صفحات العالم

إسرائيل وحماية الأسد

حسين شبكشي
في الحادي عشر من شهر مايو (أيار) من العام الماضي كان هناك مقال للي سميث في مجلة «ويكلي ستاندرد»، بوق جماعة المحافظين الجدد بالولايات المتحدة، بعنوان «إسرائيل لا تحمي الأسد.. بل أوباما يفعل ذلك»، وكانت وقتها الثورة السورية في شهرها الثاني، واستغربت حرص هذه الجماعة النافذة والمعروفة بانغماسها الأعمى في دعمها المطلق لإسرائيل وسياساتها. وبالتالي كان هذا المقال «المبكر» لإبعاد الشبهات عن إسرائيل ودعمها لإبقاء وإطالة عمر النظام السوري وتحويل اللوم وتحميل المسؤولية على عاتق إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يتبع الحزب الديمقراطي، وهو الحزب الذي لا يقدره ولا يحترمه أعضاء المحافظين الجدد، والعكس صحيح جدا، إذ إن الحزب الديمقراطي يعتبر أن جماعة المحافظين الجدد مجموعة متطرفة وغير متزنة في سياساتها وتوجهاتها.
وحقيقة الأمر التي تخفيها هذه المقالة أن إسرائيل هي المدافع الأول والمخفف الأعظم عن الضغوط الدولية للإطاحة «الفورية» بنظام بشار الأسد، وأطلقت عن طريق قوى الضغط المحسوبة عليها تحذيرات من التطرف الإسلامي الأصولي، وتحديدا تنظيم القاعدة الإرهابي، وأدركت إسرائيل أن أميركا هي المستفيد الأكبر من الربيع العربي وتحالفها مع جماعة الإخوان المسلمين التي حصدت نتائج الربيع العربي سياسيا وبسرعة. وبالتالي لن تتمكن من أن تكون في واجهة الدول التي «ترفض» علانية إسقاط الأسد، فكان لا بد من التنسيق مع روسيا، التي تربطها مع إسرائيل علاقات قوية جدا، عن طريق الجالية الروسية اليهودية النافذة وشديدة الفعالية والتأثير في السياسة الخارجية بروسيا وذات العلاقات المميزة مع الكرملين.
إسرائيل ضمنت أربعة عقود من الأمان المضمون على حدودها مع سوريا في عهد الأسد والابن، وهي قيمة سياسية وأمنية وعسكرية لا يمكن أن تفرط فيها أبدا، وهي أيضا غير ضامنة لمن سيأتي بعد ذلك في حكم سوريا وموقفه من إعلان الحرب أو الهدنة مع الدولة الصهيونية.
الخارجية الأميركية نفسها اليوم وبصورة غير مباشرة لديها الأصوات المتعاطفة مع نظام بشار الأسد، والتي لا تخفي ذلك، بتحذيرها من «الفوضى الأمنية في المنطقة في حال سقوط الحكم في سوريا»، وهو ما صرح به المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، الذي يدلي بدلوه بين حين وآخر، دينيس روس، وليس روس الشخصية الوحيدة التي تجاهر برأيها صراحة وعلانية في مسألة «إسقاط» نظام بشار الأسد والتحذير منه.
فهناك أيضا رأي ديفيد آرون ميلر، وهو أيضا مسؤول سابق في الخارجية الأميركية، وهو الذي صرح مؤخرا في مقال طويل ومهم ولافت في مجلة «فورين بوليسي» واسعة النفوذ، محذرا من إسقاط نظام بشار الأسد وعواقب ذلك على الأمن الإسرائيلي وعلى أمن المنطقة، ورفع رايات الإنذار الحمراء والسوداء لتحذر من تفاقم الوضع في حال الضغط المبالغ فيه على الأسد ونظامه، وهو الذي أدى إلى أن يكون هناك تحول كبير في الخطاب الإعلامي للبيت الأبيض بشأن الموضوع السوري، وتحديدا بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدم تطرقه لا هو ولا الرئيس الأميركي باراك أوباما للموضوع السوري البتة، وهو موضوع طبيعي جدا أن يتم التطرق إليه بالنسبة لإسرائيل وحليفها الأول الأميركي، فهناك نظام مجاور لها يتداعى وآيل للسقوط، والبلد فيه مليء بملامح الحرب الأهلية.
ومع ذلك نجح نتنياهو في أن «يطفئ» حماس أوباما الرسمي بخصوص موضوع سوريا، ويحول الحديث عنه إلى موضوع «إنساني» و«إغاثي» لنجدة اللاجئين في بابا عمرو! وليس موضوعا سياسيا بامتياز عن نظام يبيد شعبه بوحشية ودموية، وذلك يفسر أيضا الصمت الإسرائيلي المريب على مرور السفينتين الإيرانيتين اللتين حطتا في طرطوس وسلمت السلاح للنظام السوري دون اعتراض من إسرائيل كما فعلت مع سفينة الإغاثة التركية التي توجهت لغزة منذ فترة، وكذلك صمتت إسرائيل عن السفن الروسية المدججة بالسلاح الثقيل لدعم الأسد، إضافة طبعا إلى حديث وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لأقطاب الإدارة الأميركية يحذر من سقوط الأسد ويشدد على أهمية التخفيف عنه.
ولكن هناك شعبا وهناك حقا والوقت في صالحهما، فالدائرة الضيقة امتلأت بالتشققات، وتسرب البريد الإلكتروني الخاص بالرئيس بشار الأسد هو دلالة كبيرة على ذلك وإنذار واضح للأيام السوداء القادمة بحق النظام السوري. حتى إسرائيل ونفوذها لن تكون قادرة على حماية نظام الأسد المتهاوي.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى