صفحات سوريةمازن كم الماز

إسلاميو الربيع العربي: هل هم ‘البلاشفة الجدد’؟


مازن كم الماز

الأنظمة العربية الحاكمة، حتى ما قبل حادثة إحراق البوعزيزي لجسده الشاب، كانت دكـتاتوريات تمــــثل طبقات حاكمة تشتد عزلتها وانفصالها عن مجتمعها مع تفاقم نهبها المنفلت للجماهير في أسفل تلك المجتمعات، وكانت مضطرة بالتالي لأن تعتمد أكثر فأكثر على القمـــع المحض، الفظ، على تعميم ثقافة الخوف، وأيضا على ‘التشهير’ بكل البدائل الممكنة عنها … هنا ركز ‘إعلام’ تلك الأنظمة على الإسلاميين في محاولة خلق فزاعة سواء للشارع أو للغرب لتبرير قمعها المنفلــــت من أي منطق .. قمع تلك الأنظمة الجسدي للإسلاميين وتشــــهير إعلامهــــا بهم، الذي كان أشبه ببروغاندا مجانية لصالح الإسلاميــــين، إلى جانب جهاز هؤلاء الدعائي، أو أجهزة دعايتهم، التي كانت تزداد فاعلية وقدرة، من المساجد إلى الفضائيات والانترنيت الخ، هذا كله جعل الإسلاميين يظهرون على أنهم الجزء الأكثر ‘جذرية’ في معارضة تلك الأنظمة، وقد يكون هذا هو السبب الأهم في صعودهم الحالي إلى السلطة في عدد من دول الربيع العربي.

من قبل أيضا، كان البلاشفة قد تعرضوا للشيطنة وللملاحقة والقمع، ليس فقط من الأرستقراطية الحاكمة في روسيا القيصرية بل أيضا من خصومهم السياسيين أيضا، بمن فيهم أولئك الذين انشقوا عنهم داخل حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي .. وشيئا فشيئا، في مواجهة ذلك التشهير القائم في معظمه كالعادة على الكذب والافتراء، أصبح البلاشفة هم أيضا أساتذة في البروباغندا والتشهير، هذا يصح تماما عن لينين وتروتسكي وآخرين، لقد أصبحوا قادرين على مخاطبة الجماهير وقواعدهم بخطابات شعبوية تنصب على ‘تكفير’ أو ‘تخوين’ خصومهم، أتقن لينين وبقية قادة البلاشفة الاستخدام الماهر لكلمات ومفاهيم مثل ‘الردة’، ‘مرتدين’، ‘تحريفيين’، ‘طفوليين’ الخ .. عندما بلغ التوتر الاجتماعي ذروته في المجتمع الروسي عام 1917 تبنى البلاشفة كل شعارات الجماهير الروسية وخاصة أكثرها جذرية أو ثورية، ‘الخبز، الأرض والسلام’، ‘كل السلطة للسوفييتات’، الخ ..

إذا أضفنا هذا إلى التصور الذي تكون في وعي تلك الجماهير الروسية عن البلاشفة عبر سنين من القمع والتشهير القيصريين، كان هذا كافيا لكي تعتقد تلك الجماهير بأن البلاشفة هم الجزء الأكثر ثورية من معارضة النظام القيصري التي اكتشفت فيه عدوها الأول واللدود .. صحيح أنه كان هناك الفوضويون والاشتراكيون الثوريون اليساريون، هذا من اليسار، والقوى القومية خاصة في أطراف الإمبراطورية القيصرية من اليمين، كبدائل محتملة عن البلاشفة لكن جميع هؤلاء افتقروا إلى تصميم وعناد البلاشفة وماكينتهم الدعائية الشعبوية .. لا شك أن العمال والفلاحين الروس، أكثرهم على الأقل، الذين دعموا استيلاء البلاشفة على السلطة وقاتلوا بكل شراسة في صفوف قواتهم في الحرب الأهلية كانوا يعتقدون أن البلاشفة هم الأقدر على تحقيق مصالحهم وآمالهم، الأقدر على خلق حياة جديدة تقوم على أساس الحرية والعدالة لتلك الجماهير.

لا يوجد اليوم من يشبه البلاشفة في كل طيف القوى السياسية في بلدان الربيع العربي بهذا المعنى أكثر من الإسلاميين .. حتى أشد الستالينيين صرامة لا يتقن الآليات والتكتيكات السياسية والشعبوية لأسلافهم كما يفعل الإسلاميون اليوم ..

كما في ثورة 1917، لم يصعد الإسلاميون اليوم فقط بسبب إيمان غالبية شعوب الربيع العربي بمشروعهم الثيوقراطي أو اللاهوتي، لقد صعدوا لأن الجماهير تعتقد أنهم القوة الأكثر جذرية بين قوى المعارضة المختلفة، وربما الأقدر على بناء حياة جديدة تحقق أحلام تلك الجماهير … لكن ما أقامه البلاشفة لم يكن ‘حياة جديدة’ للجماهير ولا دولة كانت فيها كل السلطة الفعلية للسوفييتات، بل دولة شمولية، دولة كانت تحت سيطرتهم ورقابتهم الصارمة، دولة انتهت كغيرها إلى الانحطاط والسقوط ولو بعد 7 عقود … إذا قبلنا بهذا الشبه الموضوعي بين بلاشفة عام 1917 وإسلاميي الربيع العربي، يبقى السؤال ليس فقط فيم إذا كان مصير إسلاميي الربيع العربي سيكون نسخة عن كل القوى السلطوية التي سبقتهم، بل ما سيكون مصير ثورات الشعوب العربية الراهنة نفسها؟ خلافا لكل التحليلات والأماني التي تتمحور على قوى سلطوية مختلفة كالغرب أو إمارات الخليج وروسيا أو الصين، يبقى مصير تلك الثورات رهن بيد الشعوب العربية نفسها، على الأقل حتى الآن.

‘ كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى