صفحات العالم

إشراقة سورية


ساطع نور الدين

السوريات الثلاث اللواتي وقفن امام المصورين قبل يومين لم يكنّ في نزهة، بل في مهمة. حارت الكاميرات في تعريفهن وترتيب صورهن وفي الفصل بينهن وبين المترجمة التي بدت كأنها في عداد وفدهن، الذي نحي جانباً عندما بدأ الوزير يحكي كلاماً تطرب له الميكروفونات، ويتحوّل الى نشيد مؤثر ولحن عذب.

قال الوزير كلمات غير مفهومة عن الفصل السابع، الذي صار لازمة كل حديث غامض عن تلك الازمة الواضحة. اهتم الصحافيون بصياغة الجملة وتعابير الوجه وحركة اليدين. لكن أحداً منهم لم يسأله عما اذا كان هذا النشيد سيصمد حتى مساء السادس من أيار، او صباح السابع منه، وما هي التعديلات التي يمكن أن تطرأ عليه: هل سيصبح الموقف الرسمي اكثر جدية ام انه سيضيع في النسيان؟

في الاجتماع الذي اتخذ طابعاً استكشافياً للمرأة السورية، اعتذر الوزير من السوريات الثلاث اللاتي كن يحملن اخبار الفظائع التي لا تحتمل، لأن بلاده حاولت، لكنها لم تنجح، لكنه لم يكن يستطيع ان يعد باستمرار المحاولة، لأنه لا يضمن أن تكون زيارة الوفد النسائي السوري والحفاوة التي لقيها من قبل الوزارة ومن قبل الدولة يمكن أن تغير اصوات الناخبات الفرنسيات ومزاجهن المناهض لرئيسه.

لكن الوزير سعى. وكذا فعلت السوريات الثلاث اللواتي ظلمن عندما جرى تقديمهن على هذا النحو، وكان من الصعب التقاط أقوالهن وقراءة تصريحاتهن بعد اللقاء الذي لا جدال في أنه يضيء على جانب مهم من الحدث السوري الاستثنائي: المرأة التي خرجت الى الشارع منذ يوم الاول، وهتفت بأعلى صوتها، وسجلت بصوتها نداء التغيير المستحق، واستغاثة الجوع التي باتت تتردد علناً على الشاشات من قبل نساء خائفات على أطفالهن، محجبات او أرتدين الحجاب خلال الأشهر الماضية للانسجام مع التحول الأخير الذي يشهد على أن نحو مليون عائلة سورية تتلقى معونات غذائية فورية، لا تصل إلا من بعض المؤسسات الانسانية الدولية او التنظيمات الإسلامية التي تسد فراغاً هائلاً يتعمق كل يوم.

لكن الرحلة النسائية الى باريس لم تكن مفتعلة، ولا كانت متوهمة. بالطبع كان يمكن ان يتسع الوفد ليضم نساء كثيرات يشبهن سهير الأتاسي وسمر يزبك وريما فليحان، ويتقاسمن معهن اللون الاجتماعي الواحد، والهم السياسي الواحد، ويرغبن في حمل قضية بلادهن الى أبعد من «الكي دورسيه» ومن لقاء عابر مع وزير الخارجية ألن جوبيه الذي لن يبقى في منصبه أكثر من أسبوعين.

كان الوفد رمزياً، لكنه كان حقيقياً. لم تخرج نساء سوريا الى المنفى، بل الى الحرية. قبل أن يقفن وسط «تقاطع النيران». المناضلة والأدبية والناشطة كن بمثابة صورة مشرقة وصادقة، عن مجتمع يتحدى نفسه، ويدهش العالم كله.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى