صفحات سوريةعلي العبدالله

إشكالية الإسلاميين والعلمانيين/ علي العبدالله

 

 

جدد اعتراض وفد الفصائل المسلحة على صيغة «سورية دولة علمانية» الواردة في بيان الدول الراعية لمؤتمر آستانة (روسيا وتركيا وإيران) النقاش حول العلمانية، بين من يعتبرها خياراً مرفوضاً باعتباره وافداً غريباً على ثقافتنا ويتعارض مع معتقداتنا الدينية، ومن يراها خياراً إلزامياً لا بد من تبنيه والخضوع لمقتضياته.

ينطلق الإسلاميون من فرضية عامة ثابتة ونهائية لا تقبل المراجعة أو المساومة والاتفاق على حل وسط عملي يساعد في تحقيق مكاسب سياسية واجتماعية للمجتمعات الإسلامية، وحجتهم في ذلك «عدم الخروج على صحيح الدين والتخلي عن الهوية والخصوصية». فرضية يمكن زعزعتها وتحديها من زاويتين: أولى من صلب الدين وجوهره تقول بنزول الدين لخدمة الإنسان، وليس العكس كما يحاول أتباع الإسلام السياسي ترسيخه في عقول المسلمين، وثانية من صلب الحياة المعيشة في ظل الدين وقيمه، تقول بطرح مفاهيم وقيم وقيام أشكال من التنظيمات الإدارية، الرسمية والشعبية، البسيطة (الطوائف والأصناف الناتجة من ظهور المهن وانتشارها وتوسعها وتنظيمها بأطر منظمة شبيهة بالنقابات الحديثة واختيار شيخ لكل مهنة يسمى شيخ الكار وكذلك اختيار شهبندر للتجار الخ…).

وهو ما يفسح بفتح باب التخيل والتصور حول المحتمل والممكن لو كانت الحضارة الإسلامية استمرت ولم تدخل في مراحل طويلة من الركود والانحطاط والانفصال عن الشرع والعقل في آن، وما كان سيحدثه ذلك من قوننة وتطوير لهذه النوى الإدارية والتنظيمية الناشئة من ضمن نسقها الخاص الذي أسس لحياة سياسية واجتماعية وقانونية موضوعية بفرض سيادة القانون (القرآن الكريم) ومساواته بين الجميع أمامه، وتكريسه حرية المعتقد والمسؤولية الفردية، وإمكان أن نجد أنفسنا كمسلمين في نظام سياسي واجتماعي لا يختلف كثيراً عن الأنظمة الحديثة بخلفيتها العلمانية.

في الجانب الآخر، ينطلق العلمانيون من اعتبار الدين أساس اغتراب الإنسان وتحطيم ذاته وتمزيق شخصيته، ويعتبرون نبذ الدين وإخراجه من الحياة ونظمها وقوانينها مهمتهم الأولى والرئيسة بتجاهل تام للدور الذي لعبه الدين في حياة الإنسان، الفرد والجماعة، قبل ظهور العلم وتسلمه دفة القيادة، وتجاهلهم ظاهرة تعدد أنماط العلمانية في التجربة الغربية: فهناك النمط الفرنسي المتصلب، ويوصف باللاديني أو اللائكي بالفرنسية، الأثير على قلوب علمانيي بلاد المسلمين، والنمط البريطاني الذي قضى بإعطاء الدين دوراً، وإن كان محدوداً، عبر الاعتراف به في حياة المواطنين ومنح الكنيسة استقلالية وحرية عمل اجتماعياً وسياسياً وثقافياً وإعلامياً، وتعيين 25 رجل دينٍ مسيحيٍ في مجلس العموم البريطاني، والنمط الأميركي المتصالح مع الدين والذي لم يشعر بالتناقض بين علمانية الدولة وفرض الصلوات في المدارس الرسمية، وانطلاقه من نظرة تقول: «إن ثمة إمكاناً لتنظيم العلاقة بينهما وجسر الهوة عبر التنسيق بين فرضياتهما وقيمهما بما يخدم هدفهما المشترك: الإنسان».

تكمن معضلة طرفي النقاش في انطلاقهما من نظرة أحادية تقفز على حقائق التاريخ والضرورة الاجتماعية وتتجاهل مستدعيات التصور العملي والخطة الصائبة بجناحيها: المعقولية والعملية. فالاعتبارات التاريخية والثقافية تفرض احترام العامل الديني، كعامل مكون في شخصية المسلمين وثقافتهم وسلوكهم العام والخاص، والضرورة الاجتماعية تستدعي أخذ التطور الإداري والمفاهيمي والقيمي الحديث في صياغة نظمنا السياسية وعلاقاتنا الاجتماعية خدمة للإنسان في حقوقه وواجباته بحيث تصبح حياته أكثر أمناً واستقراراً وحرية، ما يستدعي عدم استبعاد عامل أو آخر لاعتبارات عقائدية ومواقف نمطية جامدة، والدخول في مساومات وعقد اتفاقات جزئية وعقود اجتماعية مناسبة.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى