براء موسىصفحات سورية

إصفعني وخذ روبلاً/ براء موسى

 

 

لن يكون مستغرباً في المستقبل من التاريخ، أن تُروى تلك الأقصوصة عن رئيس اقتعد في إحدى الزوايا من ساحة ما في موسكو وهو يصيح: «اصفعني وخذ روبلا».

وتفترض هذه الرؤية أن ذلك الرئيس النادم، سيروي قصّته العجيبة لأحدهم كما روى ذلك العجوز الكفيف في القصة المعروفة: اصفعني وخذ ديناراً.

في تلك القصة، يروي العجوز لأحد السائلين أنّه ترك زوجته الشابة الجميلة وطفله الرائع سعياً وراء الكنز، يدفعه الجشع وليس الحاجة، وعندما وجد الكنز وعاد به، كان الشباب قد ولّى كما ضاعت زوجته وابنه، وتعبيراً عن ندمه هذا لضياع العمر في غير محلّه، ابتكر طريقة عمليّة للتعبير عن ندمه الشديد مع كلّ صفعة يتلقّاها، بل يدفع أجرها أيضاً.

الرئيس الأسد الشاب لم يسعَ يوماً إلى كنز الرئاسة، بل أتى المنصب إليه وكأنّه لعبة لوتو مضمونة. فجأة، وجد مجلس شعب يُقيّف الرئاسة على مقاسه تحديداً، لترِكَة صنعها أبوه في أكثر من ثلث قرن، خاض عبرها في دماء السوريين ورزقهم وكرامتهم. وكما هو معلوم، فإنّ «التوريث الجمهوري» كان بعد تعديل صغير في السيناريو المرسوم سلفاً، نتيجة مقتل الشقيق الأكبر باسل الأسد سنة 1994، عندما عاجله الدهر بموت غامض.

نوّاب الشعب قاموا فقط بالطقس الأخير لتقديم السلطة على «كفوف الراحة» للرئيس الشاب، وتكفّل الموات الشعبي برعاية هذا التوريث الذي لم يكن مُشيناً يومها، بل بدا كأنّ الأمور تجري إلى مستقرٍّ لها، طبيعي لا شائبة فيه.

الصفعة العالمية 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في النصيب السوري منها، استُخدِمَت في إعادة إحكام القبضة على مشهديّة الخنوع، ضد أيّ ربيع محتمل، فخُنق ربيع دمشق في مهده، بعد أن كان شهد للمرّة الأولى نقاشاً حول الشأن العام في مملكة الرعب والصمت، وكانت عمليّة الخنق هذه تذكيراً وتحذيراً لكلّ من تُسوّل له نفسه الاقتراب من الخطوط الحمر لسياسة البلد المرسومة بعناية ودأب، ويحرسها القتَلة ذاتهم.

سقوط بغداد في 2003، كان صفعة على الخدّ الثاني من حزب البعث، وطوال فترة الاحتلال الأميركي المباشر للعراق، عملت كواليس السياسة في سورية على تحويل هذه الصفعة إلى صفعات للأميركان، من خلال تمرير الفائض السوري من الغضب إلى العراق على شكل «جهاد ضدّ الاحتلال». تصريف الاحتقان على هذه الشاكلة هو ابتكار سوريّ سيكون من الصعب على الدراسات المنطقيّة معالجته في المدى القصير، فهو نتاج لـ «طبخة» طويلة من النضج على استبداد مديد.

صفعة الخروج السوري المُهين من لبنان في 2005 إثر اغتيال الرئيس الحريري، لم تكن مُوجعة بما يكفي ليصحو الأسد النائم في عسل مملكته المُذعنة، لكنّها كانت تنبيهاً كافياً لإشغال الساحة اللبنانية بحرب 2006 التي أشعلها الوكيل الحصري للتحالف السوري – الإيراني، حزب الله، لتُشير في إحدى إشاراتها إلى الداخل السوري بأنّ المواجهة مع العدو ما زالت تبرّر قانون الطوارئ، وحالة الطوارئ التي خنقت السوريين لعقود، ثم تدخّل القدر مرّة أخرى في التبرير من إحدى زوايا حرب غزة 2008.

في حينه، لم تكن هذه الأحداث المتتالية المتراكبة صفعات، لكن ربّما تكون للتاريخ وجهة نظرٍ أخرى، وبالتالي لم تكن تلك الصفعات شيئاً بالنسبة الى الشاب الذي يتسلّى بلعبته الموروثة طالما أنّها لا تؤثّر في مقعده الوثير، لكنّ الصفعة التي أطارت صوابه كانت تلك الخربشات على أحد الجدران في إحدى مدارس درعا، وانفتحت الحلبة على سباق الصفعات وما زالت.

ربّما تكون التصورات والتوقعات مفتوحة لنهاية هذا الصراع الدامي، لكن التاريخ سيُغفل الكثير من المُلابسات لمصلحة المغزى، مهما بلغ التحوير والتحريف. فذلك الرئيس الشاب سيقتعد كأبي عبدالله الصغير باكياً على «مُلْك» ليست فيه ذرّة ضمير، وفي تلك الزاوية الافتراضية من إحدى الساحات في موسكو، لن يصفح السوريون عن دمائهم وملياراتهم المنهوبة، حتى لو وزّعها ذلك النادم المُفترض على صافعيه.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى