صفحات الثقافة

إشراقات الثورة السورية: مجلات وأفلام وأقلام وصور تعبق بالحرية


ريّان ماجد

إستطاع السوريون، وهم يواجهون القتل اليومي الممنهج منذ ما يقارب 17 شهراً، أن يبرعوا في ميادين متعدّدة ومتنوعّة. تفتّحت المواهب عند إندلاع الثورة، يقول ماهر إسبر، ناشط سورّي قدم الى بيروت في شهر أيلول من العام الماضي، وخرجت الى النور طاقات السوريين الإبداعية وغِناهم الثقافي وشجاعتهم وروحهم الساخرة.

نساء من داريا

تحت القذائف والهاون، تجتمع بنات ونساء داريا ليطبخْن ويوزّعن الطعام على أفراد “الجيش الحرّ” وعلى النازحين الى داريا من حمص وباقي المناطق المنكوبة السورية، بحسب فرح (الإسم مستعار)، ناشطة من داريا. تُخبر فرح، في اتصال عبر “سكايب”، كيف تعمل النساء ويخطّطن للنشاطات ويقترحْن الأفكار ويصنعْن ألعاباً للأولاد وهنّ يغنين أغاني ثورية ويضحكْن ويتحدّين القمع والموت. ففي 14 من هذا الشهر، صنعت نساء داريا شجرة تضمّ أسماء المعتقلين في سجون النظام السوري ووضعْنها مكان شجرة الزيتون التي كانت دبّابات النظام اقتلعتها.

إغاثة النازحين

تطوّع مئات من الشابات والشبان السوريين من كل الإنتماءات المذهبية والقومية ومن الجنسين لتقديم العون للمتضرّرين والمهجّرين داخل سوريا، علماً أن عملهم الإغاثي يُواجه بمحاولات تعطيل، تبدأ بالترهيب لتنتهي بالإعتقال أو القتل، حسب ما ورد على صفحة “الرابطة السورية للمواطنة” على “فايسبوك”. وجّهت الرابطة تحيّة الى الذين يُغيثون أهلهم بصمت، وبعيداً من الأضواء “ليثبتوا بعرقهم وقلقهم وحياتهم، جدارتهم بمواطنيتهم وسوريتهم وإنسانيتهم”.

أعمال توثيقية وفنّية وإعلامية

ينشط العديد من السوريين في توثيق جرائم النظام، حتى أصبح توثيق الموت في سوريا مهنة، كما جاء في نص كتبته الناشطة والحقوقية السورية رزان زيتونة بعنوان “خبراء توثيق الموت من أمثالنا لا يبكون”. يعمل مركز توثيق الإنتهاكات في سوريا على توثيق انتهاكات حقوق الانسان وأسماء شهداء الثورة الذين وصلوا الى 20184 ومعتقليها الذي وصل عددهم الى 27938، بما يتوافق مع المعايير الدولية، كما جاء على موقعهم الإلكتروني.

برزت أيضاً منذ إندلاع الثورة مجموعة من الأغاني الساخرة، وأُعدّت كميّة كبيرة من الأفلام تمّ تناقلها على محطّات فضائية، وعلى صفحات التواصل الإجتماعي واليوتيوب: “اُنجز أكثر من مئتيّ فيلم، صوّره وأخرجه ومنتجه شباب للمرّة الأولى أعمارهم بين 20 و21 عاماً، تعلمّوا السينما الوثائقية حديثاً”، يقول إسبر.

وظهر أخيراً في كل مدينة سورية ناشطون يتخصّصون بالتصوير الفوتوغرافي، ويلتقطون صوراً مؤثرة توثّق الدمار والمأساة الإنسانية وإرادة الصمود بطريقة فنّية: “هناك عدسة شاب حمصي وحلبي وشامي وديراني، وعدسات عديدة أخرى تلتقط صوراً عظيمة وتتنافس في ما بينها. أخذت هذه الصور مكان الفيديو الذي كان مُعتمداً في بداية الثورة لتوثيق القتل والقصف”، وفقاً لماهر إسبر.

“هناك أيضاً مجموعات تنشط في مجال الصحافة. إذ تم إصدار عشرات الجرائد منذ بداية الثورة”،  بحسب إسبر. من هذه الجرائد، “عنب بلدي” التي يصدرها شباب وبنات من داريا بشكل أسبوعي، وتمّ طبع 28 عدداً منها. تقول الناشطة السورية من داريا إن المجلّة توزّع على البيوت والمحلّات والسيارات والمارّة وفي التظاهرات. وجريدة “طلعنا على الحرية”، وهي نصف شهرية، صدر 12 عدداً منها، تُعنى بشؤون الثورة السورية وتصدر عن لجان التنسيق المحلية في سوريا. تُطبع هذه الجريدة وتوّزع داخل المدن والقرى السورية وفي المهجر، بحسب ما ورد على صفحتها على “فايسبوك”. صدر أخيراً العدد الأول لمجلّة “غرافيتي”، وهي مجلة شهرية إخبارية ثورية تصدر في مصياف، والعدد الأول لجريدة “بصمة حلب”.

هذا بالإضافة الى العديد من الإنجازات منها إنشاء إتحاد للكتّاب السوريين والقيام بأنشطة تنسيقية، وكتابة لافتات ساخرة ونقدية ورسومات كاريكاتورية تُرفع في المظاهرات وتتناقل على صفحات التواصل الإجتماعي.

أين كانت كل هذه الطاقات والمواهب؟ وكيف إستطاع السوريون أن ينتجوا كل هذه الأعمال الفنية والصحافية والإغاثية وأن يقوموا بكل هذه النشاطات بظلّ القتل والتشرّد والقصف والتعذيب؟

يقول ماهر إسبر إن الثورة فتحت المجال أمام الشباب والشابات للتعبير وعمّمت جوّاً من الحرية كان مفقوداً من قبل، ساعد في إطلاق المواهب المكبوتة. إلا أن هذا الإبداع ليس وليد اللحظة؛ هو نتيجة تراكم تجارب عديدة وحراك شبابيّ كان قد بدأ في العام 2000: “كان الناشطون قبل الثورة يلتقطون الفرصة المناسبة لخرق جدار القمع”. ويتابع إسبر أن الإنترنت والمحطات الفضائية في تلك المرحلة لعبت دوراً أساسياً في تحريك الشباب تحديداً، إذ أصبحوا يمتلكون آلية مقارنة ساعدتهم على إكتشاف سوء ظروفهم، بعدما كانوا محجوزين ضمن محطتّين وصورة القائد الواحد والعدوّ الواحد.

تمرّد شبابي وحراك مدني منذ عام 2000

لم ينحصر الحراك الذي سمّي “بربيع دمشق” عام 2000 في العاصمة فقط، بل تعدّاها ليطال العديد من المدن السورية، وفقاً للناشط السوري. وكان النشاط السياسي يندرج تحت عنوان الثقافة:

“كان المثقفون والمعارضون والشباب يبحثون عن إطار للتلاقي. ولهذا، شكّلت الملتقيات الشعرية  في مدن عديدة، والجمعيات المدنية كجمعية “العناية بالشجرة”، والمقاهي كمقهى “الروضة” والنوادي السينمائية وغيرها، أمكنة مناسبة للتجمّع والنقاش والتعبير”. كما وتأسسّت في السنة ذاتها فرق موسيقية شبابية، كانت تُقيم الحفلات وتُغنّي في الساحات العامة. كان النظام في تلك المرحلة يلجأ الى قمع بعض النشاطات حيناً أو الى “إحتوائها” أحياناً أخرى، وفقاً لماهر إسبر: “تأسسّت في تلك الفترة فرقة موسيقية تضمّ شابات وشباناً أطلقوا على أنفسهم إسم “مِتلْجية”. كانوا يلجأون من خلال الموسيقى ومظهرهم الخارجي الى كسر الصمت والتعبير عن تمردّهم. كانت الاستخبارات تعتقلهم وتقصّ شعورهم على الصفر، وكان بعض المعارضين من أصحاب النضال المُلتزم والجدّي ينتقدونهم ويتّهمونهم بتضييع القضية من خلال هذه الصرْعات. المِتلْجية اليوم منخرطون جميعاً في الثورة”.

يتابع إسبر أن “أبو نضّارة” الذي إشتهرت أفلامه خلال الثورة، كان ناشطاً أيضاً في تلك المرحلة، وحاول من خلال فيلمه “الجدار”، عبر تصويره حفلة موسيقية في إحدى ساحات الشام، أن يُلقي الضوء على ظاهرة تشرّد الأطفال التي إنتشرت بشكل هائل عام 2000 في هذه المدينة.

يُخبر ماهر إسبر أيضاً عن النشاط السياسي المتعدّد على الإنترنت وعن موقع “الأخوية” الذي شكّل متنفساً للشابات والشبّان، وكان مكاناً يعجّ بالنقاشات التي تتطرق الى كل الأمور (مواضيع الفساد والدين والسياسية) وتتجاوز الخطوط الحمر، تحديداً بين عاميّ 2003 و2004: “لم يكن النظام وقتها قدّ طوّر أدواته لاكتشاف هذه المواقع، أو لم يكن يعرف بعد كيفية التعاطي مع الموضوع”.

نُظّمت أيضاً في العامين 2004 و2005 إعتصامات في ذكرى قانون الطوارئ: يذكر إسبر عتصام جامعة حلب، إعتُقل خلاله الطبيب والناشط محمد عرب، الذي أُعيد إعتقاله في 2-11-2011 ولم يفرج عنه حتى اليوم وهو مضرب عن الطعام منذ 30 يوماً، واعتصاماً آخر في ساحة المحافظة في الشام.

إعتُقل ماهر إسبر عام 2006 بسبب نشاطه السياسي، وأُفرج عنه بقانون العفو الذي صدر بعد ثلاثة شهور من بداية الثورة السورية.

يرى إسبر أن السوريين تمّردوا على واقعهم، وأن هذا الإبداع الذي نشهده اليوم في سوريا سيُضاعف بعد إسقاط النظام: “لا يمكن أن يحكم أحد هذا الشعب بعد الآن”. يُضيف أن المجتمع الأهلي السوري الذي كان يصف سابقاً المتمرّدين على النظام “بالمجانين” أصبح هو متمرّداً اليوم: سُئل أبو أحمد، بائع خضرة في سوريا، تزوّج منذ سنة ولديه طفل عمره شهرين، لماذا يشارك في التظاهرات ويُعّرض نفسه لخطر الموت. أجاب بأنه لا يريد أن يصبح ابنه أحمد “طلائع”، أي في فرع الأطفال الإلزامي لـ”حزب البعث الاشتراكي”.

لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى