إيلي عبدوصفحات الناس

إشكالية “حلب يا نبع من الألم”

إيلي عبدو

وصلت الثورة السورية إلى استديو برنامج “أراب آيدول” على قناة “إم بي سي” ، بعد ارتجال المتسابق السوري، عبد الكريم حمدان، موّالاً لمدينته حلب قبل غنائه “قدّك الميّاس”. غنّى عبد الكريم أخيراً “يا بحرية” وتأهّل للمرحلة النصف نهائية من البرنامج، من دون أن يثير إشكالية.

لكن موال “حلب يا نبع من الألم”، الذي أداه قبلاً، أبكى المستمعين، وحظي بمتابعة كثيفة في “يوتيوب”، بلغ المليون ونصف المليون مشاهدة، كما أثار دود أفعال متضاربة، فاعتبره البعض تعاطفاً من المتسابق الشاب مع شعبه المضطهد. ما دفع الموالين للنظام إلى توجيه تهديدات مباشرة لحمدان تحذره من التعرض إلى ما سمّوه “الدولة السورية”.

وهذه ليس المرة الأولى التي يجد فيها فنان أو (مشروع فنان كحالة حمدان) نفسه في قلب تعقيدات الوضع السوري إذ ينعكس على الفن. سبق أن امتلأت صفحات “فايسبوك” بقوائم رصدت أسماء الفنانين المؤيدين للنظام الحالي سمّيت “قوائم العار”، في مقابل قوائم مضادة لفنانين يؤيدون الثورة اتخذت بدروها تسمية “قوائم الشرف”. وبين هذين التصنيفين، سيق الكثير من الاتهامات والتهديدات والشتائم بحق فنانين اختلفوا في مقاربتهم لما يحدث في البلاد.

السجال المحتدم على مواقع التواصل الاجتماعي طرح بحدة سؤال الفن وعلاقته بالسياسة، وهل يجب أن يمتلك الفنان موقفاً سياسياً؟ والحال إن الفنانين الذين أعلنوا موقفاً مؤيداً للثورة لم يفعلوا ذلك استناداً إلى وعي سياسي أو ثقافي، بل ثمة دوافع أخرى لهذه المواقف، قد يكون بعضها ذا أبعاد مصلحية. فالثورة (في بدايتها) حظيت بتأييد السواد الأعظم من السوريين، ما يعزز الاعتقاد بأن الفنانين المعارضين للنظام اتخذوا مواقف تحاكي الميول الجماعية أو “الرسمية”. هذا الأسلوب كان متبعاً عند عموم المشتغلين بالفن قبل الثورة. غالبية المطربين غنت للأنظمة ورموزها حين كان الرأي العام لا يمتلك قدرة التعبير عن طموحاته في التغيير. ولعلّ الفنانة السورية أصالة نصري نموذج جيد في هذا السياق، إذ سبق لها أن أنشدت “حماك الله يا أسد… سلِمتَ ويسلمُ البلدُ”، ومع اندلاع الثورة انحازت إلى الشعب وراح صوتها يصدّح بمواويل لنصرة حمص ودرعا.

قد يكون وضع عبد الكريم حمدان مختلفاً بعض الشيء عن الفنانين المكرّسين على الساحة الفنية في سوريا، ومغايراً لانقسامهم بين معارض ومُوالٍ. فهو ما زال “متسابقاً” يسعى إلى الحصول على أكبر عدد من الأصوات، ما دفعه إلى التنصل من الانتماء إلى أي طرف سياسي عبر صفحته الخاصة في “فايسبوك”، إذ كتب: “أناشد جميع المشاركين في الصفحة ألا يتحدثوا في السياسة”، وقال: “صفحتي فنية هادفة لإيصال رسالة سلام لكل العالم، وليس لها علاقة بأي جهة سياسية، سواء أكانت معارضة أو مؤيدة ولكم جزيل الشكر وفائق الاحترام والتقدير”.

هذا التصريح لم يمنع صفحة “حلب الآن” على “فايسبوك” التي يديرها موالون للنظام السوري إلى تهديد عبد الكريم بشكل صريح، وكُتب في الصفحة: “في حال تفوه بحرف يسيء إلى الدولة أمام الإعلام، أو رفع علماً غير العلم السوري ذي النجمتين، نعدكم بأن مصيره سيكون الدهس في أي مكان يتواجد فيه… “. واختتمت الصفحة تهديدها، مخاطبة عبد الكريم: “إذا أردت أن تكون نجماً، عليك التحلي بالحيادية والابتعاد تماماً عن السياسة وإلا ستلقى حتفك في المكان الذي أنت فيه”.

يُفهم موقف حمدان الذي رفض أن يُحسب على أي طرف من أطراف الصراع في سوريا، من دون أن نعمم حالاته على سواه من الفنانين. فعبد الكريم، رغم صوته الرخيم الذي ينتمي (أو يحاول أن ينتمي) إلى سوق الفن التجاري وحساباته في تحقيق الربح والنجومية من خلال لعبة الإعلام والميديا. وذلك، على خلاف الفنانين المعنيين بالموسيقى بوصفها حالة ثقافية. فهولاء مطالبون بموقف صريح مما يجري في البلاد، ينحاز بالضرورة إلى الثورة، أو بالأحرى يعبّرون عن موقفهم الأخلاقي. ربما هو الخلط بين النمطين الفنيين، التجاري و”النخبوي”، ما يدفع الكثيرين إلى مطالبة المتسابق السوري بإعلان موقف مما يجري في بلاده .

كل ما فعله عبد الكريم حمدان أنه أنشد “حلب يا نبع من الألم يمشي ببلادي، ويا كتر دم اللي انسكب ببلادي، أنا ببكي ومن قلب محروق ع بلادي، وعا ولاد اللي صاروا فيها غراب… آه يا بلادي”. صرخة وجدانية كان الأجدى عدم تحميلها أي دلالات سياسية. ذلك الشاب الطموح يسعى إلى نجومية بمعايير اللحظة، فلماذا نصرّ على جعله سميح شقير؟

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى