صفحات سوريةطيب تيزيني

أي أفق للاتحادات الليبرالية؟/ د. طيب تيزيني

 

 

 

تتصدى بعض القنوات التلفزيونية ومجموعة من الكتابات السياسية العربية وغير العربية للأحداث الراهنة الملتهبة في العالم، وهذا من طبائع الأمور. ويصدق ذلك بكيفية خاصة على مسألة «الإرهاب» وعلى ما أثارته من مسائل أخرى وقضايا متممة. ونحن نعني هنا الانتفاضات التي هبت في بعض البلدان العربية، وما استدعته من ردود فعل هنا وهناك. فنحن نعلم أن تلك البلدان المعنية تجد نفسها جميعاً أمام مسألة الإرهاب المذكورة، ليبدو الأمر كأن هذه الأخيرة قرّبت بين البلدان العربية بعضها البعض، أو بالأحرى وحّدت بينها. نعم إن «الإرهاب» هو الدافع إلى ذلك، لاسيما أن البلدان المذكورة لم تتوحد ضمن المنظور الوحدوي العربي (تجارب العراق وسوريا مثلا، وسوريا ومصر، ولبنان وسوريا)، وبغض النظر عن التجارب والأحداث الإيجابية التي اشتركت فيها بقدر أو بآخر.

وإذا كنا نلاحظ أن عامل الرباط الحالي بين هذه البلدان هو نفسه لم يؤد إلى التقاء النظم العربية بمعظمها، أو إلى القيام بمشاريع إصلاحية، فإن حالة جديدة تطرح نفسها الآن في عدد من البلدان، ونعني حالة الخروج من إشكاليات الانتماء القومي أو المذهبي أو الطائفي وغيره في بلد عربي واحد، وليكنْ سوريا. لقد برزت مجموعة من المناقشات والخصومات والتساؤلات ذات الطبيعة القومية والإثنية والطائفية.. وكأن مَنْ ورائها سياسيين ومثقفين وغيرهم يعتقدون أن الوصول إلى حقوقهم الدينية أو السياسية قد أصبح أمراً مؤكداً أو محتملا. من ذلك تبرز المناقشات والاستعراضات الأيديولوجية التي يتبادلها جموع من المواطنين الأكراد السوريين مع فرقاء سوريين عرب أو دروز وشركس.. بهدف التأكيد القاطع على أن الوصول إلى حقوقهم لابد أن يمر عن طريق تأسيس كيان جامع لهم قومياً أو مذهبياً أو إثنياً.. ضمن سوريا الجديدة.

 

ذلك تصور يأخذ به جموع من السوريين، خصوصاً من أولئك الذين عانوا حالة من القهر القومي أو التمييز الطائفي والديني والإثني.. وهو تصور يقوم على شيء من واقع الحال والحقيقة، ذلك أن نظام الاستبداد والظلم والفساد لم يدعْ فئة أو طبقة أو مجموعة إلا وعمل على إخضاعها بـ«الغلبة» باحتمالاتها المتعددة، ومن ثم فإن إعادة بناء البلد يعتبر من ضرورات «إعادة الحياة إليه»، بالتغيير والإصلاح وبدمقرطة كل قطاع ومؤسسة في الحقول الأربعة الحاسمة: السلطة السياسية، والسلطة القضائية، السلطة التنفيذية، الحقل الإعلامي الشامل دون استثناء.

ومن هنا، نلاحظ أن أسلوب التوحيد بالطريقة الديمقراطية بما تعنيه من مناقشات وحوارات بين الأطراف المعنية إضافة إلى ما لم يُنتبه إليه على صعيد المهتمين من المعارضين خصوصاً، وهو التأسيس لمركز دراسات يضع بحسبانه تلك المسائل وغيرها مما يجد.. نقول إن ذلك من شأنه أن يحوّل «القضايا السورية» إلى مهمات حاسمة على صعيد البحث العلمي السياسي.

بيد أنه في هذا وذاك، يمكن القول مبدئياً بأن الأطراف السورية بكل تكوّناتها وتكيفاتها وتحولاتها، مدعوة إلى أن تجد أو أن تكتشف أن الحلول للقضايا المطروحة راهناً وفي ضوء بواكير ربيع عربي، لا تخرج عن مشروع سوري ليبرالي جامع للكثرة في ضوء وحدة سوريا، وللوحدة في ضوء تعددية بمرجعيات متعددة. لكن، وفي كل الأحوال، ضمن استراتيجية تعنى بالاستقلال والانتماء العربي.

الاتحاد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى