صفحات الناس

إعادة بناء كابوس سجن صيدنايا: فظائع بشار الأسد بتفاصيلها وأرقامها وضحاياها

 

 

قامت منظمة العفو الدولية بمشروع غير مسبوق في العالم، مشروع طريف، لكن ذو دلالة. فقد اختارت خمسة من الناجين السوريين من سجن صيدنايا الرهيب، أو مسلخ بشار الأسد، و«محرقته»، لوضع هذا المشروع، عام 2016. يعني بناء مجسم للسجن، لغرفه وأقبيته، وجلاّديه، وحراسه، وجنوده. لتعيد بناء مشهديات ويوميات السجناء، وما تعرضوا له، من قتل، وذبح، وإعدامات جماعية، بوسائلهم الوحشية، كالأسلاك الكهربائية العارية، والمطارق، والكرابيج، والقضبان الحديد.. انطلاقاً من وصف الناجين من السجن، الوصف الدقيق، الأبواب والحيطان، آلات التعذيب، ممارسات الحراس، الروائح، الأصوات، الجدران، بالصوت المسجّل، وبكل ما يعبق في هذه الغرف الجهنمية من روائح بول، وعرق، ورطوبة.

وهذا المجسّم، الذي أعاد بناء السجن بمعماريته، وألوانه، وزواريبه، وممراته، ليؤكد بطريقة مادية، الفظائع والانتهاكات، وطرق الإذلال، والإهانة، والاحتقار.. أي كل ما يمكن تسميته «الجرائم غير الإنسانية». وقد لجأوا أيضاً إلى بعض الأراشيف المأخوذة من سجلات رسمية، ومن أقوال الحراس الذين تابوا عن أفعالهم، ومن المساجين.. صدر كل هذا في كتاب بالفرنسية صدر عن «دار لافون» بباريس.

هنا مقطع منه يشرح جانباً من الرعب الذي قاساه هؤلاء الناجون، أو الذين بقوا، أو ماتوا، أو أُعدموا..

وفي القسم الثاني مشاهدات الصحافية اميلي بلاشير الذي قتل زميلها المصور أثناء إجراء التحقيقات.

اختارت منظمة العفو الدولية خمسة من الناجين السوريين من سجن صيدنايا للاشتراك في وضع مشروع غير مسبوق. كان ذلك عام 2016. يعني إعادة رسم وتصوير السجن بكاميرا «3D» لفهم عمله، من خلال تحليل المعمارية. خطوات للاستجواب في تركيا من خلال باحثين من منظمة العفو و«فورسنيك ارشيتكتر» ومختبر للأبحاث في جامعة غولد سميث في لندن، بمقابلات تفصيلية دقيقة، كل صوت، كل صورة، كل رائحة، كل إحساس مكتوب للمساعدة على التقديم في الموقع، لفهم الطرائق. شعاع ضوء يتسلّل إلى الغرفة يعطي فكرة عن توجهه الجغرافي أو عن الساعة التي نتج فيها هذا الحدث، عدد المسجونين، وضع كل واحد، يكونان مؤشرات عن الزنزانة، وقع الخطى، صدى صوت، طرطقة القيود، فرقعة الصفعة، هي وسائل تتيح إعادة بناء الأمكنة، وكشف البروتوكولات، سواء من الواصلين، أو المغادرين، وعمليات الإعدام. بعد أشهر عدة من التحقيقات، وضع ماكيت افتراضية لسجن صيدنايا، قد تمّ بعثه بفضل أدوات تكيفية سمعية ومعمارية.. وللمرة الأولى، اكتشف العالم الكواليس المرعبة، لآلية السجن الشيطانية. صيادو البراهين يقولون «إنهم اخترقوا سرّه الرهيب: سر برنامج إبادة»، كما تفصح نيكوليت (باحثة من منظمة العفو الدولية).. واستناداً إلى لوائح الأشخاص المفقودين، ووثائق رسمية مأخوذة من البلاد، شهادات وفاة مثلاً، ترى المنظمة أنه في 15 عاماً أُعدم 38 ألف شخص. 18 ألفاً ابتداء من 2011. ولتوثيق هذه المعلومات بث الباحثون صوراً مأخوذة من الأقمار الصناعية في شباط عام 2013. وتميز مبنيين على أرض من مئات الهكتارات. «المبنى الأبيض» له شكل «ما». ومعظم سجنائه ضباط من جيش النظام، ومن الفارين من الخدمة العسكرية. في الشمال «المبنى الأحمر» يحتل معظمه مدنيون. معماريته – نجمة بثلاثة أغصان – يستحق اسم «مقود المرسيدس». داخل هذه الجدران، السميكة والمنهوشة بالرطوبة، بين عشرة آلاف و20 ألف شخص. كان صيدنايا معروفاً دائماً بأنه سجن الإسلاميين، لكنه أفرج عن هؤلاء جميعاً عام 2011، وحلّ محلهم ألوف المعارضين للنظام، سجناء الثورة.

داخل جدران السجن، تفقد الحياة معناها. فاليومي موقع بالضرب، والإهانة، والعنف.«كان علينا أن نظهر لهم منذ اللحظات الأولى أن السجناء ليس لهم أي حقوق. وكان يجب ضربهم فوراً». (كما يعترف عضو سابق من الطاقم الذي استجوبته نيكوليت). كل وافد إلى السجن يتلقى ترحيباً بمجيئه: «الجدد: الأيدي مكبّلة والعيون معصوبة، ثم ينزعون منهم كل شيء: خواتم خطبة، ساعة، تلفون، ثم تحلق رؤوسهم، ويتعرّضون للضرب».

سلام، وهو محام حلبي معتقل من عام 2012 و2014، يتذكّر يومه الأول: جلده المتناثر، مزاريب من الدم، منه ومن الآخرين. عصي، أسلاك كهربائية عارية، قضبان من الحديد.. وسلاح نسمّيه «الحزام الدبابة».. «كانوا يجلدوننا على ظهورنا، على أفخاذنا، وأقدامنا، بقوّة تجعل صوتها يشبه الانفجار، الأشخاص الأكثر هشاشة والعجائز، غالباً ما كانوا يموتون تحت الضربات منذ اليوم الأول، وعندها يجرّونهم إلى قبو، في زنزانات ضيّقة، حيث يبقون هناك أياماً عدة، وحتى أسابيع عدة.. وعند هذه المرحلة، البعض يسقط أيضاً، والناجون يُنقلون إلى غرفة بالكاد أكبر. «غرفة الجماعة» حيث يقرفصون. والوافدون الجدد تتم تعريتهم، ويُؤمرون بأخذ دوش. وفي كل مرة، اللعبة السادية ذاتها تتكرر: يختار الحراس شاباً، على الأرجح وسيماً، ويطلبون منه أن يسند رأسه على الحائط ويغمض عينيه، ثم يأمرون معتقلاً آخر كبيراً وضخماً، باغتصابه. وإذا رفض هذا الأخير يدحش الحراس في مؤخرة السجين عصا، أو مكنسة، أو قطعة خشبة. عندها يدخل حارس إلى الزنزانة، على المسجونين أن يركعوا، رؤوسهم إلى الحائط، وأيديهم على عيونهم».

نادر، رب عمل دمشقي، ما زال يرتجف حتى الآن عندما يستغرق في هذه اللحظات: «عندما كانوا يفتحون الباب، نكون في حالة صدمة، نبول في ثيابنا، لأننا لم نعرف مَن سيختارون للقتل هذا اليوم».

والمسجونون غير مخولين النظر إلى المراقبين ولا التكلم معهم. بعضهم يهمس، معرضاً نفسه للتعذيب، الآخرون اخترعوا لغة إشاراتهم الخاصة. وليتأكدوا أن أوامرهم ستُنفذ، يطلب الحراس من فريق أن يعين رئيساً له، «شاويش» مهمته الوشاية كل يوم بخمسة مسجونين تجرأوا على الكلام أو خالفوا الأوامر. وإذا رفض «الشاويش»، يتم قتله. الناجون الذين قابلتهم نيكوليت يصرّون على «التضامن النادر بين المسجونين» الأضخم بينهم يروون أنهم تقدموا طواعية للتعذيب. أحدهم شرح: «ألّفنا فريقاً من 30 شخصاً قوياً وصلباً.. ثلاثة منّا على الأقل كانوا متطوّعين دائمين. أنا، الأول. كنت أحتاج إلى الصراخ. كنت غير متأثر بقسوتهم النفسية. ما كنت أشعر بالانفعال، عندما كانوا ينهالون عليّ ضرباً، عندها أحسّ بشيء ما، تحت ضرباتهم، بقيت حياً».

مسجونون وحراس أعلنوا توبتهم يصفون لنيكوليت تقنيات عدة من التعذيب فور خروجهم من المعتقل. كاتالوج من التوسلات، حيث ليس للإرهاب حدود.

الترجمة والتقديم: بول شاوول

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى