صفحات سوريةغازي دحمان

إدارة مرحلة نهاية نظام الأسد/ غازي دحمان ()

 

 

يخسر نظام الاسد، بشكل يومي، مواقع جديدة ويخسر معها، بعضا مما تبقى لديه من مقاتلين ومساحات جغرافية بمواردها الإقتصادية ومزاياها الإستراتيجية، ويوما بعد آخر تتراجع قدرة النظام على الإستمرار، ويحصل ذلك بعد أن حصلت تغيرات نوعية في ديناميكة الصراع نتج عنها تحولات فاقت قدرة النظام وحلفائه على امكانية تعديلها لمصلحتهم، وبناء على ذلك فإن التقديرات تشير إلى إمكانية إنهيار النظام في صيغته الحالية في أشهر محدودة، إذا لم يحصل تدخل من نوع معين لتغيير الديناميكات الحالية.

على ضوء ما سبق بدأت تظهر توجهات لدى نظام الأسد بإعادة الإنتشار ضمن مناطق معينة تملك فيها تلك القوات مزايا استراتيجية تجعلها قادرة على الصمود، ومبدأ هذا التوجه يقوم على مبدأ ان الإنسحاب من بعض الجبهات يتيح لها إمكان اختصار خطوط الإمداد والاتصال وإنشاء خطوط مواجهة جديدة قد يكون الدفاع مما يسمح لها الدفاع عن المناطق التي تعتبر ذات فائدة أكبر وهي المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في وسط وغرب سورية وصولا إلى العاصمة دمشق، وفي الآونة الاخيرة بدأت تظهر أصوات داخل جيش النظام تطالب بما يسمى «إعادة تجميع القوات» لتدافع عن المناطق العلوية الساحلية، تحت ما يسمى « الحرس الجمهوري للساحل» ويؤكد بعض المراقبين في سورية على وجود تشجيع إيراني للسير بهذا التوجه وأن طهران أوصلت هذه الرسالة إلى دمشق عبر وزير دفاع نظام الأسد خلال زيارته الأخيرة طالبا المساعدة المالية.

وقد أسهمت إنتصارات المعارضة الأخيرة في شمال سورية وإقترابها من معاقل النظام التقليدية وخزانه البشري من الجنود في إظهار هذا التطور، ذلك أن نظام الأسد كان طوال سنوات حربه على السوريين يملك خيارا مريحا يتمثل في اللجوء إلى الساحل وتشكيل دولته الطائفية بعد أن يترك سورية مدمرة وبحالة من الفوضى والخراب، وبذلك ينجو من أعماله ويدعي أمام العالم أنه إضطر إلى هذا الخيار، غير أن إقتراب الثوار من مناطقه تلك سيدفعه الى تغيير أولوياته بشكل جذري بما يضطره إلى الإنسحاب من مناطق كثيرة لا تعتبر ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لخطته، حتى دمشق تقع ضمن هذه الرؤية في حال كانت تكاليف المحافظة عليها من شأنها التأثير على إستراتيجيته.

ويخضع الصراع في سورية لجملة من الحسابات والتعقيدات، بعضها له علاقة بالترتيبات الخاصة بالمنطقة وطبيعة النظام الإقليمي الجديد الذي سيخلف القديم المتصدع ومواقع الأطراف المختلفة فيه، وكذلك لحسابات العلاقات بين القوى الكبرى التي لا تعطي أهمية كبيرة للواقع الإنساني الصعب وتسعى بدل ذلك إلى ترتيب المشهد بما فيه عملية سقوط النظام ومستقبل سورية وطبيعة نظام الحكم والقوة التي سيكون لها السيطرة والحكم.

حتى هذه اللحظة لا يوجد ما يؤشر على الإتفاق على مجمل هذه التفاصيل والوصول إلى مقاربة موحدة تجمع هذه الدول، ولعل السبب في ذلك يعود إلى حقيقة أن هذه الأطراف ليس لديها تأثير كبير على القوة الثورية بتياراتها المختلفة، وخاصة الإسلامية منها وصاحبة الذراع الأقوى والأكثر فعالية في الميدان، ولا تثق الأطراف الدولية بهذه القوة وتعتقد أنه ليس بإمكانها تحقيق الإستقرار في بلد ينطوي على تعددية دينية وإثنية.

وهذا الوضع المربك يدفع بهذه الأطراف إلى محاولة إدارة الصراع بما يؤجل سقوط نظام الأسد قدر الإمكان إلى حين وضوح المشهد أو إمكانية إيجاد بدائل لنظام الأسد يمكنها إدارة مؤسسات الدولة والحفاظ على الأقليات وضبط الجبهة مع إسرائيل وضمان عدم إنتقال حالة عدم الإستقرار إلى لبنان، وغير أن هذه الإدارة ليست مضمونة في ظل حالة الزخم الكبيرة للثوار والإندفاعات التي يحققونها على جبهات عديدة، وفي ظل حالة انهيار قدرات قوات النظام على الصمود، وعدم قدرة حلفائه على إسعافه.

على ذلك فإن نظام بشار الاسد الأن هو في وضعية التخزين تجري المحافظة عليه كي لا يتحلل أو يفسد إلى زمن معين بحيث تكون طاولة المفاوضات أصبحت جاهزة للتفاوض على الأوضاع في سورية، لذا تسعى أميركا إلى بناء شبكة تفاوض حوله في الفترة القادمة، وتحاول كل من إيران وروسيا بناء شبكة أمان تتسع لما ما تبقى من نظام الأسد، لكن كل ذلك لن يمنع حصول مفاجآت طالما أن النظام بات يقع على خط كل الاحتمالات السيئة، لا شيء يضمن نجاح عملية المحافظة عليه والتحكم بهذه العملية لفترة طويلة ذلك أن النظام لم يفقد فقط القدرة على الصمود ولكنه فقد معها القدرة على الإستفادة من الجهود الخارجية للحفاظ على نفسه لمدة اطول. قد يحصل ذلك، بمعنى أن تستطيع القوى الخارجية إطالة عمره أكثر، لكن ذلك عدا عن كونه سيكون بالغ التكلفة فإنه سيكون محصورا ضمن بقعة جغرافية صغيرة جدا تقل كثيرا عن نسبة الخمس التي يسيطر عليها الآن من الجغرافية السورية.

() كاتب من سوريا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى