة، عشية مؤتمر “اصدقاء سوريا” في المغرب برمي جبهة النصرة بالإرهاب وكأنه اكتشاف لكوكب جديد، بعد تأسيسه الائتلاف الوطني السوري رغماً عن المجلس الوطني السوري ومكوناته، بإشراف رجال يأتمرون بأوامره ورهن اشارته بحجة انه يريد نقلة نوعية للمعارضة، فاذا به صارت المهمة رقم واحد له ولادارته الحجر على المعارضة لمحاربة جبهة النصرة: توقف تزويد الجيش الحر بالاسلحة ومقومات صموده بتقتير ذخيرته وحظر تسليحه وتفريق صفوفه على ولاءات مترفة، لفتح باب التفوق امام بشار الاسد وايران وروسيا بفتح نيران جهنّم ( الكيماوي والصاروخي) على الشعب السوري لإجهاض الثورة والدفع باتجاه الحوار الاستسلامي والقبول بالمشروع الروسي الايراني لنجدة الاسد ونظامه.

تتم عملية دعم وتمكين هذه الكتائب من النقاط الحساسة على الارض (البترول وصوامع الحبوب ومعابر الحدود ومنظومات الاغاثة) ومن شاشات الاعلام الفضائي في حين يحاصَر “المجلس المحلي لداريا” ويعتَّم عليه وصموده البطولي وتنظيمه فائقة العقلانية المدنية المقاومة بغير المال السياسي: يقتَّر سلاحه وتنعدم اغاثته للحد دون الادنى وكذلك الحال في جديدة الفضل وعرطوز وجبال الاكراد والحفَّة، والغوطة الشرقية تم حصارها بعدما أدخلت معركة تتطلب قوى وأسلحة ومال وذخائر وطرق امداد متوفرة لو صدق الاصدقاء الكذَبة.

تمّ حصار قصير وتدميرها ويتم تدمير حمص وحصارها مثلما سبق حصارها وتهميش قياداتها العسكرية لأقدم كتائب الجيش الحر، تركت الرقة للفوضى ودير الزور الى عزلة جهوية ومفرخة نفطية للإفساد والتهميش والعزل، مثلما يتم العمل على حَورَنة حوران وهي التي ثوَّرت كل سوريا، وكأنها قطعة خارجة عن الارض السورية بتثبيت قيادات مستوردة بالمال السياسي في رقاب الناس والثوار.

عَمَل رجل قطر المشبوه (أمين عام الائتلاف السابق) “مصطفى الصباغ” على تدمير الانتصارات التي تحققت في جبال الاكراد والتركمان بالحصار عليهم ومنع التسليح والذخائر عنهم، لمنعهم من التقدم باتجاه معاقل اسرة الاسد اللاذقية وقرداحة ، ولتنفيذ مآربه هذه عمد الى عملية شراء بالفساد لكتائب محلية من قبله وقطر لحين تمَّ إنفاذ “دولة العراق وبلاد الشام” التي استهللّت حضورها بقتل القائد الميداني الحمامي*.

لم يعد خافيا على عاقل متبصر ان الثورة اصبحت تُستَهدَف في عدة مستويات:

ـ الحصار الاقليمي بتقتير الدعم وتشتيت اتجاهات المعارضة المدجنة بالتمويل والرخص.

ـ ضرب الجيش الحر بالكتائب الجهادية الدخيلة والمدعَّمة عسكريا ولوجستيا والعقيمة عقليا.

ـ الدفع بالناس الى التهجير القسري والطوعي هربا من الموت والجوع والخراب وتبدد آفاق المستقبل.

وبالتالي اصبح على الثورة ان تعيد انتاج نفسها بقوة الصراع من اجل البقاء في العمل على:

ـ وقف التدهور والتشتيت مستصرخه الضمائر الوطنية: الاقلاع عن المال السياسي والارتماء باسم الثورة في احضان الفساد العربي.

ـ اعادة بناء ارضية وطنية شاملة برؤية سياسية وبرنامج سياسي ( للمعارضة بحضور كبير لقوى الميدان الشبابية) غير مرتهن تعيد الجميع الى الحاضنة الوطنية: كردا وعربا مسلمين ومسيحيين طوائف ومذاهب.

ـ توحيد الكتائب الحقيقية للجيش الحر تحت قيادة ميدان فعلية بعنصري القيادة والتحكم، وتخطيط الاهداف وبرمجة العمل على اساس اولويات مقومات النصر وتفادي الاشتباك الملغم مع الكتاب الدخيلة ودفعها الى مواجهة السلطة.

ـ على قوى الثورة والمعارضة سحب الغطاء الذي وفَّرته بعض شخصياتها الضحلة لمجاميع الجهاد الكاذب، وتعرية خطابها وادانة سلوكها وكشف القائمين بأمر تسريبها وتسليحها وتمويلها.

ـ وضع الاخوان المسلمين امام مسؤولياتهم الدينية والتاريخية بغير التلطّي والخداع اللفظي.

وأخيرا لجم الصراع السعودي القطري على الثورة السورية في بازار المزاودة وتجارة التمور والابل الجرباء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ شهادة ناشط ميداني من اللاذقية:

“*يقال ان الحمامي (وهو شاب طيب شجاع مرح ابن بلد، التقيته أكثر من مرة رحمه الله) كان يحضر لمعركة جديدة كبيرة على مواقع النظام، ويبدو أن لدولة العراق والشام رأي آخر!!!!؟

بدون شك “دولة العراق والشام” دخيلة على سوريا ومنطقتنا، وهي لم تحرّر شبراً واحدا من الارض، بل جاءت لتتزعم وتفرض فكرها والمستفيد الوحيد من سلوكها هو النظام!.

استفادت دولة العراق والشام، من حالة التشرذم والخلافات بين كتائب المنطقة، وهي لا تمثل كل المقاتلين العرب والأجانب

هناك تركيز إعلامي غير بريء ( خاصة قناة العربية) وهذا لم يحدث عند الاغتيالات السابقة، وهذا بقصد التحشيد لمعركة طاحنة بين الجيش الحر وإسلاميي القاعدة ودولة العراق والشام.

برأيي هناك علاقة بين من يصنع الحدث وبين من يسوقه

المشكلة كما تعلم أن هناك إرادة خارجية في حدوث إقتال مفتوح بين الثوار والقاعدة وتبعاتها، وإن ترك هذه الجماعات يضر بنا وبثورتنا ويفيد النظام، وأيضا معركة مفتوحة معهم تضر بنا وتفيد النظام. ” المأزق المتقن”

برأيي يمكن محاربتهم بالفكر دون سلاح وبطريقة غير مباشر (سلبية): عن طريق توحد القوى الثورية على الأرض لتصبح قوية فاعلة وتفرض هيبتها والإلتفاف مع الحاضنة الشعبية صاحبة الأرض والقضية وعدم التفاعل والتعاطي مع هذه الجماعات الدخيلة مما سيضعف حركتها ومناورتها ويسحب البساط من تحتها، وتوجيه قوانا الثورية والشعبية نحو هدفنا في إسقاط نظام الإرهاب الأ.”

2 ـ فورد ** (مستشار السفير “نيغرو بونتي” القادم من سفارة بحرين ( 2001 و2004)، وبقي في بلاد الرافدين حتى 2006 ليعود اليها مرة أخرى ويساعد في صياغة قانون الانتخابات المحلية العراقية. ما بين 2008، و 2009، صار فورد الحاكم الفعلي في السفارة الأميركية بعد قدومه من الجزائر كما يقول البعض، بعد مغادرة السفير ريان كروكر )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى