صفحات الناس

“إذبح شيرين عبد الوهاب.. تصبح أكثر وطنية”!/ أحمد ندا

 

لا دلالة على الإمعان في التفاهة في الواقع المصري، بمختلف السياقات والمجالات، يتخطى ما يحدث مع شيرين عبد الوهاب منذ 24 ساعة. جملة عابرة قالتها في حفلة عمرها، قبل أكثر من عام، وفي سياق عابر تماماً، تخرج من سباتها “فجأة” لتتحول إلى الموضوع الأكثر سخونة في المجال العام المصري.

قالت شيرين لطالبي أغنية “ماشربتش من نيلها”: “هيجيلك بلهارسيا، اشربي إيفيان أحسن”. دخلت العبارة التداول العام الكترونياً، فانقلبت الدنيا في مصر، انقلاباً لم يتوقف عند غضب عام “مزعوم”، بل تبعه عدد كبير من الإجراءات العقابية، تبتغي كلها “ذبح” شيرين.

فقد قررت نقابة المهن الموسيقية إيقافها عن الغناء وتحويلها للتحقيق، على اعتبار أن ما بدر من شيرين يعد سخرية واستهزاءً غير مبرر من مصر. وهو ما اعتبرته النقابة يسيء إليها وإلى جموع الشعب المصري الذي رفض كل ما جاء على لسان المطربة المصرية. وأكدت النقابة أن القرار يقضي بعدم منح شيرين التصاريح اللازمة للحفلات التي ستقوم بإحيائها، الى حين المثول أمام النقابة والتحقيق معها.

بعدها، خرج نقيب الموسيقيين نفسه في مداخلة هاتفية مع تامر أمين في برنامج “الحياة اليوم”، ليقول: “ما فعلته شيرين سقطة كبيرة، وحفلة شيرين كانت في الشارقة في يناير الماضي، ولكن لم يذع إلا الآن، وأنا ميفرقش معايا قيل إمتى، ولكنه صدر من فنانة كبيرة، وأساءت لمصر.. أي فنان يمثل بلده وشعبه، ولا ينبغي أن نهرج، ولازم نبقى واخدين بالنا من تصرفاتنا على المسرح.. نقابة الموسيقيين ليست مدرسة، عشان نعلم الناس، ولازم شيرين تعرف قيمة الكلمة”.

لم يكتف النقيب الحنون عند ذلك، بل استعاد تاريخها “المشين” من وجهة نظره، قائلاً: “لما شيرين أساءت لتونس، محدش اشتاكها ولو كان التوانسة قدموا شكوى والله سنوقفها، وحتى لما صفت حساباتها مع عمرو دياب، محصلش أي شكوى ضدها”.

في الظروف الهيستيرية العادية، كانت ستنتهي الضجة عند عدد من الإجراءات العقابية الفورية، ويخرج عدد من المحامين الموتورين أمثال نبيه الوحش وسمير صبري للتلويح بعدد من الدعاوى، لكن الفقرة الإعلامية القانونية تحولت إلى شيء جديّ، إذ حددت محكمة جنح عابدين 23 ديسمبر، أولى جلسات المحاكمة بتهمة بث دعايات مثيرة، وقالت الدعوى إنه في الوقت الذي تعمل فيه أجهزة الدولة على تنشيط السياحة، تهكمت المطربة بأسلوب فظّ، الأمر الذي أضحك الجمهور بصورة تعني إهانة للدولة المصرية.

ما هذا الجنون؟ وكيف يمر بهذه الفظاظة؟ ويتزامن هذا الجنون مع وصول أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا إلى وقف المفاوضات، وهو ما لم يثر حفيظة الدولتيين وغضبهم، كما في “إيفيه” عابر من مطربة يعرف الجميع أنها تتصرف بعفوية.

هذه الدولة لا تريد من “الهيبة” إلا شكلها، ولا القوة إلا في مشهديتها، حتى لو كانت كلفتها إنهاء مسيرة شخصية عامة، لمجرد خطأ -إذا سلمنا بأنه خطأ- عابر. حتى أن بعض الموالين للدولة من الأقل جنوناً مثل عمرو أديب، رأى أن ذبح شيرين مبالغ فيه وأن سمعة مصر أكبر من أن تهتز بجملة سخيفة.

كذلك ذهل وائل الإبراشي، الذي قال شيرين أخطأت بالفعل خطأ جسيماً، لكن التعامل مع القضية تم بمنطق “اذبح شيرين عبد الوهاب تصبح أكثر وطنية”، وكأن كل مشاكلنا انتهت، وكأنها ألحقت بالنيل أذى يفوق ما ألحقه به سد النهضة، والقصور والفيلات التي بنيت على النيل، وتعدت عليه، وهو ما تدل عليه المقارنة بين أحجام الانزعاج من كل تلك القضايا.

الدولة المجنونة أصدرت بياناً رسمياً للردّ على شيرين، إذ أكدت وزارة الصحة أن نسبة المصابين بمرض البلهارسيا في مصر ضعيفة جداً وتكاد لا تذكر. وقال المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية إن الوزارة نجحت تماماً في القضاء على المرض ومسبباته، ودشنت حملة للتأكيد على القضاء نهائياً عليه بحلول عام 2020، مضيفاً إن نسبة الإصابة به وفقاً لآخر إحصائية قامت بها الوزارة العام الماضي بلغت 0.2%.

ولا دلالة على خيبة هذه المذبحة المعنوية، أكثر من بيان شيرين الاعتذاري، الذي قالت فيه ما كان يجب أن يتأمله الجميع: “بيان مني أنا شيرين سيد محمد عبد الوهاب، الطفلة المصرية البسيطة التي نشأت في منطقة القلعة الشعبية وتعلمت حب هذا الوطن والإنتماء إليه من بسطاء مثلها يحبون تراب هذا الوطن من دون أي مقابل، الطفلة التي كبرت وأصبحت شخصية عامة معروفة تحاسب علي كل نفس تتنفسه وكل حركة تتحركها ولكنها ما زالت تحتفظ بطفولتها وعفويتها وهو ما يسبب لها الكثير من المشاكل”.

نعم تتصرف شيرين بعفوية لا تناسب دولة تريد أن تحافظ على معايير شكلية لوطنيتها، ولا تتحمل أن يخرج أحدهم عن النص وإن بإيفيه كان يمكن أن يمر.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى