صفحات مميزة

أي نظام.. بعد الأسد؟/ جورج بكاسيني

“سوريا الأسد” انتهت. السؤال الآن: كيف ستكون “سوريا المستقبل” التي ستولد من رحم ثورة مستمرة منذ 33 شهراً؟ وأي نظام سيقوم بعد “العقود الأسدية” التي حَرَمت السوريين من حق الحرية والعدالة والمساواة بل ومن أبسط حقوقهم الانسانية؟
“أي نظام بعد الأسد؟”، سؤال يطرحه العالم ويشغل العرب عموماً واللبنانيين خصوصاً وهم أكثر المعنيين والمتأثرين بأي نظام في سوريا وقد خبروا ذلك، بمرارة أحياناً كثيرة، منذ الاستقلال.
“المستقبل” طرحت هذا السؤال على مجموعة من أركان المعارضة السورية في محاولة لملامسة أجوبة يمكن أن تبدّد سواد الصورة المشوّهة لمستقبل سوريا، التي يروّجها النظام وحلفاؤه لتعميم كذبة الخوف أو التخويف على مصير الأقليات وعلى مصير سوريا كلها، في حال سقوط النظام.
“أي نظام بعد الأسد؟”… ملف جديد يحاول الإجابة من خلال حوارات ونقاشات مع أركان الائتلاف الوطني المعارض وخبراء اقتصاد وأمن يدورون في فلك الثورة السورية، إضافة الى نصوص حصلت عليها “المستقبل” من “خطة التحول الديموقراطي في سوريا” التي أعدّها “بيت الخبرة السوري”، وهي وثيقة وُضعت بعد أبحاث ونقاشات مستفيضة حدّدت رؤية للمرحلة الانتقالية في سوريا بعد الأسد، انطلاقاً من مبادرة أطلقها المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية.

1- أحمد الجربا: سوريا الجديدة قلب العروبة النابض بالانفتاح

                                            “سوريا الأسد” انتهت. السؤال الآن: كيف ستكون “سوريا المستقبل” التي ستولد من رحم ثورة مستمرة منذ 33 شهراً؟ وأي نظام سيقوم بعد “العقود الأسدية” التي حَرَمت السوريين من حق الحرية والعدالة والمساواة بل ومن أبسط حقوقهم الانسانية؟

 

يقول الجربا: “النظام السياسي الصالح لسوريا هو أولاً وقبل أي شيء، النظام الذي يحظى بأصوات أغلبية السوريين خلال عملية استفتاء عام. وبالنسبة لي أعتقد أن النظام الأصلح هو النظام المدني التعددي الديمقراطي الذي يكفل حرية التعبير والذي يراعي الخصوصية الثقافية والاجتماعية للشعب السوري بعيداً من الاستحضار التعسفي أو الإسقاط المباشر لأي نوع من الأنظمة الغربية الجاهزة. فالنظام السياسي هو في اعتقادنا عملية انتاج يفرزها الجسم السوري بكل مكونات شرائحه، مستعيناً بالنماذج المتّبعة في الدول المتشابهة مع سوريا في تركيبها السياسي وتنوعها. أما بالنسبة للنموذج السوري الأفضل في تاريخنا المعاصر، فأتفق مع الرأي الذي يقول بأن الدستور البرلماني الرئاسي هو الأنسب بعد اجراء تعديلات عدة عليه ليتماشى مع العصر ويراعي المتغيرات التي أفرزتها التجربة السورية المريرة مع نظام آل الأسد، اضافة الى المتغيرات الجذرية التي أحدثتها الثورة”.

أما في اصلاح الدستور فيقول الجربا: “إننا في صدد رعاية ورشة عمل قضائية قادها وأشرف عليها كوكبة من الحقوقيين والقضاة الذين تعاونا معهم بكل قوانا. وأنجزوا مسودتين للدستور. وقد وضعنا هذا الجهد الجبار في إطار العمل على إيجاد أرضية لمناقشة الدستور القادم مع كل القوى التي بدأنا استمزاج رأيها وتسجيل ملاحظاتها. وعندما ينتهي العمل سيكون مطروحاً كمسودة للنقاش مع مختلف القوى تمهيداً للخروج بمشروع دستور لعرضه على الاستفتاء العام”.

ويؤكد أن “ما يؤرق السوريين ويقضّ مضاجعهم هو نموذج الحزب الواحد الحاكم بأمره، والذي أوصلنا الى خراب سياسي واجتماعي واقتصادي، ودمّر حياتنا الثقافية. من هنا اعتقد بل أجزم أن السوريين سينحازون بغالبيتهم الساحقة الى نظام التعددية الحزبية الحقيقية، التي تسهم في عملية تداول السلطة، انطلاقاً من مبدأ المشاركة التي تحفظ الاختلاف والمختلف، بعيداً عن أي نوع من الاقصاء الذي مورس على الشعب السوري باسم حزب “البعث”.

لذلك يعتقد الجربا أن “المفتاح العجائبي الذي يثلج قلوب السوريين، سيكون انتخاب رئيس للجمهورية، بعدما نسينا هذه العادة ما يزيد على 40 سنة، حيث حلّت المبايعة العمياء بديلاً من الانتخاب الحر. وبالنسبة لمن ينتخب الرئيس فشكل الدستور الذي سيتم اعتماده بالاستفتاء هو الذي يحدده وان كنت أميل الى الانتخاب الحر المباشر من المواطنين. أما في ما يخص صلاحيات الرئيس فهي أيضاً منوطة بالدستور العتيد، ولكنني ممن يعتقدون بأن صلاحيات الرئيس اذا كان النظام رئاسياً يجب أن تكون واسعة وتشمل الدفاع مع الأخذ في الاعتبار صلاحيات البرلمان وسلطاته التشريعية والرقابية، اضافة الى المحافظة على صلاحيات مجلس الوزراء وحدود اختصاصات وزاراته”.

ويشدد على أهمية “التوازن بين السلطات وفصلها مع وجود هامش موسّع للرئيس هي برأينا المعادلة التي ترسم الصلاحيات الرئاسية ونظام الحكم”.

ويتحدث الجربا عن دور سوريا ووظيفتها الاقليمية بعد سقوط النظام فيؤكد أن الشعب السوري هو الذي سيحددها عند اختيار نظامه ودستوره. ولكن مما لا شك فيه ان هذا الشعب يحمل في وجدانه وثقافته العروبة بمكوناتها الثقافية والسياسية وبمختلف شؤونها وشجونها. لذلك اعتقد ان سوريا الجديدة ستلعب عن حق دور قلب العروبة النابض، لكننا سنكون أمام العروبة بمعناها الحقيقي أي المنفتحة والمعتدلة التي تفرد مساحة للاختلاف وتحمي التنوع والتعددية وتشكل مظلة حضارية لتفاعل الثقافات والأديان والعرقيات بحرية كاملة. وعندما نقارب هذا النمط من العروبة النابضة في القلب السوري يصبح واضحاً التموضع الطبيعي لسوريا التي ستنحاز إلى عروبتها آخذة في الاعتبار تجربة الثورة التي أفرزت مواقف واضحة من قبل الأشقاء العرب الذين أبدوا دعماً واضحاً في مقابل دول استجدّت كعدو للشعب السوري في المنطقة وأولها إيران. أما بالنسبة لإسرائيل فموقف السوريين لم ولن يتغير منذ النكبة ما لم تلتزم اسرائيل بمتطلبات السلام التي أدرجت في المبادرة العربية وما زالت اسرائيل تتنصل منها”.

ويشدد على أن الاعلام والحريات العامة “ستكونان موضع عناية خاصة، كون هذه القضية موضع حساسية عالية من قبل السوريين. فقد تلوّعنا من الرأي الواحد. لذلك ستكون التعددية وصيانة حرية التعبير، الرد الطبيعي على الحالة الكارثية التي سبقت الثورة. ولن نرضى بأي قيد على حرية الاعلام والتعبير، من دون أن يعني ذلك تجاوز حدود القانون التي تحمي الاعلام من التحول الى فوضى باسم الحرية”.

أما الحركات التكفيرية فيقول إنه “عندما يتم الحديث عنها ينصرف الذهن الى جماعات معينة تنتمي الى الاسلام السياسي. أريد أن ألفت النظر الى أن التكفير كنزعة إلغائية لا ينحصر في جماعية معينة أو دين معيّن، ولا أعفي العلمانيين أو من يدعون العلمانية من التكفير بمعنى الالغاء، وإلا كيف نفهم عمليات الإلغاء والاقصاء والمجازر الجماعية التي مارسها نظام البعث “العلماني” بحق الشعب السوري.

التكفير أو الإلغاء هو نزعة مدمّرة لأي شعب ولا يمكن للشعب السوري أن يتسامح بعدما اختبرها مع نظام الأسد بأبشع ألوانها وما زال يعانيها بعنف من الأسد وأدواته وبعض الغرباء أو المتغربين عن ثقافة وقيم الشعب السوري”.

2- جورج صبرة: السوريون لا يُسألون عن مصير الأقليات

                                            “مصير الأقليات” بعد سقوط نظام بشار الأسد تحوّل إلى لازمة لم يقتصر تردادها على أبواق النظام وحلفائه في لبنان ودول الجوار وحسب، وإنما صار جزءاً من “هواجس” بعض الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية التي لا يتورّع ديبلوماسيوها عن إثارة هذا الموضوع في كل لقاء يعني مصير سوريا.

لم يترك النظام ذريعة إلا واستخدمها لتخويف خصومه قبل حلفائه على مصير هذه الأقليات، بدءاً من فزّاعة التكفيريين التي اخترعها النظام نفسه ورعاها وأفرج عنها من سجونه لتعبث بالثورة السورية وتعطي انطباعاً لدى القاصي والداني أنّ البديل من النظام الحالي هم التكفيريون، الذين ستقود سيطرتهم المفترضة على الحكم إلى التنكيل بالأقليات السورية وتهجيرها.

هذا التضخيم للحالة التكفيرية في سوريا من جهة، وللخطر الداهم على الأقليات من جهة ثانية، نجح نظام الأسد في تعميمه على دوائر كثيرة ومتعدّدة في العالم، فيما لم تأتِ ردود المعارضة السورية متكافئة مع هذه الحملة اعتقاداً منها أنّ تجربة الأقليات الغنيّة بالأدوار الكبرى والبارزة في تاريخ سوريا “خير ردّ” على هذه الحملات.

رئيس المجلس الوطني السوري المعارض جورج صبرة مجرّد السؤال عن مصير الأقليات بعد سقوط النظام، ليسأل هو نفسه: “أيجوز طرح مثل هذا السؤال عن بلد ترأسه أكثر من رئيس كردي ومسيحي وتزعّم ثورته التاريخية درزي؟”. ويذكّر صبرة بأنّ سوريا “عرفت أكثر من رئيس كردي، مثل محمد علي العابد ويوسف العظمة، كما ترأس جمعيتها التأسيسية (بالانتخاب) الكردي ابراهيم هنانو الذي أضربت سوريا مدة 40 يوماً بمناسبة وفاته، بالإضافة إلى أنّ حسني الزعيم كان كردياً أيضاً”.

[مسيحي رئيساً للجمهورية

ويضيف أنّ مسيحياً ترأس الجمهورية العربية السورية أيضاً العام 1951 هو سعيد إسحق الذي كان نائباً لرئيس مجلس النواب، حيث أنّ رئيس مجلس النواب ناظم القدسي استقال من منصبه قبل فترة وجيزة من استقالة رئيس الجمهورية، إثر تشكيل حكومة لم تنل الثقة، فقدّم رئيس الجمهورية استقالته إلى نائب رئيس مجلس النواب (أي سعيد إسحق) ومنحه وفقاً للدستور صلاحيات رئيس الجمهورية، واحتل هذا المنصب إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وما زال نجل إسحق بسام (وهو أحد أعضاء الائتلاف السوري المعارض حالياً) يحتفظ بصورة تسليم صلاحيات رئيس الجمهورية لوالده في صدر منزله في دمشق. هذه عيّنة معبّرة عن عمق الحياة الدستورية في المجتمع السوري، مع العلم أنّ المذهب الذي كان ينتمي إليه إسحق (سرياني) كان يمثّل أقلية صغيرة جداً في سوريا التي كانت لا تتجاوز كلها ثلاثة ملايين نسمة في ذلك التاريخ”.

[.. ووزيراً للأوقاف الإسلامية

وكذلك فارس الخوري، يضيف صبرة، المسيحي الذي تولى منصب رئيس مجلس الوزراء تارة ومنصب رئيس مجلس النواب تارة أخرى، إضافة إلى أنه تولى حقيبة وزارة الأوقاف الإسلامية في إحدى الحكومات، ما دفع أحدهم إلى مساءلة مفتي دمشق كيف وافق على إسناد حقيبة الأوقاف الإسلامية إلى مسيحي، ليجيبه: “نأتمن فارس الخوري على أعراضنا وأولادنا وأرزاقنا”.

ويستطرد صبرة: “سوريا ليست اليمن ولا الصومال، هي عرفت الأحزاب السياسية منذ القرن التاسع عشر. في دمشق كلية للحقوق عمرها أكثر من 110 سنوات، وعرفت الحياة الديموقراطية لفترة طويلة من الزمن خرقتها أربعة عقود من الزمن مع حكم آل الأسد لكنها مجرّد صفحة سنقلبها ونستعيد وجه سوريا المدني والتعدّدي”.

لذلك يعتبر أن المطالبة اليوم بدولة مدنية في سوريا، بعد سقوط النظام، ليست غريبة على تاريخ سوريا وجذورها، مذكراً بأنها نشأت العام 1919 “ولما أرادت أن يصبح فيصل ملكاً عليها أبت إلا أن يحتل هذا الموقع بالانتخاب، فانتخبه المؤتمر السوري ملكاً على سوريا في ذلك العام”.

ويضيف أن سوريا شهدت 15 دستوراً في تاريخها أبرزها دستور العام 1950 الذي بُنيت عليه الفترة الديموقراطية حتى العام 1958 حيث ولدت الوحدة مع مصر ومن ثم تلتها الانقلابات المتعاقبة: “سوريا لم تكن تكلف الذين يريدون إنشاء أحزاب سياسية أكثر من علم وخبر إلى وزارة الداخلية. صحافتها كانت مماثلة تماماً لحرية الصحافة اللبنانية وشكلت مورداً مهماً للديموقراطية، حيث كان يصدر في دمشق صحف صباحية ومسائية أيضاً كـ”دمشق المساء”. كما نالت المرأة السورية حق الانتخاب قبل المرأة الفرنسية العام 1945. تخيّل المرأة في الدولة المستعمَرَة نالت حق الانتخاب قبل المرأة في الدولة المستعمِرة التي لم تحصل عليه إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية”.

ويعود صبرة إلى لازمة الخوف على الأقليات في سوريا الجديدة التي تحتل كليشيهات المواقف السياسية للنظام ومؤيديه في هذه الأيام: “هؤلاء الرؤساء الذين أشرت إليهم انتخبهم المسلمون، فلِمَ الخوف على الأقليات الآن؟ بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس غريغوريوس حداد رفض العام 1920 استقبال الجنرال الفرنسي هنري غورو لأنه قتل يوسف العظمة. وعندما قامت الثورة السورية بين العامين 1925 و1927 كان البطريرك حداد يموّن ثوار الغوطة بطنابر القمح والفاكهة. وفي نهاية الثورة تعهّد رعاية أبناء شهداء الثورة للدراسة في ثانوية البطريركية (الآسية). هكذا كان مسيحيو سوريا بالأمس، أيمكن أن يؤيدوا الاستبداد اليوم؟ هذا مستحيل”.

[درزي قائداً للثورة

أما على ضفّة الموحّدين الدروز فحدّث ولا حرج، يضيف صبرة: “العام 1925 ذهب أعيان دمشق وتجارها من المسلمين السنّة (أولاد البكري، شكري القوتلي وعبدالرحمن الشهمندر) إلى جبل العرب ونصّبوا درزياً، هو سلطان باشا الأطرش زعيماً للثورة السورية. كان الشهمندر خريجاً من الجامعة الأميركية فكان يجلس كتلميذ إلى جانب الأطرش لينص له بياناته ومن ثم يختمها الأطرش بالختم النحاسي، مع العلم أن الإخوان الدروز كانوا أقلية صغيرة في ذلك الزمن”.

ويعود صبرة إلى التاريخ البعيد ليذكّر بأنّ بولس الرسول نفسه، الذي بشّر بالمسيحية في كل العالم “صار مسيحياً في الشام وتحديداً في كنيسة حنانية التي خرج منها بالبشارة إلى كل أنحاء العالم. فكيف يمكن الخوف على المسيحيين أو الدروز أو أي أقلية أخرى في بلد مثل سوريا تجاور فيها المسيحيون والمسلمون ولم يغلق فيها باب كنيسة يوماً منذ 1500 عام”.

[النظام اضطهد الكرد

ولا يغفل صبرة ما يعانيه الكرد من “نقص في حقوق المواطنة”، لكنه ينسب هذه المعضلة إلى تراكمات سنوات الاستبداد الطويلة مع حكم آل الأسد، التي انعكست سلباً على العلاقات الاجتماعية بسبب التمييز والتعصّب القومي، مما جعل جزءاً من المواطنين الأكراد يعانون من هذا النقص”، لكنه يؤكد أن في سوريا الجديدة “سيجري سدّ هذه الثغرات وضمان حقوق المواطنين الكرد والأشوريين والتركمان وبقية المكونات الكردية بالتساوي التام مع المكوّن العربي باللغة والثقافة والفنون والجنسية. وأن “خطة التحوّل الديموقراطي في سوريا” تفرد حيزاً مهماً لهذا الغرض لمعالجة مشكلة مئات آلاف الأكراد الذين لا يملكون هويات سورية”.

[.. والعلويين

وكذلك الحال بالنسبة إلى العلويين الذين يؤكد صبرة أنهم “أبناء شعبنا ونحن وإياهم نشكّل نسيجاً وطنياً واحداً، وهم من أكثر الفئات التي تعرضت للاضطهاد في عهدَي آل الأسد”. ويقول: “جاورت المئات من الرفاق العلويين في سجون النظام، بعضهم أمضى أكثر من ربع قرن في السجن، وبعضهم فَقَدَ حياته هناك، لكن النظام بسياسته الفئوية وضعهم في المكان الخطأ لخدمته وخدمة الأسرة الحاكمة والديكتاتور الفرد، مستغلاً فقرهم وطيبتهم. هؤلاء جزء من البنية الوطنية السورية لا تستغني عنهم سوريا في الحاضر وفي المستقبل كما كانت على مدى تاريخها في الماضي. ورغم الحماقات التي ارتكبت من بعض الجنرالات العلويين إلاّ أن السوريين يعرفون أن “لا تزر وازرة وزر أخرى”، ولن يتحمّل الأبرياء نتيجة أعمال المرتكبين، وستبقى الطائفة العلوية جزءاً من البنيان المجتمعي السوري تغنيه بثقافتها وعناء شعبها، والمرتكبون من صفوفها سيلقون الجزاء العادل مثلهم مثل بقية المرتكبين من الطوائف الأخرى. إنّ التاريخ السوري ولا سيما الثقافي منه لا يستطيع أن ينسى أسماء أعلام الثقافة الوطنية التحررية والديموقراطية التي قاومت الاستبداد طويلاً وعلى رأسهم سعدالله ونّوس وممدوح عدوان ومحمد الأحمد وغيرهم كثر”.

أما اليهود فهم الآخرون نالوا أيضاً حصتهم من الديموقراطية السورية، كما يضيف صبرة، مع انتخاب دمشق “نائباً يهودياً العام 1947 إثر الجلاء، وقد سُجِّل له خطاب شهير ضد نشوء إسرائيل العام 1948”.

لذلك يعتقد صبرة، ومعه كثيرون من أركان المعارضة السورية، أن ما يُسمّى اليوم “مسألة الأقليات”، أو الخوف على “المسيحية المشرقية” إنما ينم عن جهل بتاريخ سوريا وبطبيعتها الاجتماعية والسياسية، وهي مجرد معزوفة يلجأ إليها النظام وحلفاؤه خارج سوريا للتخويف من أي نظام بديل لنظام الديكتاتور، تماماً كمعزوفة “التكفيريين” الغريبة عن تقاليد سوريا: “والدليل أن تظاهرات شعبية تواجه الحالات التكفيرية في الرقة وحلب وأماكن كثيرة أخرى لأنها تريد أن تفرض ثقافة وعادات على الشعب السوري هو غريب عنها، مع العلم أن هذه الحالات كان مصدرها سجون النظام بداية ومن ثم صارت تأتي إلى سوريا من أماكن متعددة. ولا شك في أن هذه الحالات ستمثل تحدياً للسوريين في سوريا الجديدة، لكننا سنواجهها ولن تخيفنا مستندين إلى تاريخية الإسلام السياسي في بلادنا الذي هو في جوهره وسطي ومعتدل، والعلاقات القائمة بين الاتجاهات الإسلامية والليبرالية المدنية الأخرى ستغلب حتماً على هذه الظاهرة”.

لكن صبرة يستدرك ليقول إن “المشكلة الأهم هي العنف والظواهر الطائفية والمتطرفة التي استقدمها النظام إلى سوريا للقتال ضدّ الشعب السوري، أعني بذلك “حزب الله” من لبنان وميليشيا “أبو الفضل العباس” من العراق وخبراء القتل والحرس الثوري من إيران، الذين غزوا سوريا بأوراق طائفية ومذهبية معلنة ويدعمون نظام الإرهاب. لكن أعتقد أن سقوط النظام هو الكفيل بإلغاء ظاهرة التطرّف في سوريا من هنا وهناك، لأنه وعلى امتداد عقود من الزمن كان مصنعاً لتصدير التطرّف والإرهاب داخل سوريا وإلى جميع دول الجوار، واللبنانيون والعراقيون يعرفون ذلك تماماً”.

ويختم صبرة قائلاً: “تكفي العودة إلى نظام أجدادنا ونحن كفيلون بدولة مدنية تعددية ديموقراطية تقوم على سيادة القانون وتجدّد حياتها عبر الانتخابات”. ويسارع ليستشهد بدستور سوريا العام 1950 الذي وضع بعد سنوات من الاستقلال “وضمَنَ حرية الأحزاب ومنظومة الحريات العامة والخاصة كاملة ومبدأ المواطنة بحيث لم يكن يُسأل أي مواطن إلى أي طائفة ينتمي أو دين أو منطقة أو عرق أو قومية. تلك الجمهورية الوليدة في منتصف القرن الماضي دخلت بجدارة في بنية المجتمع الدولي كواحدة من الجمهوريات الديموقراطية، وقد شاركت في تأسيس جامعة الدول العربية والأمم المتحدة”.

دستور 1950: حرية رأي وصحافة.. وتظاهر

نورد في ما يلي مقتطفات من الدستور السوري الذي أقرّته الجمعية التأسيسية العام 1950، وتحديداً من الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان “المبادئ الأساسية”:

الفصل الثاني: المبادئ الأساسية

“المادة السابعة:

المواطنون متساوون أمام القانون في الواجبات والحقوق وفي الكرامة والمنزلة الاجتماعية.

المادة الثامنة:

تكفل الدولة الحرية والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين.

المادة التاسعة:

لكل شخص حق في مراجعة المحاكم ضمن حدود القانون وتجري المحاكمة علناً ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

المادة العاشرة:

حرية الفرد مصونة

كل إنسان بريء حتى يُدان بحكم قانوني.

لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا بموجب أمر أو قرار صادر عن السلطات القضائية، أو إذا قبض عليه في حالة الجرم المشهود، أو بقصد إحضاره إلى السلطات القضائية بتهمة ارتكاب جناية أو جنحة.

لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة. ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.

لا يحق للسلطات الإدارية توقيف أحد احتياطياً إلا بموجب قانون في حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية أو الحرب.

كل شخص يقبض عليه يجب أن يبلغ خطياً خلال أربع وعشرين ساعة أسباب توقيفه والنص القانوني الذي أوقف بموجبه. ويجب أن يسلم إلى السلطات القضائية خلال ثمانٍ وأربعين ساعة على الأكثر من توقيفه.

يحق لكل موقوف أن يقدم بذاته أو بواسطة محامٍ أو قريب طلباً إلى القاضي المختص يعترض فيه على قانونية التوقيف وعلى القاضي أن ينظر في هذا الطلب حالاً. وله أن يدعو الموظف الذي أمر بالتوقيف ويسأله عن الواقعة فإذا وجد أن التوقيف غير مشروع أمر بإخلاء سبيل الموقوف في الحال.

حق الدفاع مصون في جميع مراحل التحقيق والدعوى وأمام جميع المحاكم وفقاً لأحكام القانون.

لا يجوز إحداث محاكم جزائية استثنائية، وتوضع أصول خاصة للمحاكمة في حالة الطوارئ.

لا يُحاكم أحد أمام المحاكم العسكرية غير أفراد الجيش ويحدد القانون ما يستثنى من هذه القاعدة.

لا يحكم على أحد بسبب فعل لم يكن حين اقترافه ولا تطبق عقوبة أشد من العقوبة النافذة أثناء ارتكابه.

لكل شخص حكم عليه حكماً مبرماً، ونفذت فيه العقوبة وثبت خطأ الحكم أن يطالب الدولة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به.

المادة الحادية عشرة:

السجن دار عقوبة وهو وسيلة لإصلاح المجرم وتربيته تربية صالحة ويكفل القانون تحقيق هذه الغاية.

المادة الثانية عشرة:

المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في حالة الجرم المشهود أو بإذن من صاحبها أو بموجب أمر قضائي.

المادة الثالثة عشرة:

المراسلات البريدية والبرقية والمخابرات الهاتفية وغيرها سرية لا يجوز مصادرتها أو تأخيرها أو الاطلاع عليها إلا في الحالات التي يعينها القانون.

المادة الرابعة عشرة:

تكفل الدولة حرية الرأي ولكل سوري أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير.

لا يؤاخذ فرد على آرائه إلا إذا تجاوز الحدود المعينة في القانون.

المادة الخامسة عشرة:

الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون.

لا يجوز تعطيل الصحف ولا إلغاء امتيازها إلا وفقاً لأحكام القانون.

يجوز في حالة إعلان الأحكام العرفية أو الطوارئ أن يفرض القانون على الصحف والنشرات والمؤلفات والإذاعة رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة وأغراض الدفاع الوطني.

ينظم القانون أسلوب المراقبة على موارد الصحف.

المادة السادسة عشرة:

للسوريين حق الاجتماع والتظاهر بصورة سلمية ودون سلاح ضمن حدود القانون.

المادة السابعة عشرة:

للسوريين حق تأليف الجمعيات والانتساب إليها على أن لا يكون هدفها محرماً في القانون.

ينظم القانون طريقة إخبار السلطات الادارية بتأليف الجمعيات ومراقبة مواردها.

المادة الثامنة عشرة:

للسوريين حق تأليف أحزاب سياسية على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم ديموقراطية.

ينظم القانون طريقة إخبار السلطات الإدارية بتأليف الأحزاب ومراقبة مواردها.

المادة التاسعة عشرة:

لا يجوز إبعاد السوريين عن أرض الوطن.

لكل سوري حق الإقامة والتنقل في الأراضي السورية إلا إذا مُنع من ذلك بحكم قضائي، أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة.

المادة العشرون:

لا يسلم اللاجئون بسبب مبادئهم السياسية أو دفاعهم عن الحرية.

تحدد الاتفاقات الدولية والقوانين أصول تسليم المجرمين العاديين”.

3- رضوان زيادة: سوريا الجديدة.. نظام برلماني وصلاحيات فخرية للرئيس

                                            يُعدّ الدكتور رضوان زيادة، مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذي عيّن مؤخراً رئيس هيئة العدالة الانتقالية، احد ابرز الباحثين في مستقبل سوريا بعد سقوط نظام الاسد. بدأ ذلك في تشرين الاول من العام 2012 عندما عقد زيادة والمركز الذي يديره مؤتمراً تحت عنوان “ادارة المرحلة الانتقالية في سوريا” في اسطنبول بعد الشعور بحاجة المناطق المحررة الى ادارة تؤمن خدمات المواطنين، فصدر عن المؤتمر توصية اساسية بتشكيل حكومة في المنفى او “انتقالية”.

مضى عام كامل على هذا المؤتمر ولم تشكل حكومة فتضاعفت الفوضى في المناطق المحررة ما دفع زيادة ومجموعة من الخبراء الى تأسيس “بيت الخبرة السوري” وهو يتألف من 300 شخص من قادة المجالس المحلية وقادة من “الجيش الحر” و”الائتلاف الوطني السوري” المعارض اضافة الى محامين وديبلوماسيين وقضاة منشقين ونشطاء. انقسمت هذه المجموعة الى ست فرق عمل تعنى بالاهتمامات الآتية: الاصلاح الدستوري، الاصلاح السياسي، العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، اعادة بناء الاجهزة الامنية وجيش وطني حديث، نظام الانتخابات والاحزاب، الاصلاح الاقتصادي وإعادة الإعمار.

هذه الفرق تجتمع مرتين او ثلاث مرات سنوياً. مجموعة التقارير التي وضعتها في العام الاول شكّلت ما يسمى “خطة التحول الديموقراطي في سوريا”، التي تتضمن تصوراً متكاملاً لسوريا بعد سقوط النظام من جهة، وآخر لكيفية ادارة المرحلة الانتقالية من جهة ثانية. هذه الخطة عرضها زيادة امام الهيئة العامة للائتلاف السوري في اجتماعه قبل اسبوعين في اسطنبول، وقد يتسلّح بها في مؤتمر جنيف 2، في اطار مناقشة المرحلة الانتقالية.

وكان الموفد الاممي العربي الاخضر الابراهيمي اطلع على هذه الخطة سابقاً، وسوف يقوم وفد من المعارضة السورية بعرض هذه الخطة في واشنطن وبروكسل والرياض والدوحة وانقرة للغاية نفسها.

لم يجر بناء “خطة التحول الديموقراطي في سوريا” انطلاقاً من الواقع وحسب، وانما تمت دراسة تجارب مختلفة للتحول الديموقراطي في العالم، فزار رضوان زيادة 80 بلداً، آخر زيارتين كانتا لايرلندا الشمالية وللبوسنة والهرسك حيث تبين له ان نظام لبنان الطائفي، مثلا، اكثر تطوراً بأضعاف من نظاميهما: “كان همنا تجنب نظامي لبنان والعراق الطائفيين، لكن بدا لي بعد الاطلاع على تجربة المحطتين الاخيرتين ايرلندا الشمالية والبوسنة والهرسك ان نظام لبنان متقدم جداً. ذلك ان اتفاقية دايتون التي انهت الصراع في البلقان انتجت نظاماً فريداً في العالم لا مثيل له، لان في دولة البوسنة والهرسك جمهورية تدعى سيريسكيا خاصة بالصرب وفيدرالية تدعى البوسنة والهرسك، اي اننا امام جمهورية ودولة وفيدرالية في آن. في الفيدرالية نفسها ثمة ترويكا ثلثها للبوسنيين وثلث للكروات وثلث للصرب. وعلى كل مستوى هناك طبقتان: برلمان وحكومة وبالتالي من المستحيل التوافق على شيء ضمن البرلمان لان ثمة خلافا على المستويين الفيدرالي والجمهوري، ولم يتمكن هؤلاء حتى اليوم من تطوير نظامهم الذي جرى تركيبه فقط من اجل انهاء الحرب وارساء الاستقرار الامني”.

يضيف زيادة: “بعد اطلاعنا على هذه التجربة ساورنا قلق من امكان تكرار هذه التجربة في سوريا بعد سقوط النظام، لان الدول الكبرى التي تواكب نزاعات معينة في دول اخرى لا تأخذ في الاعتبار الجذور التاريخية لاي نزاع، مثل السؤال عن اسباب قيام الثورة السورية مثلاً، وبالتالي لا تبحث عن حلول سياسية لهذه الازمة او تلك بقدر ما تبحث عن حلول امنية. فاذا نظرت الدول مثلاً الى الازمة السورية من منظار طائفي وتريد ضمان موقع للعلويين مثلاً تنشئ نظاماً طائفياً، وهذا ما نريد تجنبه لانه لا يعالج المشكلة. وهذا ما يفترض بنا في حال واجهنا في مؤتمر جنيف 2 اقتراحات من نوع تشكيل حكومة محاصصة ان نرفض على الفور هكذا اقتراحات”.

[نظام “العتبة البرلمانية”

لذلك يشرح زيادة ان “خطة التحول الديموقراطي” التي تم وضعها حددت بوضوح النظام الافضل لسوريا الجديدة. ويضيف انه بسبب ان سوريا تخرج من ثورة شعبية “فمعنى ذلك ان نسبة المشاركة الشعبية عالية ويترافق ذلك مع ارتفاع مستوى الوعي السياسي عند الشرائح الشعبية ما يفترض ان ينعكس في المؤسسات القادمة كلها. وهذا يبدو جلياً من كثافة عدد المنسقيات والمجالس المحلية في المناطق التي تعكس مستوى الرغبة في المشاركة السياسية. لذلك نرى في خطتنا المشار اليها ان افضل نظام لسوريا الجديدة هو النظام البرلماني بحيث تكون الصلاحيات التنفيذية بيد رئيس الوزراء، اي رئيس الحزب الذي يحصل على اكبر نسبة من الاصوات”.

يتابع: “ولان في سوريا انقساماً طائفياً واثنياً قد يفشل النظام البرلماني في تشكيل حكومة كما هو الحال في لبنان والعراق حالياً، لذلك اقتراحنا للبرلمان اعتماد ما يسمى “العتبة البرلمانية”، اي النسبة التي يفترض بأي حزب الحصول عليها كحد ادنى من المقاعد (5 بالماية) لتؤهله الدخول الى البرلمان. وهذا يضمن بقاء المرشحين ضمن احزاب وتكتلات والا تسود الفوضى. ففي تونس مثلاً كل شخصين يمكنهما تأسيس حزب، أما في سوريا فكل شخص يمكن ان يؤسس حزبين، وهذا يقود الى تذرر الحياة السياسية”. ويؤكد بأن نظام “العتبة” معتمد في تركيا (10 بالماية) ودول اوروبا الشرقية (2 بالماية)”.

في الاصلاح الدستوري يقول زيادة ان سوريا “عرفت منذ الاستقلال 15 دستوراً مما اضعف الثقافة الدستورية بسبب تغيير الدستور بصورة متواصلة، بخلاف مصر التي شهدت احزاباً قامت على الحركة الدستورية. لذا اوصينا بالعودة الى دستور 1950 لانه الدستور الوحيد في تاريخ سوريا الذي تم وضعه من خلال جمعية دستورية منتخبة، وتمت العودة اليه مرتين بعد انقلابين عسكريين. لكن لدى قراءتنا لهذا الدستور وجدنا ان بعض مواده لم تعد صالحة للمرحلة الراهنة. لذلك على الحكومة الانتقالية التي شكلت ان تعلن مبادئ دستورية تكون عبارة عن الموجه الرئيسي مع الاصالة الرمزية لدستور 1950”.

[البرلمان الجديد: 290 نائباً

اما في الاصلاح الانتخابي فيقول زيادة ان “كل برلمانات العالم يمثل عدد اعضائها ما يسمى الجذر التكعيبي لعدد السكان، واذا استندنا الى احصاء سوريا العام 2010 يفترض ان يكون عدد اعضاء البرلمان العتيد 290 نائباً (حالياً 250 عضواً في مجلس الشعب). اما بالنسبة الى النظام الانتخابي فثمة ثلاثة انظمة في العالم: التمثيل النسبي، ونظام الاغلبية (كبريطانيا والهند) والمختلط، اي المزج بين الاكثري والنسبي. نحن اخترنا النظام النسبي على اساس ما يسمى القائمة المفتوحة. فالحزب المعني يضع اسم الحزب وليس اسماء المرشحين، اعتمد ذلك في العراق في اول انتخابات بعد الغزو، اي قوائم مغلقة، اما نحن فنريدها مفتوحة وخصوصا في المرحلة الانتقالية افساحاً في المجال امام الشرائح الشعبية لاختيار ممثلي الاحزاب ايضاً وليس الاحزاب وحدها”.

ويضيف زيادة: بالنسبة للدوائر الانتخابية في ظل حكم البعث كانت تعتمد المحافظة دائرة انتخابية باستثناء حلب التي قسّمت الى دائرتين فكانت سوريا كلها 15 دائرة، ولم يكن التمثيل الشعبي حقيقياً بسبب الحجم الكبير للدوائر، حيث لا يمكن الفوز لغير الاحزاب الشمولية والكبرى. اما نحن في خطتنا لسوريا الجديدة فقسمنا البلاد الى 32 دائرة وفق نظام المناطق لانه كلما صغرت الدائرة كبر التمثيل. ومن خلال هذه الصيغة ضمننا تمثيل الاقليات، اي من خلال المناطق وليس من خلال نظام الكوتا لان الشعب يكره الكوتا. مع اقامة دوائر صغرى تضمن في المناطق تمثيلاً افضل للمسيحيين والارمن والعلويين وغيرهم وننقل الصراع السياسي الى داخل البرلمان. اما نظام الكوتا فسوف نطبقه على الاحزاب، بمعنى ان تسجيل لوائح الاحزاب يشترط نسبة فيها للمرأة وبذلك يكون تمثيل المرأة عادياً، وكذلك بالنسبة الى ذوي الاحتياجات الخاصة نسبة محددة بسبب وجود عدد كبير من الجرحى والمصابين ونحن فخورون بهم ويجب ان يشاركوا في الحياة السياسية”.

[رئيس جمهورية فخري

ربما تكون صلاحيات رئيس الجمهورية في سوريا الجديدة التطور الاهم في التحول من نظام ديكتاتوري الى آخر ديموقراطي مع اقتراح ان تكون هذه الصلاحيات “فخرية”، كما يقول زيادة، لانها يفترض ان تكون بيد رئيس الوزراء الذي ينبغي هو الآخر ان يكون ممثلاً لاكبر حزب في البلاد حصل على اكبر عدد من الاصوات: “البرلمان ينتخب رئيس الجمهورية ومدة ولايته 4 سنوات، ولا يجوز أي ذكر لطائفته او لطائفة غيره في الدستور، اما السلطة القضائية فهي مستقلة ولا تعود رئاسة مجلس القضاء الاعلى مناطة برئيس الجمهورية (وفق النظام الحالي) لان في ذلك اكبر انتهاك لاستقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية. لذلك تتضمن “خطة التحول الديموقراطي في سوريا” توصيات دقيقة وواضحة في ما يتعلق ببناء المجلس الاعلى للقضاء وآليات اختيار اعضائه من خلال السلك القضائي فقط ولا علاقة لرئيس الجمهورية بهذا الامر. وزير العدل يلعب دور مسهل عمل مجلس القضاء ولا يشرف عليه ايضاً وليس له اي دور وصاية عليه”.

[جهازان أمنيان فقط

اما الاجهزة الامنية فستعاد هيكلتها، يضيف زيادة موضحاً ان “في سوريا الآن اربعة اجهزة: المخابرات العامة، المخابرات العسكرية، المخابرات الجوية والامن السياسي. كلهم تأسسوا مع الرئيس حافظ الاسد. ولكل ادارة من هذه الاجهزة عدد كبير من الفروع في المحافظات وفي العاصمة، لذلك يعتقد السوريون ان في سوريا اكثر من مئة جهاز امني. مثلاً رئيس فرع الامن الداخلي الحالي اللواء محمد ناصيف يتبع ادارياً لمدير ادارة المخابرت العامة لكن بسبب صلته المعروفة برئيس الجمهورية يبدو انه رئيس جهاز مستقل لوحده، وهو لا يرفع تقريره لمديره وانما لرئيس الجمهورية الذي وضع هذه الصيغة لتبقى كل الاجهزة تحت سيطرته المباشرة ولتراقب بعضها البعض. لذلك نقترح في “خطة التحول” حل كل هذه الاجهزة وتأسيس جهازين فقط: الامن الوطني (للداخل” والاستخبارات الخارجية للخارج)، شرط ان يكون هذان الجهازان جزءاً من مجلس الامن الوطني، كما هو الحال في الولايات المتحدة الاميركية، حيث يرأس هذا الجهاز (الامن القومي) رئيس الوزراء ويضم وزيري الدفاع والداخلية. كما تشكل لجنة تشريعية في البرلمان مهمتها مراقبة هذه الفروع بحيث يتم ضمان ان تتبع هذه الاجهزة لسلطة مدنية، بالاضافة الى عرض موازنة الدفاع على البرلمان ومناقشتها وليس كما هو الحال الآن حيث يصل رقم اجمالي لموازنة الدفاع الى البرلمان ولا يعرف النواب ولا يسألون ايضاً، كيف صُرفت والى اين ذهبت الاموال، كما هو حال موازنة النفط”.

[دور سوريا الإقليمي

يبقى السؤال: سوريا بالامس واليوم احتلت موقعاً اقليمياً بارزاً، هل يمكن ان يبقى لها هذا الدور بعد سقوط النظام؟

يجيب زيادة: “تميز حافظ الاسد ببناء دور اقليمي لسوريا بعد ان كان دورها صغيراً يصارع عليه الجوار. دشن الاسد هذا الدور منذ البداية مع تدخله في لبنان العام 1976، اي على حساب لبنان، وعلى حساب الشعب السوري الذي دفع ثمن ذلك، بعد الثورة السورية انهار الدور الاقليمي، حتى صار لبنان يتدخل في سوريا من خلال “حزب الله”.

اما الدور الجديد لسوريا الجديدة فيجب بداية، اي بعد سقوط النظام، اعادة الاولوية الى الداخل السوري وبناء سياسة داخلية والتماسك الاجتماعي، مع الحفاظ على علاقة حسنة مع الجوار وخصوصا مع الذين احتضنوا الشعب السوري خلال النزوح، اي باستثناء ايران و”حزب الله”. سوريا بعد سقوط النظام ستكون منهمكة بقضاياها الداخلية وبحاجة الى الاستقرار وسيكون هم احزابها التركيز على السياسة الداخلية لفترة طويلة من الزمن، ومن ثم نعود الى بناء سياسة حسن جوار مع الدول مثل الاردن الذي يخشى من النظام السوري الحالي، ولبنان الذي يفترض وقف سياسة الوصاية تجاهه او تجاه غيره وبناء علاقات احترام متبادل، ووقف المتاجرة بالقضية الفلسطينية، مع بقاء الجولان قضيتنا الاساسية”.

4- سمير نشّار: الثورة كسرت “مملكة الصمت”

                                            جاء في الوثيقة التأسيسية لـ”إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي” الذي صدر في 16 تشرين الأول من العام 2005 أن الموقّعين على هذا الاعلان يطمحون الى بناء سوريا على أساس “نظام ديموقراطي تعدّدي قائمة على الحوار والسلمية ونبذ العنف والاعتراف بالآخر، وعلى القطع مع الفكر الشمولي والاقصائي تحت أي ذريعة تاريخية أو واقعية، وأن يكون الحوار مبنياً على التوافق ما أمكن وخاصة في القضايا الوطنية التي تعبّر عن اهتمامات بعض المكونات بشكل خاص، وأن الديموقراطية كنظام عالمي حديث يقوم على مبادئ الحرية وسيادة الشعب وهو مصدر كل السلطات”.

انطلاقاً من هذه الثوابت عرض رئيس الأمانة العامة لـ “إعلان دمشق” وعضو المجلس الوطني والائتلاف سمير نشّار لوجهة نظره حول سوريا الجديدة بعد سقوط بشار الأسد من منظور ليبرالي ديموقراطي، مجيباً عن مجموعة من الأسئلة: أي نظام، قانون الأحزاب، قانون الانتخابات، الدولة المدنية، الدستور، مسألة الأقليات، العروبة والعلاقات اللبنانية ـ السورية العتيدة.

يقول نشار: “نريد أن نبني سورية الجديدة بعد سقوط الأسد من دون تمييز بين المكونات التي يتألف منها الشعب السوري، نريد سوريا وطناً حراً يتسع لجميع المواطنين السوريين من عرب وأكراد وآشوريين وتركمان، مسلمين ومسيحيين، سنة وعلويين، شيعة، دروز، إسماعيليين، إلى باقي المكونات السورية سواء كانت عرقية أو طائفية أو مذهبية، كل ذلك لا يلغي الخصوصيات الثقافية لجميع هذه المكونات، لأننا نعتبر أن التنوع والتعدد هو مصدر غنى للجميع، خاصة أن بلاد الشام وسوريا منها هي أرض الحضارات ومهدها ومنبع الديانات الابراهيمية منذ آلاف السنين، والمحافظة على هذا التنوع هي مصدر إثراء للحضارة والثقافة وللإنسان الذي هو الغاية والهدف.

إن دولة القانون والحق والمؤسسات والمواطنة هي الأساس الصالح لبناء النظام السياسي والديموقراطي لسورية المستقبل، دولة لا تمييز فيها بين النساء والرجال ولا بين الأفراد بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو لونهم أو مذهبهم، دولة يكون فيها الأفراد أحراراً في حياتهم وممارسة نشاطهم سواء كان ذلك من حيث الحريات الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الثقافية، حرية الإيمان والاعتقاد، واحترام الآخر ضرورة لا غنى عنها في جميع المجالات التي ذكرت. إن العدالة بمفهومها الواسع ومنها العدالة الاجتماعية سوف تحقق من خلال دولة الحرية والعدالة والمساواة بين الجميع وللجميع. ومن الأسس القانونية والدستورية للدولة الحديثة أن يكون هناك فصل بين السلطات التشريعية، القضائية، التنفيذية، وتداول السلطة بين القوى السياسية هو أساس النظام السياسي ويقوم على مفهوم الأكثرية والأقلية السياسية وليس على أي مفهوم آخر يتعلق بأكثرية عرقية أو طائفية أو مذهبية. إن دولة المواطنة هي التي سوف تحقق كل ذلك”.

يضيف نشار: “إن مدنية الدولة، بمعنى فصل الدين عن الدولة، أو الدين لله والوطن للجميع، شرط لازم إذا أردنا أن نبني سورية دولة حديثة، إذ لا بد أن نحيّد ما استطعنا، إذا لم أقل نبعد، الدين عن السياسة وعن الدولة، وهي ضرورة إذا أردنا بناء دولة حديثة وفق مفهوم أمة/دولة، لأن السياسة في إحدى تعريفاتها هي علم إدارة الدولة، وهذا الموضوع سوف يكون مصدر خلاف كبير في المستقبل بين التيارات المدنية والإسلامية، وهو إذا كان موضوعاً مؤجلاً حالياً، بسبب ظروف الثورة، فلن يبقى كذلك بعد سقوط النظام، لأن سوريا متنوعة من حيث التركيب الاجتماعي الطائفي والعرقي والمذهبي، وهذا ما نشاهده حالياً في بلدان الربيع العربي من تونس إلى ليبيا الى مصر وهي بلدان أكثر اتساقاً من حيث التركيب الاجتماعي، بمعنى آخر أقل تنوعاً وهناك أكثرية ساحقة للمكون السني، ومع ذلك نرى الخلاف بين أهل السنة أنفسهم وليس مع المكونات الأخرى”.

[الخلاف حول مدنية الدولة

ويعتقد “أن الخلاف حول مدنية الدولة، سوف يأخذ بعداً أشد تعقيداً مما نرى في دول الربيع العربي، لأن التيارات المدنية ذات توجهات سلمية بشكل عام ولا تحمل السلاح إلا في حالات محدودة وتحت اعتبارات وطنية، أكثر منها علمانية، أما أكثرية حملة السلاح من الثوار اليوم فهم من الإسلاميين، وإن كانوا أيضاً لا يحملون مفهوما واضحا عن طبيعة النظام الإسلامي الذي يريدون، والإيجابية في ذلك أنهم قابلون للحوار، على الرغم من تواضع المستوى الثقافي والسياسي عند أكثريتهم، وبشكل عام هم ينتمون الى بيئات محافظة في سوريا، وغالبا من الأرياف. هنا بالتأكيد لا أتحدث عن الإرهابيين أو المتطرفين أو حتى المتشددين الذين يعتنقون أيديولوجيات متطرفة، ولديهم مشروع سياسي في كثير من الحالات هو عابر للحدود، إقليمي أو دولي”.

ويعود نشار الى مرحلة ما بعد الاستقلال التي “عرفت تجربة ديموقراطية كانت وليدة، غضة وطرية، لم تستطع ان تتجذر في النظام السياسي الذي كان برلمانيا، ومن خلاله استطاعت سوريا تحقيق الكثير من التقدم في مختلف المجالات، وخاصة في المجال الاقتصادي، كما أن التعليم شهد طفرة كبيرة جدا ولا سيما لدى الطبقة المتوسطة، ولن ننسى الحريات العامة وخصوصا في مجال الإعلام والصحافة تحديدا التي شهدت تطورا كبيرا في عدد الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية والدورية، وحتى الآن يتداول الذين عاصروا تلك المرحلة، أن الطبقة المتوسطة في سوريا كانت تمثل الشريحة الأوسع من الشعب السوري، على الرغم من الانقلابات العسكرية التي كانت تمثل عائقا أمام نمو التجربة الديموقراطية، نتيجة التحديات التي فرضتها حرب فلسطين العام والصراع على سوريا بين القوى الإقليمية والدولية في تلك الحقبة بعد الحرب العالمية الثانية. الكثير من السوريين يطلق تعبير العصر الذهبي على تلك المرحلة التي عاشتها سوريا، والتي أسس لها آباء الاستقلال من الكتلة الوطنية.

ويتوقف عند النظام الديموقراطي البرلماني الذي عرفته سوريا في التاريخ الحديث والذي يحدد السلطة كاختصاص لرئيس الوزراء الذي يمثل الأكثرية السياسية، والتي تنتج عن انتخابات برلمانية، وتظهر من هو الحزب أو القوة السياسية التي تملك الأكثرية في البرلمان، حيث يقوم رئيس الجمهورية بتكليفه تشكيل الحكومة التي تمارس السلطة وهي ذات صلاحيات واسعة كما هو الحال اليوم في كثير من الدول الديموقراطية، تركيا، ألمانيا، والكثير من الدول الأوروبية. رئيس الجمهورية ذو صلاحيات محدودة وهو منتخب من قبل البرلمان وليس من قبل الشعب، وتتركز صلاحياته في قضايا السياسة الخارجية والدفاع وعادة يكون هناك تنسيق مع رئيس الحكومة ولا يخلو الأمر من المنافسة والاختلاف على الصلاحيات”.

ويضيف نشار ان النظام الانقلابي بتاريخ // “كان بداية التأسيس لنظام رئاسي استبدادي اعتبارا من العام ، نظام حصر أغلب الصلاحيات التشريعية والقضائية والتنفيذية في شخص رئيس الجمهورية، وأوصل سوريا والسوريين من النساء والرجال الى ما هم عليه الآن، هذا النظام هو ما ثار عليه الشعب السوري.

[النظام البرلماني الأصلح

بين هاتين التجربتين، نرى أن النظام البرلماني، هو النظام الأصلح المعبر عن رغبات الشعب ويسمح له بإنتاج سلطة يستطيع محاسبتها ومراقبة أدائها من خلال برلمان منتخب يلعب دوره الطبيعي في التشريع وفي مراقبة أداء السلطة التنفيذية وحجب الثقة عنها متى شعر أنها لا تقوم بوظيفتها بالشكل المطلوب. بالتأكيد الموضوع يحتاج الى لجنة مؤلفة من فقهاء في القانون والدستور والسياسة لإعداد واعتماد نظام سياسي يرتكز على دستور عصري وقانون انتخابي يلبي متطلبات المرحلة الجديدة وتطلعات السوريات والسوريين في المشاركة السياسية، الآن هناك خشية كبيرة من أي نظام رئاسي لأن التجربة الاستبدادية التي امتدت أكثر من أربعين عاما جعلت النظام الرئاسي، بنموذجه الأسدي، مكروها بغض النظر عنه كنظام من الناحية الموضوعية.

[دستور 1950 الأفضل

اما الدستور المقترح لسوريا الجديدة فيعتبر نشار انه يمكن الاستعانة بدستور الذي أقره البرلمان السوري المنتخب في ظل انتخابات حرة ونزيهة معترف بها من قبل أغلب القوى السياسية وأكثرية المكونات الاجتماعية، والذي يعتبر حتى الان في نظر الكثير من السوريين والخبراء من أفضل الدساتير، وهو يصلح لكي يعتمد للمرحلة الانتقالية، بالتأكيد أنه يحتاج إلى بعض التعديلات، التي تتطلبها التطورات والتغيرات منذ تلك المرحلة وحتى الآن ليتناسب أكثر مع الظروف الحالية ويلبي متطلبات العصر وطموحات السوريين والسوريات، ويحقق ما تصبو إليه جميع مكونات المجتمع السوري، وخاصة الأقليات التي لديها اليوم الكثير من المخاوف والهواجس بخصوص الحقوق المتعلقة بدورها في سوريا الجديدة والحفاظ على ميراثها الثقافي والمشاركة الكاملة في بناء سوريا الجديدة. إن ما نملكه من معلومات أن جميع الأقليات وافقت على دستور عام ، وأن من وضع النصوص الخاصة بمصادر التشريع، هم ثلاثة من علماء القانون والتشريع ومن الإسلاميين، وكما تشير بعض المصادر فهم: الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين، الدكتور معروف الدواليبي، والدكتور محمد المبارك، ومن اعترض عليه هم بعض المشايخ والأئمة وجمعية الغراء الدمشقية المشهورة بنفوذها في تلك المرحلة. وظل العمل سارياً بذلك الدستور حتى العام تاريخ الوحدة مع مصر”.

اما بالنسبة الى قانون الاحزاب والانتخابات فيعتبر “اننا نحتاج الى التروي في اختيار نظام معين للأحزاب والانتخابات، لأنه يحتاج الى توافق بين جميع المكونات السياسية والاجتماعية، نحن نفضّل أن تكون الأحزاب وطنية تقوم على برامج سياسية واجتماعية واقتصادية وتخوض الانتخابات على أساس تلك البرامج، وهذا ما هو معتمد في الدول الحديثة والتي شهدت نموا وتطورا في جميع المجالات وارتفع فيها مستوى المعيشة للمواطنين بشكل كبير، وتحولت طبقة كبيرة من الفقر الى طبقة متوسطة، خاصة في أميركا اللاتينية مثل تشيلي، الأرجنتين، البرازيل التي تحولت الى الديموقراطية بعد عهود من الدكتاتورية والاستبداد والفساد، وذلك خلال ثلاثين عاما تقريبا، الأمر نفسه ينطبق على الكثير من الدول الآسيوية في جنوب شرقي آسيا مثل كوريا وتايوان وماليزيا ، ولكن اعتقد ان سوريا سوف تواجه تحديات كبيرة في هذا الحقل نتيجة الحضور الكثيف للمرجعية الثقافية لبعض المكونات عند أبنائها، ورغبتها بإضفاء الصبغة العرقية أو الطائفية أو المذهبية على أسماء الأحزاب، وهو موضوع إشكالي حقاً وسوف يكون عائقا أمام تطور حقيقي لنظام للأحزاب يكون بعيدا عن التوجهات التي يراد منها حشد مكونات معينة ضمن كيان سياسي ما، بحيث يكون معبرا عن هذا المكوّن، وعليه يجب أن نحاول الحد من هذه التوجهات المعيقة لنمو وتطور الوطنية السورية التي ترتكز على مفهوم المواطنة الذي يجعل جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون.

كذلك الأمر مع نظام الانتخابات الذي سوف يواجه تحدي التمثيل الحقيقي لمختلف المكونات خاصة الأقليات أو الفئات التي تعاني التهميش، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تمثيل المرأة، تمثيل الأقليات، تمثيل بعض المناطق الجغرافية الصغيرة ـ الخ، والسؤال: هل النظام الأفضل هو الأكثري أو النسبي أو النظام المختلط؟ بشكل عام أرى أن النظام النسبي هو الذي يحقق التمثيل الأفضل من النظام الأكثري، ونحن مع النظام النسبي، وهناك أيضاً مشكلة الكوتا سواء للنساء، أم لبعض المكونات التي ليس من المتوقع أن تحصل على حقها في صحة التمثيل لأن ذلك يتعلق إلى حد كبير بالخلفية الثقافية للمجتمع، ونظرته الى المرأة التي هي عموما سلبية، أو لبعض المكونات.

ما أريد قوله، أن النظام الانتخابي الأفضل هو الذي يضمن صحة التمثيل لجميع مكونات المجتمع بحيث لا يشعر أي مكون بالتهميش وفي الوقت نفسه يضمن تطور حس المواطنة عند جميع الأفراد من مختلف المكونات بحيث يخرج الفرد من عزلته وينحو به إلى الإحساس انه مواطن في دولة تساوي بين أفرادها ولا تميز بين مواطنيها بسبب خلفياتهم الاجتماعية أو الثقافية أو الجغرافية، من الضروري بمكان أن يكون النظام الانتخابي الجديد مقنعاً للأكثرية الساحقة من مختلف المكونات عبر توافق وطني بين الجميع وليس من خلال عملية انتخابية قد تنتج إقصاء أو تهميشاً لمكونات صغيرة، وهنا يمكن دراسة ومناقشة أن يكون التمثيل البرلماني عبر غرفتين وليس واحدة، بمعنى آخر مجلس للنواب وآخر للشيوخ كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى كثيرة”.

اما بالنسبة الى انتخاب رئيس الجمهورية فيقول نشار ان انتخابه من قبل الشعب مباشرة يعني انه سوف يكون ذو صلاحيات متوازنة مع صلاحيات رئيس الوزراء، وأن السلطة الحقيقية سوف تكون موزعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وسوف يتحملون المسؤولية بشكل مشترك, وأعتقد ان هذا هو الأفضل، لأن انتخاب الرئيس من قبل مجلس النواب يخضعه لتسويات وبازارات سياسية بين الأحزاب تجعل منه رئيساً ضعيفاً لا يستطيع ان يقوم بالمهام الوطنية وخاصة خلال الأزمات السياسية الداخلية والاختلافات بين القوى والأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، ومع ذلك أعتقد أنه من الأهمية بمكان، ومنذ الآن، نشر ثقافة سياسية تعنى بتوسيع النقاش حول هذه المواضيع سواء منها الدستورية أو الانتخابية، فتحاً لباب تكوّن الاراء حول هذه القضايا لأن المجتمع السوري يشكو من حالة تصحر وفقر شديد في مجال الثقافة السياسية لعدم وجود مجتمع سياسي في سورية منذ أكثر من أربعين عاماً نتيجة ثقافة الخوف والصمت التي فرضها نظام الأسد من خلال القمع لأي رأي مختلف في المجتمع السوري، وحقاً كانت سورية مملكة الصمت خلال حكم عائلة الأسد لسوريا، الثورة سوف تصنع تاريخاً جديداً لسورية والسوريات والسوريين”.

من خلال ما سبق يؤكد نشار النظر الى الأقليات “كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع الآخرين ومن دون أي تمييز، صحيح أن الإسلام هو دين الأكثرية في سورية وهو المكون الثقافي الأبرز في حياة الشعب السوري وتشكلت الحضارة العربية في إطار أفكاره وقيمه، ولكن كل هذا بالتفاعل مع الثقافات الوطنية الأخرى المتواجدة في سورية قبل وصول الإسلام إليها، تم ذلك من خلال الاعتدال والتسامح واحترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتها أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، وكما كان الإسلام منفتحاً على الثقافات في المحيط كالفارسية واليونانية، سيبقى منفتحاً على الثقافات الجديدة والمعاصرة والتي تسود العالم حاليًا.

سوريا تعتز وتفخر أن أحد أهم رجالاتها في تاريخها الحديث هو فارس الخوري الذي ينتمي الى الطائفة المسيحية الكريمة، وكان وزيراً للأوقاف الإسلامية في إحدى المراحل واصبح رئيساً للوزراء ورئيساً لمجلس النواب وكان ينتخب من الأكثرية المسلمة في تلك المرحلة. هذه هي سوريا التي نطمح إليها بعد انتصار الثورة، دولة المواطنين لا دولة الرعايا كما هي دولة الأسد، سوريا الجديدة حتى تستحق اسمها وحريتها وجب أن تكون متنوعة ومتعددة الثقافات والأديان والمذاهب، كل ذلك على قاعدة المساواة بين الجميع. الكفاءة والمؤهلات والقدرات هي المعايير المعاصرة لبناء أمة حديثة تستحق دولة وليس الانتماءات الطائفية أو المذهبية، لذلك نرى أن مصطلح الأقليات ليس جاذبا للأكثرية من السوريين على الرغم من واقعيته أحيانا.

[بناء أمة ـ دولة

الالتزام بسلامة المتحد الوطني السوري الراهن وأمنه ووحدته، من قبل جميع مكونات المجتمع السوري وقواه السياسية هو أساس المحافظة على وحدة السوريين ضمن أمة/دولة، وهو مطلب حيوي ووطني إذا اردنا المحافظة على سوريا وطنا وشعبا.

إن سوريا تنتمي بالتأكيد الى المنظومة العربية، وتريد أوسع العلاقات والروابط السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، على قاعدة المصالح المشتركة والمتبادلة، ونرى ضرورة تصحيح العلاقة مع لبنان التي شُوهت خلال مرحلتي الأسد الأب والابن، ويتطلب ذلك جهوداً متبادلة من قبل السوريين واللبنانيين لإعادة رسم علاقة جديدة صحية وصحيحة على أسس من الحرية والاستقلال والسيادة بين الشعبين في الدولتين.

إن سوريا الجديدة سوف تكون عامل استقرار وتوازن في المنطقة، ونعتقد أن الحوار هو أفضل الطرق لحل جميع مشاكل المنطقة لمصلحة جميع شعوبها، وستبقى استعادة الجولان هدفا لجميع السوريين الى أن يتم ذلك، هذا على خلاف الدور الذي لعبه نظام الأسد في المنطقة والذي ساهم في عدم استقرارها واتسم بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة. إن الصراعات التي سادت في المنطقة خلال المرحلة السابقة ومن ضمنها سورية أدت إلى تراجع وتدهور أوضاع المواطن السوري إلى مستويات غير مقبولة من الفقر والبطالة وتدني مستوى الدخل وبالتالي المعيشة، حيث اصبح المواطن السوري من أفقر شعوب الشرق الاوسط، كل ذلك يعود الى السياسات الاستبدادية وسياسة التدخل في الإقليم، إن سورية الجديدة سوف تبحث عن المشترك في المصالح مع الدول المجاورة على أساس من الاحترام المتبادل”.

وعن موقع العروبة في سوريا الجديدة يقول نشار: “إن العروبة، كما أعرفها وكما أظن أنها في الواقع، مكون ثقافي لمجموعة كبيرة من الشعوب منتشرة في أماكن كثيرة من العالم، لا أعتقد أن التاريخ يحفظ في ذاكرته أنه كانت هناك دولة عربية في حدود سياسية معروفة. إن الرابط الثقافي هو مكون مهم لكن برأيي لا يكفي لبناء جسم سياسي أو وطن بمعنى دولة، أعتقد أنه آن أوان الابتعاد عن التعريفات والتصنيفات الأيديولوجية لجعل العروبة شعارا قوميا وإلباسها ثوبا سياسيا، واقع الحال لأغلب المجتمعات العربية وشعوب المنطقة يقول إنها تريد التنمية والازدهار والتقدم والتعايش مع الآخر، وأنها تريد الأخذ بمفاهيم التقدم والإصلاح، وهذا تبين انه لن يتحقق إلا من خلال نظام ديموقراطي يؤمن الحرية ويزيد من المعرفة ويعطي للمرأة حقها في المشاركة والإبداع.

إن التحولات التي جرت في الربع الأخير من القرن الماضي، والتي أسقطت اغلب الأنظمة الاستبدادية في العالم، أثبتت ان المجتمعات والشعوب لا يمكن ان تتقدم وتغادر تأخرها الا إذا أخذت بالحرية معيارا أساسيا للتقدم والرفاه. إن الحريات العامة سواء الشخصية أو المدنية أو السياسية أو الإعلامية هي مدماك تقدم الشعوب، وعلى السوريين ان يحسموا أمرهم في ذلك على الرغم من جميع المعوقات، التي سوف تظهر من هنا وهناك، نتيجة التشظي التي أصاب المجتمع السوري بعد هذه الثورة، هذا هو التحدي الكبير الذي سوف نواجهه في المستقبل، وليس ذلك أمراً سهلاً، ولكن لا بد من البدء.

5- د. أسامة قاضي: الحرية الاقتصادية توأم الحرية السياسية

                                            أي نظام اقتصادي ستعتمده سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الاسد؟، سؤال مهمّ واساسي يجيب عنه بالتفصيل المستشار الاقتصادي الدولي الدكتور أسامة قاضي، مساعد رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية في الحكومة السورية المؤقتة ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا في الامارات العربية المتحدة، ورئيس المركز السوري للدراسات السياسية الاستراتيجية في واشنطن، وقد عمل العام 2007 مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة وساهم في الجانب الاقتصادي لتقرير مستقبل سوريا عام 2025.

قاضي الذي يُعدّ الوجه الاقتصادي الابرز للمعارضة السورية، ومنظّر الخطاب الاقتصادي للثورة وصاحب فكرة “الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة”، يفصّل في هذه الحلقة رؤيته المدرجة في خطة “التحوّل الديموقراطي” لكيفية تحويل سوريا الى اقتصاد السوق الحر وتحفيز القطاع الخاص بالتزامن مع إصلاح القطاع العام، وكيفية محاربة روح الاحتكار والفساد وإصلاح القطاع المصرفي والبنى التحتية وإعادة هيكلة القطاع العام. ويتحدث عن أفكار وخطط وورش عمل للسنوات الخمس الاولى بعد سقوط النظام وتأمين فرص عمل.

يتحدث الخبير قاضي عن النظام الاقتصادي الذي سيتمّ اللجوء إليه بعد سقوط النظام فيقول “إن بوصلة الثورة الاقتصادية واضحة منذ أن وضعنا الخطاب الاقتصادي للثورة بعد شهرين من بدء ثورة الحرية والكرامة السورية، وأكدنا عليها في البيان الاقتصادي الذي ألقيته شخصياً على مسامع 59 دولة في مؤتمر أبو ظبي لمجموعة “أصدقاء الشعب السوري” المعنية بإعادة إعمار سوريا وتنميتها في 24 أيار 2012، وفصّلنا الرؤية في خطة “التحول الديمقراطي” التي أصدرها المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية والتي أعلنّا عنها في 21 آب 2013، والذي يعتمد على اربعة أسس: أولا، دعم اقتصاد السوق الحر وتحفيز القطاع الخاص المسؤول الاول عن خلق فرص عمل للسوريين ومن في حكمهم. وثانياً تبني معايير ومؤشرات الحكم الرشيد المتعارف عليها في الامم المتحدة (الفاعلية الحكومية، سيادة القانون، مؤشر مشاهدة الفساد…). وثالثاً إصلاح القطاع العام بما يضمن كفاءة الانتاج، والبحث عن سبل لتشجيع الرابح منه، وايجاد حلول آمنة اجتماعياً للخاسر منه. ورابعاً العناية بالطبقات الاقل حظاً في المجتمع (صحة مجانية وبأسعار مخفضة للطبقة الفقيرة، التعليم المجاني، تعويضات بطالة). إننا نعتبر أن المهمة الاقتصادية للدولة السورية يجب أن تكون تكثير سواد الطبقة المتوسطة الدخل وضمان تجاوز عتبة الفقر لكل السوريين.

أما عن طبيعة النظام الاقتصادي فيقول قاضي إن سوريا “لا تستطيع الوصول إلى الحرية السياسية الحقيقية بشكل منفصل عن الحرية الاقتصادية، على عكس النظام السوري البائد الذي دأب وفريقه الاقتصادي على فصل الليبرالية الاقتصادية عن الليبرالية السياسية ومعايير الحكم الرشيد المعتمدة من قبل البرنامج الانمائي للامم المتحدة، الامر الذي جعل سوريا قبل الثورة السورية – تتبوّأ مقعدها بين أسوأ الدول المتهالكة اقتصاديا وأكثر من نصف السوريين تحت خط الفقر وواحدة من أفشل خمسين دولة.

[الاقتصاد السوري أولاً

إن النظام الاقتصادي السوري يعمل لتأمين قطاع خاص منظّم ويعمل لتأسيس اقتصاد سوق حر يسعى الى الاندماج العالمي بشكل تدريجي من خلال شراكات اقتصادية تحقق مكاسب للنهوض الصناعي والزراعي والتجاري، وتتحاشى الانفتاح غير المحسوب على الاسواق العالمية، وتحاشي أي انفتاح عالمي دون تأمين شروط النجاح للاقتصاد السوري تحت شعار “الاقتصاد السوري أولا” داخل مثلث الاهداف الثلاثة التي رفعناها في مجموعة عمل اقتصاد سوريا: حرية الانسان و تنمية الاقتصاد والحكم الرشيد.

النظام الاقتصادي السوري يكفل ايجاد آليات لتشجيع القطاع المشترك، مبنية على الثقة والشفافية ضمن فضاء الصحافة الحرة، ويعمل لخلق مناخ استثماري آمن وعادل، والعمل لان تتبوأ سوريا مكانها في المئة الاولى من الدول في العالم في السنوات الخمس الاولى بعد الثورة (تقرير أين تضع استثماراتك 2011 البنك الدولي- ترتيب سوريا الحالي قبل الثورة هي الدولة 144 من أصل 183)، كما يكفل التسهيل الحقيقي لاقامة استثمارات في سوريا (ترتيب سوريا 134/183) سواء استثمارات من قبل السوريين أو الاشقاء العرب، أو الاصدقاء.

تقوم الحكومة السورية في الشق الاقتصادي بمحاربة روح الاحتكار والفساد، وعرض فرص الاستثمار المتاحة بشفافية، وإصلاح القطاع العام، والعناية بالعمال في القطاعين الخاص والعام والمشترك من خلال رفع السوية المعاشية للعمال، ودعم القوة الشرائية للقوة العاملة السورية.(قبل الثورة 1,7مليون عامل معاشهم الشهري أقل من 200 دولار)، ووضع برامج فاعلة وعملية بالتعاون مع مؤسسات خاصة وعامة محلية وعربية وعالمية- لرفع كفاءة الموارد البشرية لرفع كفاءة العمال من أجل النهوض بانتاجيتهم. (أكثر من 70 في المئة من عمال القطاع الخاص الان يحملون الشهادة الابتدائية فقط)، كما يقوم على رفع كفاءة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للاقتراب من الحاجات الماسة للعامل والموظف السوري، والاستعانة بالقطاع الخاص لرفد الوزارة بأحدث التقنيات لاحصاء العاطلين من العمل والباحثين عنه، وإنشاء شبكة علاقات هائلة مع الشركات السورية، وهذا يقوم جنبا الى جنب مع إعادة هيئة مكافحة البطالة إلى الصدارة تحت اسم هيئة التشغيل والتمتع بكل الاستقلالية ضمن ميزانية تحددها دراسة علمية، وتقاد من قبل كفاءات وطنية، تقبل استشارات الخبرات العالمية، وتتواصل للحصول على المنح الدولية، لخلق فرص عمل للعاطلين من العمل”.

[القطاع المصرفي والبنى التحتية

ويضيف قاضي أن النظام الاقتصادي الحرّ “يعطي للحكومة السورية أهمية لرفع كفاءة الاسواق المالية وتعزيز الثقة بأدائها كي تعكس حجم النشاط الاقتصادي الحقيقي، وتنشيط عمل المصارف الخاصة، وتعزيز دورها الدولي، وتقوم بالاصلاح الحقيقي للنظام المصرفي، وتوسيع شبكاتها المحلية والعربية والعالمية، وتعطي اهتماما بالغا للنظام المصرفي الاسلامي، مع تأكيد على رفع كفاءة المصارف العقارية والزراعية والتجارية، كي تساهم بشكل حقيقي في سد حاجات السكن، وتشجع التجارة، وتنهض بالواقع الزراعي، وواقع الفلاحين السوريين بشكل حقيقي.

وهذا لا يتم دون رفع مستوى البنية التحتية الحالي بشق طرق جديدة وبناء الجسور والانفاق اللازمة، من أجل تسهيل انتقال البضائع واليد العاملة، ورفع مستوى الخدمات في الارياف للتخفيف من حدة هجرة الريف للمدن، والذي سبّب اختناق المدن، وخسارة استثمار الاراضي بشكل فعال ومنتج، ولا يتم من دون إصلاح النظام الضريبي بما يضمن العدالة الضريبية، ضمن إطار الشفافية الذي يطالب بالتصريح عن كل أملاك الموظفين الكبار في الدولة ابتداء برئيس الجمهورية إلى آخر موظف كبير في الادارة.

كما أنه من المهم تعزيز دور غرف التجارة والصناعة في تنشيط الاقتصاد، ومراقبة الانتخابات فيها للتأكد من التصدر للمناصب التداولية المحددة بسقف زمني يكون بحسب الكفاءات لا الولاءات، إضافة إلى تأكيد على دور الصناعة الحديثة، وتشجيع إدخالها لسوريا، ووضع السياسات الداعمة لها في مجال الانتاج والتسويق، بالتعاون مع الشركات العملاقة عالمياً، وهذا يتطلب تسهيل الائتمان المالي لقطاع الصناعة وخاصة الصناعات المصنعة، وبالاخص التي تخلق أكبر فرص عمل.

[الزراعة والسياحة والملاحة الجوية

ويؤكد قاضي أن النظام الاقتصادي الجديد يعطي أهمية للقطاع الزراعي “لذا نرى أن علينا دعم القطاع الزراعي، ورفع كفاءة سياسات الري، لرفدها بأحدث الاجهزة العالمية، والاستعانة بالخبرات العالمية للنهوض بالقطاع الزراعي، ومعالجة حالات الجفاف بشكل مسؤول، وتفعيل دور المصارف الزراعية والنهوض بكفاءة الارشاديات الزراعية. (الحكومة الحالية عالجت مغادرة 1,3 مليون شخص هجروا المناطق الشرقية بقمة اللامسؤولية ومن دون أي خطة لمعالجة الكارثة، وستجهز الثورة خطة اقتصادية لاعادة أبناء المنطقة الشرقية وخلق فرص عمل لهم مكرمين في بيوتهم)، كما يجب إصدار حزمة من القوانين الداعمة لاقتصاد المعرفة ورفدها بما تتطلبه من تقنيات حديثة، وكذلك تشجيع صناعة السياحة وتسهيل دورها التنموي، وتأمين المرافق والخدمات العامة اللازمة، وتأمين ائتمان ميسّر لضمان خطة تسويقية سياحية عالمية.

بعد تهميش قطاع الملاحة الجوية خلال خمسة عقود، فالنظام الاقتصادي عليه رفع كفاءة الطيران السوري، ورفده بأحدث الطائرات والتعاقد مع كبرى الشركات العالمية للبدء بتسويق الطيران السوري ليكون بمصاف أفضل الخطوط الجوية العالمية، عن طريق تشجيع القطاع الخاص للدخول بقوة للمنافسة على هذه السوق مما سيخلق فرص عمل كثيرة ومتنوعة، بعد تأهيل مطاراتنا التي هي دون المستوى حالياً”.

[أقرب الى الاقتصادين الكندي والألماني

ويوضح قاضي أن النظام الاقتصادي المطلوب لسوريا الجديدة “أقرب ما يكون إلى النظام الاقتصادي الكندي والالماني بمعنى أن هناك دوراً أبوياً للحكومة في العناية بالطبقات الفقيرة، مع مراعاة عدم التدخل ما أمكن في العملية الاقتصادية، وانسحاب الحكومة من الحياة الاقتصادية. إنه نظام اقتصادي ليبرالي ولكن ليس الليبرالية المتوحشة، وهو أقرب ما يكون للتطبيق غير المجتزأ لاقتصاد السوق الاجتماعي التي تبنتها الخطة الخمسية العاشرة ولكن بحزمتها الخماسية التي تشمل: احترام حقوق الانسان، سيادة القانون وتطبيقه بحزم، المشاركة الشعبية في العملية السياسية، نظام اقتصادي على طريق اقتصاد السوق الاجتماعي، تدابير حكومية ذات توجه تنموي. لقد شوه النظام كل شيء بما فيه اقتصاد السوق الاجتماعي الذي كان وراء المعجزة الاقتصادية الالمانية.

حقيقة الامر أن النظام الاقتصادي عقب انتصار الثورة يحاكي الجوانب الايجابية في التجربة السورية الاقتصادية في بعدها المُشرق مع تحاشي سلبياتها لفترة ما بعد الاستقلال إلى قبيل الوحدة 1958، من حيث تعبئة الرأسمال الوطني أولا، بهدف أن تصل الطبقة المتوسطة محركة الاقتصاد لتشمل أكثر من ثلثي الشعب السوري”.

[نظام “احتكار القلّة”

وكيف يمكن الانتقال من النظام الاشتراكي الراهن الى نظام السوق؟ يجيب قاضي:

“لم يكن النظام الاقتصادي السوري نظاما اشتراكيا بالمعنى الاقتصادي للاشتراكية الذي يرنو للعدالة والنهوض بالطبقة العاملة، والبعد عن الفساد، كذلك لم يكن نظاماً ليبراليا بالمعنى الليبرالي الذي لا يفصل الحرية الاقتصادية عن الحرية السياسية، بل كان نظاما اقتصاديا متخلفا أشبه بنظام الالوغابولي أو “احتكار القلة” وتلك القلة هي مجموعة من الشركات القابضة التي تمتهن الفساد والافساد وتعيّن مسؤولين لخدمة مصالحها فقط، حتى لو خالفت كل معايير الحكم الرشيد، ضمن إطار تحالف سياسي- أمني- اقتصادي- عسكري يطبّق على جسد سوريا الاقتصادي، وبالمناسبة فالقطاع الخاص وظّف ثلثي العمالة السورية، لذا فسوريا حقيقة لا تنتقل من اقتصاد اشتراكي الى اقتصاد السوق، بل إن اقتصاد سوريا بعد الثورة يحاكي طبيعة الانسان السوري التاجر والمصنّع والمهني والمحترف، إن الانسان السوري دفع أثمانا باهظة ثمنا لحريته فهو حر في السياسة وكذلك حرٌّ في اقتصاده، ولا يناسبه سوى الحرية، لانه ابن عبقرية طريق الحرير، وعراقة صناعة النسيج والاصبغة.

إن عملية التحول في النظام الاقتصادي ينبغي أن تكون تدريجية أخذا في الاعتبار الاثار الكارثية الاقتصادية للازمة السورية، ولكن وبسبب ضعف هيكلية الدولة ومؤسساتها فإنها فرصة نادرة للبدء ببناء نظام اقتصادي حر على أسس سليمة ومنهجية تحقق للمواطن السوري أفضل مستوى معاشي ممكن، وتحقق تنمية حقيقية للاقتصاد السوري.

[القطاع العام

وعن التصوّر لاعادة هيكلة القطاع العام يشرح قاضي:

“رغم أن القطاع العام وظّف نحو ثلث العمالة السورية، ولكن النظام أساء إدارته بتوظيف مبالغ فيه مما اضطر الادارة الى تجاهل مسألة الكفاءة الانتاجية، والتغاضي عن الخسارات الفادحة، بحيث تحول القطاع العام شبه جمعية خيرية وباباً من أبواب الفساد، خاصة أن معظم الادارات غير كفؤة حيث روعيت المحسوبيات والولاءات الحزبية في التعيين، مما جعل إصلاح القطاع العام واجباً فوريا على كل الادارات اللاحقة، خاصة مع الارقام الخيالية التي أنفقت ولاتزال عليه، والذي كلف الميزانية السورية مليارات الليرات وكان في معظمه خاسراً.

إن القطاع العام الصناعي في وضع صعب جداً، ولا يقوى على المنافسة، ولا على العمل بكفاءة، بدليل أن معظم الصناعات التي دخل فيها القطاع العام بإدارة حكومية قد انخفض انتاجها بشكل كبير. لقد دخل القطاع العام الصناعي في 93 نوعا من أنواع الصناعة التحويلية- بحسب المجموعة الاحصائية السورية 2009- انخفض انتاج 54 صناعة منها ما بين عامي 2004 و2008، مما يدلّ على حالة انتاجيتها المتدهورة، وإداراتها التي تراوح بين السيئة والفاسدة، إضافة إلى ضعف إمكاناتها التنافسية، وخسارتها للسوق المحلية فضلا عن العالمية لصالح القطاع الخاص، فلقد انخفض على سبيل المثال انتاج القطاع العام في مجال الكونسروة أكثر من النصف من 8841 طناً سنوياً إلى 3509 أطنان ما بين العامين نفسيهما، فمثلا في مجال الاجهزة التلفزيونية حدثت كارثة انتاجية ما بين العامين نفسيهما حيث انخفض الانتاج من 111 ألف قطعة إلى 19 ألفا عام 2008! والمحركات الكهربائية في وضع أسوأ فلقد انخفض انتاجها بشكل ساحق من 30 ألف محرك عام 2004 إلى 418 محركاً فقط عام 2008! وكذلك حال انتاج الاطارات والدهانات، والجلود، والكابلات، والجلود، والمحولات، والخشب وغيرها”.

[فرص العمل

وعن التكلفة المتوقعة لنهوض سوريا اقتصاديا من جديد وكم من الوقت ستستغرق العملية يجيب قاضي:

“تقوم مجموعة عمل اقتصاد سوريا كمؤسسة استشارية اقتصادية مستقلة غير ربحية على رسم ملامح الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة والتي شارفت الانتهاء، ولان الخارطة مشروع وطني بتمويل سوري خاص، فقد تم التعاقد مع عدد من الخبراء السوريين داخل سوريا ومن الذين يتمتعون بالخبرة في مؤسسات الدولة في أكثر من عشرة قطاعات حيوية للعمل على ايجاد دليل عمل للحكومة القادمة، حيث تتم كتابة رؤية إسعافية تخص الاشهر الستة الاولى، ورؤية لسنتين ثم رؤية مستقبلية لخمس سنوات. وكذلك لوضع المواطن السوري في صورة الطاقات الكامنة لاقتصاد بلده تنفع لمعايرة أداء الحكومات القادمة حيث يصبح أداة رقابية على كفاءة الحكومات.

وقد تم نقاش ست أوراق- سياسات عملية لستة قطاعات مع خبراء سوريين ودوليين وبحضور ممثلين (مهنيين حصرا حسب الحاجة كمهندسين زراعيين ومحامين وغيرهم) عن المجالس المحلية من كل المحافظات في غازي عنتاب في 18 شباط في قطاعات الزراعة والمياه والتشريعات الاقتصادية والمالية والاسكان والسياسة النقدية والمالية والعمالة والتعليم.

وقد نشرت المجموعة سبعة تقارير وستنشر ستة تقارير تباعا إن شاء الله – وهي موجودة تحت عنوان الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة على الصفحة الالكترونية www.syrianeconomic.org، وتقوم على استكمال أوراق بقية القطاعات الاقتصادية خلال الشهرين القادمين حيث سنعقد سبع ورشات عمل في سبعة قطاعات اقتصادية أخرى، فسوريا بحاجة الى رؤية تفصيلية بعد سقوط النظام ومن ثم رؤية تنموية تشاركية مع العالم تنهض بسوريا وتضعها في مصاف الدول الصاعدة.

لدى مجموعة عمل اقتصاد سوريا ثلاثة مشاريع جاهزة من أجل خلق مليون فرصة عمل لسوريا في السنوات الخمس الاولى وبأموال سورية حتى نستطيع الخروج بسوريا إلى الحالة المدنية، فالشاب الذي حمل السلاح ليحمي أهله وعرضه علينا أن نكافئه بأن نخلق له فرصة عمل تليق به وبأهله، ومن حقه أن يكون له ولأولاده مستقبل مريح له.

إن دور رجال الاعمال السوريين حيوي في المرحلة الانتقالية، في إعمار سوريا، حيث سيكون القطاع الخاص قاطرة التنمية الاقتصادية، من دون إغفال دور القطاع العام الذي ينبغي أن يخضع لاصلاحات إدارية لرفع كفاءته، فكما أن القطاع الخاص يقوم بتوظيف ثلثي العمالة السورية لان هنالك 1,3 مليون موظف في القطاع العام، يجب أخذهم في الاعتبار، وأي إعمار وإصلاح اقتصادي قادم يجب أن يكون مدروساً بعناية بحيث يتحاشى أي كارثة اجتماعية، وأنا متأكد أنه بوجود حكومة وطنية مهنية احترافية يمكن أن يتحقق الاستقرار الاقتصادي خلال خمس سنوات، وتتحقق المعجزة الاقتصادية السورية خلال عشر سنوات على الاكثر”.

“اقتصاد نيرون”: البطالة بلغت 70 في المئة

المشهد الاقتصادي السوري الراهن مرعب بامتياز. لم يعد هناك إدارة مركزية تحكم الاقتصاد السوري. فقدت “الحكومة” معناها وهيبتها في سوريا فلا هي تسيطر أو تدير معظم المعابر السورية، وبالتالي فقدت إمكانية إدارتها للتجارة، ولا هي تسيطرعلى معظم الثروة النفطية، ولا الثروة الزراعية والحيوانية، فمحافظات “السلة الغذائية” السورية خرجت معظمها من سيطرة النظام، يضاف الى هذا أكثر من سنتين ونصف السنة من التدمير المنهجي للمحافظات السورية، جواً وبراً وبحراً، وتنفير المستثمرين والصناعيين، وتقطيع أوصال الطرق بين المحافظات، وتنفير اليد العاملة التي بات معظمها إما نازحاً أو مهاجراً مع أهله هربا من انعدام الامن، أو منخرطاً في صفوف الثورة العسكرية أو هارباً من السلطة الامنية، أو قابعاً في سجون النظام، أو جريحاً في أحد المشافي الميدانية أو خارج حدود سوريا. هذا المشهد الاقتصادي الكلي السريع نتج عنه ارتفاع معدل بطالة فاق السبعين في المئة، وانخفاض قيمة العملة السورية لاقل من 20 في المئة من قيمتها، وإغلاق محال الصرافة بعد سجن أصحابها وملاحقتهم. كما تمخض عن هذا الوضع البالغ السوء ارتفاع مستوى التضخم في المتوسط 200 في المئة، حيث وصل ارتفاع بعض أسعار السلع الغذائية لاكثر من 500 في المئة.

في ظل وضع مأسوي كهذا لم يعد هناك معنى للحديث عن الاقتصاد كمفهوم مركزي وطني.

فتقديرات خسائر قطاع الاسكان فقط كمبانٍ من دون حساب مقتنيات العائلات تصل لاكثر من 42 مليار دولار، ولكن الخسائر تزيد وتتغير كل يوم، فالتدمير لم يتوقف يوماً واحداً، وخسارة ناتج الدخل القومي، وخسائر الفوضى الامنية وسرقة المعامل وتدميرها، والخسارة الناجمة عن الفوضى الاقتصادية تفوق المئة مليار دولار.

لم يشهد التاريخ أن سلّط حاكم على رؤوس كل أهل البلد وليس فئة إثنية أو عرقية معينة براميل ديناميت وصواريخ سكود وأسلحة كيميائية وراجمات صواريخ ومدافع دبابات على أهل البلد، لذا يمكن تسمية هذا النوع من الاقتصاد “اقتصاديات نيرون” وهو المثال الوحيد الذي حدث العام 64 قبل الميلاد أي منذ أكثر من 2000 سنة عندما جلس المختل عقليا نيرون يتفرج على حريق سبعة أحياء في روما كي يعيد بناءها بطريقة جديدة…ومن ثم اتهم المسيحيين… على عكس وقاحة النظام السوري الذي يتغنى بإنجازات “حماة الديار” بقصفهم للمباني فوق رؤوس أهلها وللافران والمشافي وأكثر من 1400 مسجد.

في ظل “اقتصاد نيرون” انخفضت انتاجية القطاع الزراعي للربع، وتراجعت الاستفادة من الانتاج الزراعي في ظل تردد الفلاحين في بيع محصولهم الاستراتيجي للنظام الذي يقتلهم، وفي ظل تقطع أوصال المحافظات فلم تعد الطرق آمنة لا بين المحافظات، ولا ضمن المدينة الواحدة التي فيها عشرات الحواجز ما بين النظام والثوار. ورغم أنه لا أحد يستطيع أن يدّعي دقة حجم محصول القمح هذا العام مثلا لان هناك أكثر من جهة اشترت القمح ومنها بيعت للخارج، ولكن التقديرات أن المحصول انخفض مليون طن عن السنة الماضية، ولكن القادم للاسف أسوأ، بسبب عدم توفر البذار لزراعته من أجل العام القادم، ولا توفر الادوات الزراعية، ولا توفر المبيدات، وشح مادة الديزل اللازمة، وكذلك انخفاض اليد العاملة الزراعية بسبب انخراط الارياف السورية كلها في الثورة”.

6- الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر العقيد الركن الطيار قاسم سعد الدين:الجيش للشعب لا للأسرة

إن إصرار النظام السوري على الحل الأمني في معالجة مطالب الثورة، واستمراره في حربه ضد شعبه وتدمير البنى التحتية وتحطيم مقومات الدولة وأسسها، دفع السوريين الى الدفاع عن النفس وحماية الثورة الشعبية عبر الجيش الحر الذي تشكّل من انشقاقات في الجيش النظامي ومن الثوار.
وبين أداء جيش مرتهن للنظام ودمّر البلاد، وبين نواة جيش حرّ يحرر الوطن، وجدت الثورة السورية في أحد أهم أهدافها أن تفكر في إعادة بناء جيش سوري وطني حديث يحمي وحدة التراب والشعب. وعلى الرغم من انهيار فكرة الجيش الوطني في عيون السوريين بسبب تورطه الواسع في قتل المدنيين وقصفهم، إلا أن معظم السوريين يرون أن هذا الجيش الذي ارتبط اسمه منذ نشأته مع يوسف العظمة، وقدّم الملاحم والتضحيات في سبيل أخوة الدم والتراب، هو كفكرة مؤسسة وطنية أصيلة وسياج لحماية الدولة.
انطلاقاً من هذه الغاية والأهداف الكبرى للثورة السورية حدّدت “خطة التحوّل الديموقراطي في سوريا” مجموعة مبادئ لبناء الجيش الوطني بعد سقوط النظام على النحو الآتي:
الحفاظ على مؤسسة الجيش بكل مكوناتها، وإعادة بناء جيش وطني عصري لكل السوريين ومن كل السوريين، وفق معايير الكفاءة والتدريب المستمر، والولاء الوطني الأصيل، وتأمين كافة مستلزماته العصرية المختلفة.
بناء الثقة المفقودة بين الجيش الوطني المرتهن في ظل النظام الراهن والمجتمع السوري المقيّد، عبر أداء وظيفي للمؤسسة العسكرية يندرج تحت سلطة مدنيّة (وزير دفاع مدني)، وإبعاد الجيش عن ساحة السياسة والتعبئة الإيديولوجية والانتماءات التقليدية، ليكون مؤسسة وطنية مستقلة وحيادية ومهنية.
الدفاع عن سيادة سوريا كدولة مستقلة، وعن وحدة أراضيها وفق حدودها السياسية، والعمل على إنجاز حقها في تحرير أراضيها المحتلة. والسهر الدائم على حماية الدستور والقانون والنظام العام.
إن هذه الغايات الكبرى للجيش السوري الوطني الجديد، ستكون بمثابة البوصلة التي ستعيد الجيش السوري نحو مساره الوطني الضامن لحماية وحدة التراب والشعب، والحامي لحدود الدولة السورية، وستحوّله من أداة مراقبة وتسلط وقتل وتدمير، إلى مؤسسة وطنية لها رمزيتها ومكانتها ومهماتها وإنجازاتها في ذاكرة المواطن السوري وضميره.

[خطوات إصلاح الجيش
تُشكل الخطوات الإجرائية التالية الإطار العام لإصلاح الجيش وإعادة بنائه وفق معايير الاحتراف والوطنية والمؤسساتية:
تشكيل وحدات عسكرية للتدخل السريع، من بعض ضباط الجيش الحر، والضباط المتقاعدين الوطنيين، ومن تبقّى في السلك العسكري من الضباط الشرفاء، مهمتها الحفاظ على المواقع العسكرية التي تحتوي على أسلحة ثقيلة أو أسلحة غير تقليدية عبر إجراءات محكمة وموثقة، فور إسقاط النظام.
تشكيل لجنة عسكرية عليا لإصلاح الجيش السوري وإعادة بنائه، تضم خبراء عسكريين إلى خبراء من مختلف الاختصاصات، إضافة إلى خبراء في علم الاجتماع العسكري, لتحديد احتياجات الجيش وتقويم الواقع والمطلوب.
طمأنة ضباط الجيش وعناصره من أن إصلاحات الجيش وإعادة بنائه، هي خطوة في سبيل تحسين أوضاعهم المهنية والمعيشية، وإعادة الاعتبار لمكانتهم الرمزية.
تطهير القطع العسكرية وتشيكلاتها المختلفة من الضباط الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوري والثورة السورية، وتقديمهم للمحاكمة، وتتبّع الهاربين منهم.
بعد سقوط النظام وتثبيت الأمن، تتشكل لجنة عسكرية ثورية مشتركة تعمل تحت إمرة وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية، لجمع السلاح من القوى الثورية وعناصر الجيش المنشقة وسحبه إلى الثكنات العسكرية ومستودعاتها، والعمل على تسجيله بحسب نوعه ومواصفاته ومصدره, وفق آلية مرنة وشفافة وموثقة، مع الأخذ في الاعتبار أن القوى العسكرية المختلفة للجيش الحر ستكون نواة الجيش المستقل في حفظ السلام والأمن في كل المدن والقرى السورية.
وضع آليات رقابة فعالة لمراقبة المؤسسة العسكرية وعناصرها، ورصد لسلوكيات وممارسات الضباط المسؤولين العسكريين، وتمكين قطاع الرقابة العسكرية من مراقبة ضباط الجيش وأدائهم المهني.
تقويم الوضع الراهن للتشكيلات العسكرية، ومقوماتها وعتادها، والعمل على التخلي عن استيراد الأسلحة الروسية، وتجديدها بأسلحة متطورة، عبر الاستيراد والتصنيع المحلي الذي يجب أن يولى الاهتمام الكافي في الفترة القادمة.
إجراء مراجعة شاملة لنظم ومناهج تدريب الكليات العسكرية، وتغيير مواد الدراسة بحيث تعكس مفاهيم الوطن والمواطنة والوطنية، وحماية الحدود والتراب ووحدة الشعب السوري، وفك الارتباط بين الجيش والعقائدية الحزبية والإيديولوجية.
تغيير معايير الترقية في وزارة الدفاع، بحيث تستند إلى مركب القدم والكفاءة والتدريب والمؤهلات. وتحرير الوزارة من ثقافة الفساد وذوي القربى والمصالح الشخصية، في الترقية والمراقبة والإدارة.
تحديث قيادات وزارة الدفاع وقيادات التشكيلات العسكرية، بالتدريب المستمر، وتحديث البنية التحتية للمؤسسات العسكرية وتزويدها بالمعدات والتجهيزات الحديثة، وبالأسلحة المتطورة، والعلوم العسكرية الحديثة.
احترام الجندي السوري، واعتبار الإنسان هو الأساس في التشكيلات والمواقع العسكرية، فلا قيمة للسلاح في الدفاع والتحرير، ما لم يكن العسكري حراً ومؤمناً بوطنه والقيم الوطنية التي من أجلها يضحي بدمه.
إخضاع الجيش والقوات المسلحة لإدارة مدنية تتماشى مع معايير عملية التحول الديموقراطي في البلاد، وتشكيل مجلس أعلى للجيش والقوات المسلحة برئاسة رئيس الدولة أو رئيس مجلس الوزراء أو قائد الجيش، كما يحدده شكل الدولة، مهمته رسم استراتيجية الحرب والسلام بالتنسيق مع القيادة السياسية للدولة.
دمج الثوار المدنيين في الجيش أو الأمن أو المؤسسات المدنية بحسب الممكن، وتدريبهم على مفاهيم المواطَنة وقبول الآخر، والعمل على ترخيص السلاح الخفيف لمن يرغب.
حجم الجيش وتركيبته وتوزعه على التشكيلات العسكرية والجغرافية السورية، مسألة تحددها وزارة الدفاع والمجلس الأعلى للجيش استناداً الى دراسة مختصة تُرفع الى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء، أما الخدمة الإلزامية فيجب أن يتم اتخاذ قرار بشأنها من قبل البرلمان المنتخب، على أن يتم تعليق هذه الخدمة إلى حين اتخاذ هذا القرار وهذا يعتمد أيضاً بشكل رئيسي على نجاح سياسة نزع السلاح وإعادة الدمج.

[التسريح وإعادة الدمج
تهدف سياسة إعادة الدمج إلى خلق بيئة سليمة وآمنة بعد انتهاء النزاع المسلح في سوريا والذي دفع الكثير من المدنيين السوريين إلى حمل السلاح، كما أن النظام قام بتسليح الكثيرين أيضاً من ميليشياته الموالية من ميليشياته من الشبيحة أو ما يسمى اللجان الشعبية أو جيش الدفاع الوطني والتي جميعها ميليشيات طائفية سلحها النظام بهدف القضاء على الثورة الشعبية، وبالتكامل مع برنامجي “نزع السلاح” الذي يستهدف إعادة الكثير من المسلحين إلى الحياة المدنية الطبيعية و”التسريح العسكري” الذي يهدف إلى تطهير المؤسسة العسكرية أو الجيش من الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان بحق الشعب السوري.
إن برنامج إعادة الدمج يعتبر الخطوة الأخيرة في عملية نقل المقاتلين السابقين إلى بيئة ما بعد النزاع. وبشكل عام يتم تنظيم برامج نزع السلاح، والتسريح العسكري، وإعادة الدمج (DDR) لتكون على نحو متتالٍ، ويفضل دائماً أن يتم التخطيط لمرحلة إعادة الدمج قبل البدء بتنفيذ أي من العمليات السابقة، إذ تكمل هذه العمليات بعضها بعضاً.
تساعد برامج إعادة الدمج في تسهيل انتقال المجتمع السوري من النزاع إلى الحالة الطبيعية والتنموية. ويتمثل الهدف الأسمى لسياسة إعادة الدمج في دعم المقاتلين السابقين في سعيهم نحو الاندماج مع المجتمع المدني اجتماعياً واقتصادياً. ويجب خلال عملية التخطيط للبرنامج تعريف مؤشرات اضافية، منها النتائج المتوقعة. أيضاً من المهم التفكير وتحديد مصادر التمويل المحتملة بالاضافة الى حالة الأفراد المفترض استفادتهم من البرنامج.

سعد الدين
هذه المبادئ يشرحها الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر العقيد الركن الطيّار قاسم سعد الدين لـ”المستقبل”: “نحن نتطلّع الى نظام جديد بعيد عن القمع الذي ساد على مدى أربعة عقود. نظام يحمي الشعب وليس النظام في ظل دولة ديموقراطية تراعي حرية كل المواطنين من كل الطوائف والأعراف. دولة مدنية تعددية”. ويضيف: “لا نريد في الجيش العتيد من تلطّخت يداه بدماء الشعب السوري فهؤلاء سيكون مصيرهم القضاء والمحاكم العادلة ولا مانع لدينا من رعاية عربية لهذا الأمر. وفي المقابل لا بد من إعادة هيكلة الجيش ودمج الجيش الحر في المؤسسة العسكرية الجديدة.
أما الأهم فيبقى أن يكون ولاء هذا الجيش للشعب وليس لنظام أو أسرة، ولاء الجيش اليوم هو لأسرة وهذا أمر غير مقبول، ولن نقبل بعد اليوم بجيش يتدخل على أساس طائفي أو مذهبي. نريد جيشاً للحدود لا للداخل، فالداخل مهمة الشرطة”.
أما عقيدة الجيش الجديد فيقول عنها سعد الدين: “عقيدة الجيش لا بد أن تكون حماية الوطن واسترداد الحقوق الوطنية وتحرير الأرض عبر منظمات الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية”. ويضيف: “أما بالنسبة الى الداخل ففي كل دول العالم الجيش أو الأجهزة الأمنية تراقب المواطنين لحماية الوطن لكن شرط عدم التعدّي على حرية الناس، أو اعتقالهم من دون إذن قضائي أو مذكرات قضائية”.

7- ممثل هيئة الأركان في الائتلاف الوطني المعارض وقائد تجمّع “أحفاد الرسول” في الشمال مهنّد عيسى: دولة آمنة لا دولة أمنية

ان ورشة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في سوريا وإصلاحها بعد سقوط النظام ستكون مهمة شاقة، وستواجه تحديات كبيرة بسبب تعدد هذه الأجهزة من جهة، ودورها السافر في مواجهة الثورة السورية من جهة ثانية، ولما لهذه الورشة من تداعيات اجتماعية واقتصادية محتّمة. ذلك أن مقاربة هذا الملف إنما تعني ملامسة بنية واسعة في المجتمع السوري تطال 65 ألف شخص بين ضابط وعنصر يشكّلون عديد الأجهزة القائمة حالياً في سوريا، إضافة الى أن هذه البنية تعود جذورها الى عقود من الزمن، وتحديداً الى مرحلة تولّي عبد الحميد السراج قيادة الأجهزة الأمنية ومن ثم وزارة الداخلية في الاقليم السوري إثر الوحدة مع مصر بين عامي 1958 و1961، حيث بدأ صعود “نجم” الأجهزة الأمنية وتدخلها في الحياة السياسية والاجتماعية وبدأت ببسط نفوذها على المجتمع.

حدّدت “خطة التحول الديموقراطي في سوريا” مجموعة من الإجراءات والخطوات لإعادة بناء القطاع الأمني فور سقوط النظام، هي:
[ التدخل السريع لقوى الأمن الداخلي والجيش الحر، بالتعاون مع اللجان المحلية غير المسلحة على مستوى القرى والأحياء في المدن فور إسقاط النظام، لحماية أمن الناس وممتلكاتهم وحماية المراكز والمؤسسات الهامة في القطاع العام، كالمصالح العقارية والبنوك والأحوال المدنية والآثار والمتاحف والسجون والمصحات العقلية.
[ حل كل الأجهزة الأمنية للنظام السابق، باستثناء قوى الأمن الداخلي (الشرطة)، بقرار وزاري من وزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية. وإغلاق المقار الأمنية بالشمع الأحمر، ووضع حراسة عليها للحفاظ على وثائقها وممتلكاتها.
[ تطهير وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها من الضباط الذين ارتكبوا جرائم تعذيب وقتل خارج نطاق القضاء، ونزع سلاحها وتتبع الهاربين منهم. ويتم ذلك من خلال لجنة وزارية، تضم قيادات شرطية وقضائية نزيهة، وممثلي منظمات حقوق الإنسان ونقابة المحامين على أن يكونوا قد خضعوا لتدريب مكثف ومناسب، وإعادة النظر في ملفات ومستندات التفتيش والتحقيق في قضايا الأمن العام.
[ القيام بتدقيق مبدئي للقيادات العليا في سلك الشرطة الأحرار أو المتقاعدين، لتحديد اهل الثقة، وتوكيلهم ادوارا قيادية أثناء عملية إعادة بناء القطاع الأمني ومأسسته.

[إصلاح القطاع الأمني
[ إنشاء لجنة تصدر عن الحكومة الانتقالية للتحضير لعملية إصلاح القطاع الأمني والإشراف عليها خلال المرحلة الانتقالية، تتألف من قوى وطنية مختصة بالأمن والقضاء والعمل النقابي وعلم النفس العسكري. وتعمل وفق الاستراتيجية التالية:
1 – إعادة هيكلة وزارة الداخلية وإدارتها من قبل وزير مدني، ونقل الأقسام والوظائف غير الأمنية فيها، كإدارة الجوازات والسجلات المدنية والدفاع المدني وتنظيم الحج.. إلخ، إلى وزارات أخرى، واستحداث إدارات جديدة فيها، كمراكز الإصلاح الاجتماعي ـ قوى التدخل السريع ـ إدارة حقوق الإنسان ـ إدارة الشرطة المجتمعية ـ شرطة مكافحة الشغب… إلخ.
2 – إجراء مراجعة شاملة لنظم ومناهج تدريب أكاديمية الشرطة، والعمل على تغيير مواد الدراسة لتعكس مفاهيم الأمن الإنساني بدل أمن النظام، ولتبرز مهمة الشرطة في خدمة المجتمع وليس السيطرة عليه.
3 – تغيير معايير الترقية في وزارة الداخلية، وإرساء نظام مركب الكفاءة والأداء والتدريب والمؤهلات، وتفصيل هذا النظام في قانون الشرطة الجديد.
4- تحديث قيادات وزارة الداخلية وكوادرها عبر ما يسمى دورات التدريب المستمر وفق اساليب التدريب المعتمدة عالميا، وتدريبهم على تكتيكات مكافحة الشغب وتأهيلهم على التعامل المهني لاحترام الحقوق الإنسانية الأساسية والدستورية، وتزويدهم بالمعدات والتجهيزات الضرورية من أجل حفظ النظام العام.
5 – دمج المخابرات الجوية مع المخابرات العسكرية والتي ستكون متخصصة فقط في الحفاظ على أمن الضباط والعسكريين، وتأسيس إدارات جديدة للمخابرات العسكرية وبتسمية مختلفة بالضرورة.
6 – دمج الأمن السياسي بالجهاز الأمني الجديد الذي تكون مسؤوليته الحفاظ على أمن الشعب السوري، وإلغاء كافة مهمات الأمن السياسي السابقة وتأسيس جهاز جديد للمخابرات الداخلية.
7 – تأسيس جهاز جديد للمخابرات الخارجية، وإلحاقها بالمخابرات العامة واستبدال مصطلح الأمن القومي بالأمن الوطني.
8 – دمج بعض العناصر الثورية المقاتلة الراغبة في سلك وزارة الداخلية، ممن تتوفر فيهم الشروط الواجبة لذلك، وتأهيلهم بالتدريب اللازم.
9 – فتح باب العمل في القطاع الأمني، أمام جميع السوريين بمعزل عن خلفياتهم الإثنية أو انتماءاتهم الطائفية.
10 – صياغة قانون شرطة جديد ليحل محل القانون المعمول به الحالي، يعكس جميع التوصيات المذكورة أعلاه.

[الهيكلية
إن هيكلية القطاع الأمني تعتبر الحساس الأكثر دقة لقياس شرعية النظام الجديد، ومصداقيته الوطنية والديمقراطية، واستكمالاً لذلك لا بد من:
[ وضع آليات رقابة خارجية فعالة على قطاع الأمن، كمكتب المحامي العام والبرلمان (مجلس النواب) ومجلس حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، وتمكين قطاع الرقابة الداخلية من ممارستها لسلطتها المهنية وفق معايير موضوعية، في قانون الشرطة الجديد.
[ العمل على صياغة قانون حرية المعلومات وتنظيم عمليات النشر الدورية عن طريق البرلمان، لإيجاد الرقابة العامة على المسؤولين الحكوميين وضمان أداء مهني للضباط، وإنفاق ميزانية وزارة الداخلية بالشكل السليم.
[ فصل القطاع الأمني عن السياسة، ومنعه من ممارسة السياسة والتحزب إلا ضمن شروط تضمن استقلاليته ونزاهته.
وفي النهاية فإن برامج إعادة الدمج تساعد في تسهيل انتقال المجتمع من النزاع إلى الحالة الطبيعية والتنموية. ويتمثل الهدف الأسمى لبرنامج إعادة الدمج في دعم المقاتلين السابقين في سعيهم نحو الاندماج مع المجتمع المدني اجتماعيا واقتصاديا ووظيفيا، وهذا يستدعي التفكير في مصادر التمويل المحتملة لهذا المشروع إضافة إلى دراسة وتحديد الفئات المستهدفة من المشروع، والعناصر التي قد تقف معيقة له، وتتضمن هذه الفئة الأشخاص الذين يملكون مناصب متوسطة إلى عالية ضمن الفصائل المتحاربة حيث أن توقعاتهم لنتائج البرنامج قد تكون أكبر من الممكن.
يدعو بيت الخبرة السوري إلى تشكيل لجنة لتطهير الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، غير أن هذه اللجان التي يناط بها القيام بعمل وطني خطير وحساس وهام، لا بد أن يراعى فيها عدةعوامل هامة، منها:
[ أن تكون اللجان مدنية أو ذات طابع مدني عام، وأن يخضع أعضاء هذه اللجان لتدريبات مكثفة وعالية المستوى.
وفي سياق عملية الدمج، لا بد من الانتباه إلى العديد من المقاتلين الذين يعانون مشكلات صحية تحتاج إلى علاج. وحتى يكون برنامج الدمج ناجحا يجب أن يتضمن خدمات رعاية صحية. وأن يتم التعامل مع كل المشكلات الصحية الجسدية أو العقلية بعد توقف القتال وأن تبقى هذه القضية أولوية خلال فترة إقامة البرنامج.
وقد تزيد عملية تسريح عناصر الجيش والأمن، (سواء من جيش النظام أو من الجيش الحر) من التغيرات في سوق العمل ويزداد احتمال تجدد العنف والتوتر. وقد يضر السماح ببقاء الاقتصاد على شكل اقتصاد حرب ودولة ضعيفة باستقرار مرحلة ما بعد النزاع وسيادة القانون والعملية الديمقراطية. فالمجتمع المفقر والدولة الضعيفة أو الهزيلة لن يستطيعا إرضاء متطلبات المقاتلين واستقرارهم في مجتمع يزدادون فيه فقرا، لذلك ولكي ينجح برنامج إعادة الدمج لا بد أن يعمل على تلبية حاجات المجتمع المستقبلية بشكل فوري.
[ أن يتم اختيار أعضاء اللجان وفقاً لمعايير واضحة وشفافة، ويقترح أن تضم لجنة التطهير والتدقيق في مؤسسة الأمن عضواً من هيئة العدالة الانتقالية وعضواً من المجلس القضائي الأعلى وعضواً من المجلس التشريعي القائم (المجلس التأسيسي).
[ أن تتم عمليات التطهير وفق خطة مدروسة بعناية وأن تعمل اللجنة على فرز العاملين في أجهزة الأمن لفئات متعددة، وذلك للاستفادة من أكبر قدر ممكن منهم في قطاعات مختلفة”.

[عيسى
لذلك يعتبر قادة الثورة الأمنيون والعسكريون ان إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بعد سقوط النظام تحتاج الى جهد جبار والى حل كل هذه الأجهزة بداية وتشكيل جهاز أمني جديد يراعي الحقوق المدنية للمواطنين، كما يقول ممثل هيئة الأركان في الائتلاف السوري المعارض وقائد تجمّع “أحفاد الرسول” في الشمال مهنّد عيسى، الذي يوضح لـ”المستقبل” أن وجود 65 ألف عنصر أمني مخابراتي حالياً في الأجهزة “يعدّ رقماً كبيراً بالنسبة الى شعب واحد. ويضيف أن هذا “الكم الهائل للعناصر الأمنية يمثل تحدياً ليس للنظام السوري الجديد وحسب وإنما للمجتمع الدولي عموماً الذي لم يجد حلاً في نقاشاته المفتوحة في هذا الخصوص لهذه المعضلة حتى الآن. لذلك ثمة اقتراحات متعددة نتدارسها لهذه الغاية منها إحالة جزء كبير من هؤلاء العناصر الى وزارة السياحة مثلاً أو غيرها من الوزارات أو الإدارات بعد تأهليهم”.
ويقول عيسى: “لا بد بداية من حلّ هذه الأجهزة وإنشاء جهاز جديد يحمي المواطنين بدلاً من مراقبتهم أو تقييد حركتهم. نريد دولة آمنة وليس دولة أمنية. نريد جهازاً أمنياً يحمي المواطنين السوريين من الأعداء ولا تنحصر مهمته بحماية النظام فقط، ولا يتدخل في السياسة أو في حياة الناس الخاصة”.
ويورد عيسى أمثلة وعينات من ممارسات الأجهزة الأمنية القائمة حالياً رفضاً لتكرارها في أي نظام سياسي جديد بعد سقوط الأسد، مثل مراقبة خطوط المواطنين الهاتفية وتدخل الأجهزة الأمنية في اعطاء التراخيص في أي حقل من حقول العمل بما في ذلك ترخيص محل سمانة”.
“حتى إحياء الأعراس يحتاج الى إذن أمني”، كما يضيف عيسى، “لأن تجمع أكثر من تسعة أشخاص يحتاج الى موافقة أمنية وفقاً لقانون الطوارئ المعمول به في سوريا. وبذلك يحتاج أي أب له أكثر من سبعة أو ثمانية أولاد الى إذن ليجتمع وإياهم في أي مناسبة خارج المنزل.
وإذا أراد أي مواطن طبع أي ورقة من دون موافقة جهاز أمني معيّن يتعرّض لعقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات بالاضافة الى تغريمه بمبلغ قدره ثلاثة ملايين ليرة سورية وفقاً لقانون الطبع المعمول به في قانون الطوارئ”.
على أن القانون المشار اليه يمنع أيضاً حسب عيسى “تربية الحمام الزاجل بسبب صعوبة مراقبته في حال حمل رسالة معيّنة من شخص الى آخر”.
لذلك يشدد عيسى على أن المعارضة السورية ستعمل فور سقوط النظام على بناء بنية أمنية من نوع آخر “تحمي الناس وليس النظام، وتوفر لهم حرية وعدم التدخل في تفاصيلهم اليومية. بنية تقيم دولة ديموقراطية فيها محاسبة ومساءلة، ولها موازنات شفافة تخضع للمحاسبة والتدقيق لا موازنة سرية لا أحد يعلم حجمها وكيفية إنفاقها.

الأجهزة الأمنية منذ أيام عبد الحميد السرّاج

بعد تولّي عبد الحميد السراج قيادة الأجهزة الأمنية ومن ثم وزارة الداخلية اثر الوحدة مع مصر بين العامين 1958 و1961، تضاعفت سلطة الأجهزة الأمنية بصورة نافرة مع انقلاب حزب “البعث” العام 1963، وجرى تأسيس جهاز الأمن السياسي الذي من مهامه مراقبة أحزاب المعارضة وتحركاتها، حيث تولى عبد الكريم الجندي قيادة أجهزة الأمن كونه رئيس مكتب الأمن القومي في حزب “البعث”، في ما تولى علي حيدر مسؤولية القوات الخاصة.
كان واضحاً صعود “اللجنة العسكرية” داخل جهاز حزب “البعث” التي أصبح لها في ما بعد دور حاسم في تقرير من يتولى السلطة ويتحكم بها، ولذلك نما دور المؤسسة العسكرية على نحوٍ عاق تطور المؤسسات المدنية وشلّ عملها في بعض الأحيان كما حصل مع الانقلابات العسكرية المتتالية التي حصلت منذ العام 1949 وحتى العام 1970.
إثر انقلابه العام 1970، وسّع حافظ الأسد أجهزة المخابرات، وأتى برؤسائها الى داخل مؤسسات الدولة. أسس العام 1971 تشكيلاً عسكرياً وأمنياً سمّي “سرايا الدفاع” وجعل قيادته بيد شقيقه رفعت. وحصلت هذه “السرايا” على تفويض واسع، ثم شكّلت فرعاً مخابراتياً خاصاً بها لحماية النظام من أي انقلاب عسكري قد يحدث. وفي 1976 أسس حافظ جهازاً جديداً باسم الحرس الرئاسي بقيادة عدنان مخلوف، وانحصرت صلاحياته بسلامة الرئيس الأسد وأمنه الشخصي فنما باطراد حتى صار عدد أفراده 10 آلاف عنصر يضم في بنيته تنظيماً شبه عسكري وأمني.
ولحماية وظيفة هذه الأجهزة بطريقة يُحكم السيطرة عليها، عمل الأسد على صياغة دستور جديد العام 1973 أعطى بموجبه صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، بحيث أصبح له الحق، إضافة الى كونه أميناً عاماً لحزب “البعث”، وفقاً للمادة الثامنة من الدستور، في قيادة الدولة والمجتمع، كما يجمع الى ذلك منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة (المادة 103)، إضافة الى كونه رئيس القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية.
أما الأجهزة وفروعها التي شكلت المنظومة الأمنية في عهدي حافظ وبشار الأسد فهي: إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة) وهي تتبع لمكتب الأمن القومي التابع للقيادة القطرية لحزب “البعث” اسمياً ولها تسعة فروع رئيسية أكثرها أهمية رقم (251)، شعبة الأمن السياسي وهي من أقدم الأجهزة لكنها عبارة عن جهاز اداري أكثر منه ميداني، شعبة المخابرات العسكرية وهي من أكبر فروع المخابرات حجماً وتعاظم دورها بشكل ملحوظ خلال أحداث الثمانينيات ومع بداية الثورة السورية العام 2011، ومخابرات القوى الجوية التي رأسها محمد الخولي لفترة طويلة وقد اتسعت مسؤولياتها حتى صارت لها اليد الطولى في اعتقال خصوم النظام المدنيين ولعبت دوراً مؤثراً في العمليات الخارجية السرية.
هذه الأجهزة مجتمعة لعبت دوراً كبيراً في محاولة اخماد الاحتجاجات التي اندلعت في آذار 2011 وصدّ المتظاهرين السلميين. وقامت باعتقال عشرات المعارضين السياسيين ومنعهم من السفر، كما ملأت السجون بآلاف المعتقلين من الناشطين المحتجين على سياسات النظام، كما خطفت العديد من قادة الحراك الشعبي واستخدمت الهراوات والغاز المسيل للدموع إضافة الى الرصاص الحيّ.

جورج بكاسيني

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى