مراجعات كتب

إدارة التوحش ..دليل عمل القاعدة وداعش لدولة الخلافة

 

 

رياض حسن محرم

هو كتاب ” إدارة التوحش .. أخطر مرحلة ستمر بها الأمة” وقد ظهر لأول مرة فى 2008 ويقال أنه قد تم صدوره قبل ذلك بمدة ليست قصيرة وأن القاعدة كانت تتكتم عليه بشدة وتعيد تغيير مادة كل فترة حسب الأوضاع على الأرض، وقد كتبه شخص يدعى “أبو بكر ناجى” وهو إسم حركى يذهب بعض الجهاديين الى أنه الضابط المصرى “سيف العدل” مسئول الشئون الأمنية والاستخباراتية فى القاعدة والمقيم فى إيران، ويرجع آخرين الكتاب الى “محمد خليل الحكايمة” المصرى والقيادى فى القاعدة والموجود أيضا فى ايران، وظل هذا الكتاب يتداول بسرية شديدة بين أعضاء القاعدة الى أن وقع فى ايدى أجهزة الأمن السعودية أثناء إحدى المداهمات فى 2005حيث انتشر بعدها على الصفحات الإلكترونية الجهادية، ويبدو أن المؤلف كان على اطلاع عام بتطور السياسة الامريكية وخططها لاحداث ما أسمته “كوندليزا رايس” بالفوضى الخلاّقة ( creative chaos) وحروب الجيل الرابع، كما انه على دراية أيضا بالتطور التاريخى للحركات الثورية فى العالم وخاصة فى امريكا اللاتينية، ومنذ تم الإعلان عن وجود هذا الكتاب حدث إهتماما ملحوظ به من الأجهزة الأمنية الأمريكية وقام مركز مكافحة الارهاب فى كلية “ويست بوينت” العسكرية بترجمته الى الانجليزية تحت عنوان “إدارة الوحشية” وتوزيعه على المسئولين الأمنيين والسياسيين فى الإدارة.

منذ الإعلان عن تكوين ” الجبهة العالمية الإسلامية للجهاد ضد اليهود والصليبيين” عام 1998 التى عرفت باسم “القاعدة” من اسامة بن لادن وبعض قيادات تنظيم الجهاد المصرى فى أفغانستان وعلى رأسهم أيمن الظواهرى مستندة على فكر “عبد الله عزام” حول نظرية الجهاد الاسلامى العالمى، وكان تأسيس القاعدة إنتشاءا من الجهاديين بالقوة والقدرة بعد هزيمة الإتحاد السوفييتى فى أفغانستان وانهياره لاحقا، وقد عملت القاعدة على تكوين بعض المرجعيات الفكرية التى يتم تدارسها ومناقشتها بين أعضائها وعلى رأسها كتابى “سيد امام الشريف” (المعروف بالدكتور فضل) وهما “العدة فى إعداد العمدة” و ” الجامع فى طلب العلم الشريف”، ذلك بالاضافة الى مراجع أخرى أهمها كتاب الظواهرى “فرسان تحت راية النبى” و “أبو مصعب السورى” فى كتابه ” الدعوة الى المقاومة الاسلامية العالمية” وكتب “أبو محمد المقدسى” مثل ملة ابراهيم والكواشف الخفية وغيرها، وتستمد جميع تلك المؤلفات فكرتها الرئيسية من كتابات “سيد قطب” .

من الأمور المستغربة والصادمة فى كتاب “إدارة التوحش” هو عنوانه، فقد درج الجهاديون ونظرائهم على إطلاق أسماء نمطية تراثية ذات طابع سجعى على مؤلفاتهم ولكن مؤلف الكتاب رأى أن يطلق إسما مباشرا عنيفا ويخترق الهدف المباشر للكتاب ويلاحظ على الكتاب أيضا قسوة اللغة والبرود الشديد فى الحديث عن العنف والتفجيرات وقتل المخالفين، كما يحدد الكاتب مراحل الوصول الى السيطرة المباشرة من خلال خطوات محددة تبدأ بالنكاية ثم التوحش فإدارة التوحش وصولا الى التمكين، ويرّكز الكتاب على المرحلة التى تلى التوحش وتفكيك الدولة بالحرب الداخلية الوحشية وهى مرحلة إدارة هذا التوحش وإقامة دولة الخلافة على أنقاضها، ويحدد الكتاب تكتيك تنظيم القاعدة فى توجيه ضربات استباقية للولايات المتحدة ودول الغرب وذلك لتحطيم هيبتها لدى المجاهدين الإسلاميين وإستفزازها للدخول بجيوشها الى الدول الإسلامية حيث يسهل إصطيادها ووالقضاء على الأنظمة العميلة التى تحكم وإثارة الفوضى والحروب الأهلية الوحشية والقتل على الهوية وبعدها يسهل التحكم فى تلك الدول وإدارة هذا التوحش حتى يتم إخماده والإستيلاء على تلك الأنقاض المسماة أوطان لإقامة دولة الخلافة.

يقول المؤلف (عندما يكون الأمر أعم من الفوضى والأمور كلها الى زوال، عندها يقبل العقلاء أى تنظيم من الأخيار!! أن يدير هذا التوحش قبل أن يتحول الى مزيد من التوحش)، ويضرب عددا من الأمثلة التاريخية فى تاريخ الاسلام أولها فى عصر النبوة بعد هجرة الرسول الى المدينة فقد أدارها على نظام مشابه لإدارة التوحش حيث كانت الفوضى والغارات المتبادلة بين القبائل هى الأساس فعمل الرسول على عقد المعاهدات والتحالفات لإدارة تلك الفوضى أو التوحش، وضرب أمثلة أخرى بواقع المسلمين إبّان الغزوات الصليبية وهجوم التتار والأوضاع الحالية فى أفغانستان والصومال وغيرها.

يحدد الكاتب ((action plan لتلك الخطة “التى تتبعها داعش حاليا” تبدأ بشوكة النكاية والإنهاك مرورا بإدارة التوحش ثم مرحلة شوكة التمكين وقيام الدولة وقد يضطر فى بعض الدول المنيعة الى إطالة مرحلة النكاية بها وإنهاكها للوصول الى مرحلة التمكين، ويحدد المجموعة الآولى من الدول المرشحة للبدء بها وهى نيجيريا واليمن والمغرب ومصر وباكستان وبلاد الحرمين ويقول فى الكتاب (نستطيع القول أن الأمر فيه من المرونة بحيث يتغير طبقا للتطورات فهذا الترشيح مبدئى – بالطبع- والاّ فإن لأهل كل منطقة من المناطق- ما صدقوا مع الله- ثم مع أنفسهم- النظر بدقة أكبر فى إمكانية تحركهم بصورة مركزة أم لا – هذا أولا- أمّا ثانيا فإن المقصد من الترشيح أن هذه هى أقرب الدول المرشحة الاّ أنه لابأس بل يكون من الأفضل البدء بدولتين أو ثلاث يتحركون بصورة مركّزة على أن تتحرك باقى الدول على نفس الطريق)، كما حدد أولوية إختياره للدول المرشحة لإثارة الفوضى أهمها أن تكون ذات عمق جغرافى وتضاريس تسمح بإقامة مناطق خارج السيطرة مع ضعف النظام الحاكم وضعف مركزية قواته على أطراف المناطق فى الدولة ووجود مدّ إسلامى جهادى مبشّر بها وطبيعة الناس فى تلك المناطق التى تسمح بوجود الجهاديين وإيوائهم وكذلك إنتشار السلاح بها، ويقول ( الأمر بإختصار أن مرحلة شوكة النكاية والإنهاك عن طريق مجموعات وخلايا منفصلة (الذئاب المنفردة) فى كل مناطق العالم الاسلامى الرئيسية وغير الرئيسية حتى تحدث فوضى وتوحش متوقعة فى مناطق عديدة بالدول الرئيسية المختارة) ويقول (علينا القيام بعمليات صغيرة متفرقة فى تلك البلدان “ولو بضربة عصا” ثم الانتقال لعمليات نوعية حتى يمكن إخراج بعض المناطق من أنظمة الردة).

حدد الكاتب مهمات “إدارة التوحش” عن طريق السيطرة على مناطق الفوضى وتوفير الطعام والعلاج ونفقات الحياة للسكان وتأمين المنطقة عبر إقامة تحصينات دفاعية والتدريب لتطوير القدرات القتالية للمجاهدين مع استكمال جهاز مخابراتى مصغر حتى لو اضطر الأمر لشراء قلوب المنافقين ببعض المال مع استمرار الاغارة على الأعداء لإرهابهم وغنم أموالهم وسبى نسائهم لسد حاجة المقاتلين، ويتم التركيز على التمكن من مصادر العدو الرئيسية كآبار النفط (إن الأموال التى ستدفع فى مقابل نفط المسلمين يجب الاّ تدخل بعد اليوم فى خزانة الأنظمة المثقوبة بثقب يصل الى مصارف سويسراوانما تتسلمها لجان شعبية من الافراد الذين ثبتت أمانتهم!! وتقرر انفاقها على الشعوب)، ولابد من تنوع الضربات واتساعها لإرباك صفوف العدو وتشتيت قواته وضرب الكاتب أمثلة على ذلك “فلو قام التنظيم بالاغارة على منتجع سياحى فى أندونسيا سيضطر العدو لتأمين جميع المنتجعات السياحية فى العالم ولو تم ضرب موقع بترولى فى السعودية سيلجأ الى تأمين جميع المواقع البترولية ولو تم استهداف بنك فى تركيا فسيعمل على تأمين جميع البنوك ولو تم قتل كاتبين فى بلد فسيكون حريصا على تأمين الكتّاب فى البلدان الأخرى”، وهكذا يتم الإنهاك المستمر وتشتيت قوات العدو.

تلك هى مجرد عينة لما فى ذلك الكتاب “وهو كثير” ويمكن تلخيص تلك الاستراتيجية فى العمل المستمر على تشتيت جهود العدو واستنزاف قدراته العسكرية مع التركيز على الشعب لكسب تأييده وقيامه بالدعم الايجابى وعلى الجنود لضمهم للجهاديين أو حتى تحييدهم وترغيبهم وارهابهم للفرار من الخدمة ومع تطوير الهجمات لدفع العدو الى التقوقع حول المراكز الاستراتيجية وترك الإطراف دون حماية، والتركيز على الدعاية الإعلامية لكسب الأنصار واستقطاب المتدينين من الشباب وايقاع الرعب فى صفوف العدو مع تحرى الصدق لإكتساب المصداقية والتشكيك فى اعلام العدو، وختاما فيحاول المؤلف إظهار قدراته الاستراتيجية بالقول “إن الجيوش النظامية إذا تمركزت فقدت السيطرة وإذا إنتشرت فقدت الفاعلية”.

هذا هو الخطاب الذى يعتمده تنظيم “داعش” حرفيا فى المناطق التى تبسط سيطرتها عليها فى سوريا والعراق واستمرار محاولات “التوحش” فى شبه جزيرة سيناء ومناطق أخرى فى العالم العربى محاولا تحقيق أقصى استفادة من الفوضى التى أعقبت ثورات الربيع العربى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى