باسل العوداتصفحات سورية

أي (منصة) تريد موسكو/ باسل العودات

 

 

قررت الهيئة العامة للمفاوضات التي تُمثّل المعارضة السورية في مفاوضات جنيف أن تُجري تغييرات في الوفد المفاوض، ستطول ـ مبدئياً ـ كبير المفاوضين ورئيس الوفد، ومن المتوقع أن تطال آخرين، وأشارت الهيئة إلى أنها ستتواصل مع منصات أخرى من أجل تقريب وجهات النظر، وربما ستضم شخصيات منها إلى الهيئة ووفدها المفاوض. رغم تأكيد بعض المسؤولين في الهيئة على عدم تعرّضها لضغوط من أي نوع في ما يتعلق بالتغييرات، إلا أن القاصي والداني بات يعرف أن موسكو تريد تعديل الوفد المفاوض من جهة وتغيير بنية الهيئة العامة للمفاوضات من جهة أخرى، لتشمل التعديلات تهميش ممثلي العسكر والفصائل المسلحة وإضافة شخصيات مُهادنة أو مُقرّبة من النظام تُدجِّنُ الوفد المفاوض ليقبل تدريجياً بالتخلي عن مطلب الانتقال السياسي الشامل.

على الرغم من الانتقادات الموجهة للهيئة العليا للمفاوضات، وتركيبتها التي جُمِعت على عجل من شخصيات لا انسجام بينها، وتكرار تواجد نفس الشخصيات التي أثبتت فشلها في تكتلات أخرى، وتأسيسها وفق نفس آليات تأسيس كل الكتل السياسية التي أُنتِجت بعد الثورة، وكذلك ضعفها الإعلامي وعدم وضوح استراتيجياتها الأصلية والبديلة، إلا أنها بالمقابل تضم طيفاً عريضاً من ممثلي التيارات والكتل والأحزاب المعارضة، من أقصى يسارها إلى أقصى يمينها، وتضم كذلك شخصيات مستقلة تُمثّل الكتل والتيارات التي لم تنضم علناً إليها.

لم تُطالب الغالبية الساحقة من أصحاب الثورة بتوسيع الهيئة أكثر مما هي عليه، فكلما كثر الطباخون فسدت الوليمة، والسوريون لم يقوموا بالثورة من أجل تمكين المعارضات التقليدية أو المنشقين أو المعارضات الناشئة أو أي جهة حزبية أو عقائدية، بل من أجل مطالب واضحة وضوح الشمس، يمكن أن يحققها شخص واحد صادق وثابت ووطني.

في ظل هذا التواجد المباشر أو غير المباشر للغالبية العظمى من قوى المعارضة السورية، يطفو على السطح سؤال حول من تريد موسكو إضافتهم للوفد المفاوض، وتضع كل ثقلها وتُصعّد عسكرياً من أجلهم، وأي “منصة” تريد إقحامها لتُطلق سراح الحل السياسي. تنظر موسكو للتكتلات السورية كـ “منصات”، وتضعها جميعها في سلة المعارضة، رغم أن بعضها ابن (غير شرعي) للنظام، وتُصنفهم ضمن خمس منصات: منصة موسكو، منصة القاهرة، منصة الأستانة، منصة قاعدة حميميم العسكرية، وأخيراً ما يمكن تجاوزاً تسميتها “منصة الأكراد”، وفي الغالب الأعم يمكن أن يكون الهدف الروسي هو وضع كل هذه المنصات في الهيئة العليا للمفاوضات، لتصبح هذه الهيئة وفق التعبير المصري “سمك لبن تمر هندي”، ما يُسهّل سير المفاوضات لتنتهي وتُنهي الثورة معها، لكن بالمقابل يمكن أن يكون الهدف الروسي جهة واحدة محددة بعينها.

من غير المُقنع أن تضع روسيا كل ثقلها الدولي والعسكري من أجل عيون “منصة الأكراد”، الممثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لأنه من وجهة نظرها ليس أهلاً للثقة، فهو صاحب ولاء مزدوج (روسي ـ أمريكي) وربما أكثر، وصاحب مشروع فيدرالي غير متوافق عليه حتى مع الروس، والمختلف مع بقية أكراد سورية ومع أكراد العراق أيضاً، ولأن له ذراعاً عسكرياً (وحدات الحماية الشعبية) تُشكل نواة (قوات سورية الديمقراطية) التي تأخذ أسلحة من دمشق وموسكو وواشنطن ومن غيرها أيضاً. كذلك الأمر لا يمكن التصديق بأن “منصة الأستانة” المتواضعة هي قرّة عين روسيا، فقد ولّفها بوغدانوف على عجل من أجل رغبات شخصية وإرضاء لأفراد ومحاولة للتشويش، ويعرف الروس أكثر من غيرهم أنها منصة بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وليس لأي من أبطالها رصيداً يُعتدّ به داخل سورية أو خارجها.

ينطبق الأمر أيضاً على “منصة قاعدة حميميم العسكرية”، فموسكو تعرف أنها لن تجد سورياً يُصدّق أنها منصّة مُعارِضة، فجميع من فيها أصحاب مشروع متطابق مع مشروع النظام إن لم يكن نفسه، خصهم الأساسي هو المعارضة السورية، وهمّهم إكالة الاتهامات والشتائم لها، وتضم أحزاباً وشخصيات لا يمكن أن تصل لمستوى اهتمام موسكو العميق. أما منصة القاهرة، فهي دون شك ليست خياراً روسياً، وربما تقول موسكو إنها تدعمها من منطلق سد  الذرائع، لأن طروحات هذه المنصة قريبة بشكل أو بآخر من طروحات الهيئة العليا للمفاوضات (على الرغم من انخفاض سقفها)، كما أن العديد من أعضاء هذه المنصة هم أعضاء أيضاً في الهيئة العليا للمفاوضات، أي أنها ممثلة عملياً ولا حاجة لموسكو لتُحارب من أجل إضافة المُضاف.

تبقى “منصة موسكو” هي الوحيدة المرشحة لتكون الغاية والهدف الروسي، خاصة وأن زعيم هذه المنصة، الشيوعي والمستثمر العتيد، هو طفل موسكو المدلل، الذي يجمع الصوت العالي والمنطق الأعوج والمبدئية الغائبة والثورية الزائفة، الحزبي المتلون و(ابن السوق)، المعارضً الناعم ثم عضو مجلس الشعب المرضي عنه ثم ساعي بريد النظام إلى موسكو ثم المسؤول الرفيع في السلطة ثم المعارض من جديد، ومثل هذه الشخصية يمكن أن تُحوِّل (بمعيّة الروس) المفاوضات لمشروع يخدم النظام وأهدافه. ربما على المعارضة السورية أن تأخذ حذرها من هذه المنصة لا من سواها، لتتفادى إدخال الدب إلى كرمها، وربما أيضاً عليها الحذر من كل المشروع الروسي هذا وتفاديه، وإن لم تقدر عليها أن تعمل لتخرج منه بأقل الخسائر الممكنة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى