حسين العوداتصفحات سورية

إسقاط النظام أم إسقاط السلطة


حسين العودات

ردد المتظاهرون في مدن تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) دون أن يتصدى أحد في الواقع لشرح معنى هذا الشعار، ومفهومه، وآلياته، ونتائجه، كما لم يحاول المتظاهرون ولا السياسيون ولا حتى الكتاب بيان فيما إذا كان هذا يعني إسقاط السلطة السياسية وحدها.

 وما الفرق بين السلطة والنظام، وهل المطلب الجماهيري يعني إسقاط النظام السياسي بالمطلق، أم إسقاط رموزه وآلياته؟ وفي الشهر الأخير جاء في البيان الختامي لمؤتمر المعارضة السورية الذي عقد علناً في ضواحي دمشق عبارة (إسقاط النظام الاستبدادي) فهل هذه العبارة تسد مسد شعار إسقاط النظام، أو إسقاط السلطة أو ما يشبهها.

 بحدود ما أعلم فإن المقصود بالسلطة السياسية هو الحكومة والسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والآلية التي تعمل بموجبها السلطة القضائية والقوانين التشريعية المعمول بها مثل قانون الطوارئ وقانون التقاضي وعلاقة السلطة الأمنية بالسلطة القضائية، وأسلوب التعامل مع المواطنين، ومدى احترام هذه السلطة لحقوقهم وحرياتهم. هذا فضلاً عن إتاحة الفرصة (للسلطة الرابعة) أي سلطة الصحافة والإعلام لمراقبة الحكومة والعاملين في الإدارة، وقيامها بمهمة نقل المعلومة والتواصل بين الناس.

 إضافة إلى إسقاط أدوات الحكومة ومن هم في مركز القرار والحاكمين وما يتبعهم من أجهزة الأمن (والقمع) والتأديب والتي قد تتغول فتسيطر على السلطة نفسها، وتصبح هي بذاتها السلطة صاحبة القرار والباع الطويل، ليس فقط في القبض على السلطة وإنما أيضاً في الاستيلاء على الثروة.

 وهكذا فإن السلطة تعني هذا كله، ويمكنها أن تكون أداة للتنسيق بين فعاليات الدولة، أو وسيلة للسيطرة على الدولة والمجتمع، ويكبح القانون عادة جماح هذه السلطة وجنوحها نحو الانحراف عن مهماتها الأصلية ولهذا لا تطبقه ولا تحترمه، بينما تتمسك الدول والمجتمعات الديمقراطية بالقانون وتؤكد دائماً على سيادته وتطبق ذلك قولاً وفعلاً، حتى أصبحت سيادة القانون هي المعيار الرئيس لديمقراطية هذه الدول وحداثتها وعدالتها.

 وتساعد القانون على أداء مهماته منظمات المجتمع المدني، وأحياناً منظمات المجتمع الأهلي بما لها من قدرة تقليدية وتاريخية، وكذلك تفعل الأحزاب السياسية والتنظيمات الاجتماعية بشكل عام، وعندما تنحرف السلطة وتقبض على شؤون الناس بدون حق وتتغول قواها الأمنية والتعسفية، ولا تحترم القانون،.

 وتسطو على الثروة والسلطة، وترفض مشاركة الناس فيهما وفي إدارة شؤون حياتهم، ولا تحترم حقوقهم كمواطنين ولا كبشر، عندها يصبح إسقاط هذه السلطة هو الحل الجدي والجذري الوحيد لتخليص المجتمع (والدولة) والناس مما هم فيه.

 أما النظام السياسي فأمره مختلف عن السلطة بالتأكيد، لأن مضمونه مختلف وماهيته كذلك، إضافة لوظيفته ودوره الإداري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فهو يتضمن الدولة وإداراتها ومؤسساتها وآليات عملها، ودورها ـ كدولة ـ في تنظيم حياة الناس ولعب دور الحاضن لهم باعتبارها لجميع الناس .

وليس لأهل السلطة، كما يتضمن مجمل الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والحقوق والواجبات والقوانين الناظمة لحياة الناس ومؤسسات الدولة (الإنتاجية منها والخدمية) وآلية عمل هذه المؤسسات وفلسفتها، وما تراكم في بناء الدولة وتقاليدها وأنظمتها وفعاليات الفئات والطبقات الاجتماعية، وربما يطال أيضاً بعض التقاليد والعادات والقيم وغيرها، وهذا يعني أن إسقاط النظام هو إسقاط لكل هذه التراكمات ولم بناه الناس منذ قيام الدولة..

 وما اتفقوا عليه كناظم لحياتهم، وحافظ لحقوقهم. إنه إسقاط لكل شيء من الشرطة المدنية إلى المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية إلى كل شيء آخر، هذا الأمر شهدناه في العراق، عندما أسقطت الجيوش الأميركية الغازية النظام، فأعادت البلاد إلى العصور الوسطى ودمرت مؤسسات الدولة (المدنية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية) وجعلتها قاعاً صفصفاً، وألغت قوانين كانت ناظمة لحياة الناس، وألغت مؤسسات كانت في خدمتهم.

 ومسحت كل ما توافق عليه العراقيون خلال تاريخهم المعاصر، وزرعت بدلاً عن ذلك مفاهيم وقيماً وعادات ومؤسسات وآليات عمل لأجهزة الدولة مشوهة، مستوردة، وطلبت من العراقيين أن يبدأوا بناء دولتهم ونظامهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جديد، مطعماً بنكهات أميركية وأوروبية غير مناسبة غالباً لحاجات المجتمع العراقي.

 وهكذا لم يكتف الغازي الأميركي بإسقاط السلطة السياسية، بل اسقط النظام العراقي برمته، سياسياً كان أم غير سياسي. بسبب وجود فرق جدي بين السلطة والنظام، نلاحظ أن الثوار التونسيين والمصريين أسقطوا السلطة السياسية في كل من بلديهم بسهولة ويسر لكنهم مازالوا يحاولون تطوير النظام أو تغييره أو تعديله، دون أن يلاقوا نجاحا ًكبيراً، ذلك لأن النظام السياسي يكاد يكون متجذراً، وقد يعود بعضه إلى عشرات بل مئات السنين أي لبدء قيام الدولة كما أشرت.

وهناك أمر آخر هام ينبغي الانتباه إليه وهو أن تغيير النظام الاقتصادي الاجتماعي الثقافي.. تغييراً كلياً، يكون عادة برنامجاً لثورة شاملة (وغالباً مسلحة) مثلاً ثورة اشتراكية ضد الرأسمالية، أما في الحال العربي فإن الثورات إنما تريد تحويل النظام إلى نظام ديمقراطي تعددي تداولي ولم تطرح في برامجها إقامة نظام اقتصادي اجتماعي جديد، كأن تتحول الأنظمة القائمة إلى أنظمة اشتراكية أو ما يشبه ذلك، فالأمر إذا لا يقتضي تغيير النظام بل تطويره، وإسقاط السلطة السياسية التي تقف عثرة بوجه هذا الهدف.

 لهذا وذاك، وحفاظاً على التراكم متعدد الجوانب الذي تحقق في الدول العربية وأنظمتها الاقتصادية الاجتماعية، ولئلا تتحول دولها ومجتمعاتها إلى أنقاض، فإن الشعار الصحيح الذي ينبغي أن يطرحه المتظاهرون (الثائرون) هو إسقاط السلطة السياسية بأشمل مفاهيمها ومعانيها وماهيتها وآليات عملها وانحرافها وجنوحها، أما النظام فإن تعديله وتطويره وإصلاحه بعد سقوط هذه السلطة ليس بالأمر الصعب، ولا يقتضي هذا الهدف إسقاطه كله، وتحمل مخاطر ليست في حسبان أحد.

البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى