أحمد عمرصفحات الناس

إعلان موسكو يا غالي/ أحمد عمر

 

 

هل أتاك حديث إعلان موسكو، والإطار الثلاثي يا غالي؟

لم يتمخض مؤتمر جبل الشوكولا في جنيف واحد حتى عن فأر أو دودة. تعددت حلقاته حتى صرنا نخشى من أن يصير مسلسلا مكسيكيا من زرد الصور، وكانت بطلته بثينة شعبان أقل جمالاً وفتنةً من كساندرا بقليل، وكانت أم الشهيد عباس خان، المكلومة بإعدام ابنها الطبيب البريطاني الفدائي، في السجون السورية، تترصد كساندرا شعبان أمام الأبواب، وتلحق بها لإحراجها بالجريمة أمام الإعلام، وقد أعيتها، وأعيت بريطانيا العظمى، الحيلة!

سنحاول يا غالي، أن نتجنب موج التداعيات، لذا سننتعل أحذية الجليد المسمارية الأعقاب، فأرض موسكو زلقة، وقد عقد العاقدون العزم أخيراً على مؤتمر موسكو، لنسمهِ، على سبيل الفأل والاستبشار، بمؤتمر الفودكا واحد. أول بند تحت طعن البراميل، وخفق بنود ميليشيات يأجوج ومأجوج، فهم من كل حدب ينسلون على سورية، ويتناسلون فيها، يقول وعمر السامعين يقصر أو يطول:

إن إيران روسيا وتركيا تؤكّد احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، كدولة ديمقراطية علمانية، متعددة الأعراق والأديان. لغم نووي في آخر السطر.

والسيادة يمثلها – في دور الممثل الوحيد- بشار الأسد رئيس سوريا حتى سنة 21  الذي سيغيب عن المؤتمر، يا غالي. ربما يلتحق بها في طائرة شحن، أو طائرة طريزينة، فهذا هو مستواه ومثابته منذ أن رفع شعار حرق البلد والتلد والولد، وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ.

والطريزينة، يا حبيب، هي التوكتوك السورية. أمّا الاستقلال الذي ورد نَعيُه في البند الأول، فقد ذهب مع الريح، يا غافل لك الله، أو لا تلحقني مخطوبة ومنكوحة ألف نكحة، ويا سوريا “نيالك” أبو علي بوتين خيالك، أمّا الوحدة، فشبيهٌ صوت النعي إذا قِيس بصوت البوتين في كل ناد. الأفضل أن نتحدث عن مرض التوحد.

تبدأ الجملة الدسمة في البند الأول، يقطر منها دهن الخنزير والمتة والفودكا مبشرةً بديمقراطية علمانية متعددة الأعراق والأديان. هذه طبخة يسمونها في سوريا، السبع دول. ثلاث دول قليلة لا تفي الطبخة حقها، هي طبخة بحص، أي طبخة حصى، يا غالي.

َكبر مقتاً عند الله، أن تقولوا ما لا تفعلون، أيها الأفاكون، فإيران دولة اسمها الرسمي هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وصفة الإسلامية تسبق في اسمها صفة القومية، وعلمها الذي أجريت له مسابقة وجائزة كبيرة عند تأسيس جمهورية إيران الإسلامية، كتب فيها الشاعر العلماني الحداثي الشعوبي، الذي لم تنجب الأرحام مثله، عدونيس أسبر سعيد، شعرا موزناً ومقفى. ربح المسابقة فنان جعل اسم الله على العلم على شكل أربعة أهلّة، في وسطها سيف، مقتبساً من  من القرآن الكريم، وبعض المبغضين يشبِّهونه برمز ماسوني، وهذا افتراء غرضه الشتم والوضع، فهم مسلمون، والدواعش مسلمون، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم. إطار العلم الإيراني محاط بعبارات: االله أكبر زخرفةً للعلم وزينة.

علم الجمهورية التركية العلمانية، الذي لم يستطع أتاتورك بكل جبروته وأنياب علمانيته المفترسة إهمال الهلال الإسلامي، فتبناه في الزاوية اليسرى من العلم الأحمر.

أما روسيا، سليلة الشيوعية العلمانية والقيصرية الصارمة، فيتضمن علمها الرئاسي، تنينا برأسين وثلاثة تيجان، في أعلى التاج الأعلى الصليب المسيحي، يتوسط قلب التنين القديس مار جرجس (يوحنا، يحيى) على حصان أبيض، وهو يصرع التنين، الذي لا يصرع، فالقديس في جوف التنين!.  13 دولة أوربية تدعي العلمانية وترفع شعار الصليب في أعلامها، حتى فريق ريال برشلونة كان يضع شعار الصليب ولم يُحذف إلا بعد احتجاجات اللاعبين المسلمين.

الدول الثلاث تحاول أن تعمّد سوريا بعلمانية عسكرية، وهي  درّة بلاد الشام الإسلامية، في المرويات هي ثاني أقدس بقعة على الأرض، وفي أقوال أخرى، قلعة العلمانية الأخيرة، حتى أن بعض أهل نجد والحجاز يغبطون الشام، لكثرة الأحاديث الشريفة التي وردت في ذكرها، وكثيرها في سياق الرباط والحشر، الذي نحن فيه محشورون.

ثلاث دول مختلفة في درجات العلمانية، تؤكد على علمانية قلعة العلمانية، أي حكم الطائفة الصغيرة. يصف إعلان موسكو سوريا بأنها متعددة الأعراق، وكان إعلان دمشق في 2005 قد سبق إعلان موسكو، بذكر فسيفساء المجتمع السوري، فجنّ جنون سائق الطريزينة المنتصر، واجتهدت مخابراته على وأد الإعلان في مهده. حاول إعلان دمشق تجنيب سوريا هذا المصير الأسود في بطون التنانين والدببة. وكان رياض سيف قد سجن خمس سنوات على جريمة نطق وصف مجتمع سوريا  بال”فسيفساء” التي وردت في بيان صدر من مؤتمر في بيته، وهو نائب في البرلمان، أو مجلس الشعب كما يحب النظام تسميته، فاعتبرها النظام كفراً، وعدّ البيان محاولة لتغيير الدستور بالقوة، وإضعافا للشعور القومي، وتوهينا لروح الأمة. الأمّة العلمانية الآن سعيدة بمؤتمر موسكو، الذي سيرفع روح القومية أعلى من تاج التنين الروسي، وشعورها القومي الذي أينع ثمره في فراش بوتين الفحل، يا غالي.

يذكر البند الثاني أهمية الأمم المتحدة، التي لم نرَ منها سوى القلق، وبعض العلب الكرتونية الخالية، والواقيات الذكرية، وأدوية مكافحة البعوض ،الأمم المتحدة أظهرت حرصا شديدا على تحديد النسل واستئصاله،  هي تخاف من فحولة السوري وهجمات البعوض عليه تحت البراميل. هي من فحولة الفلسطيني أخوف، وكرهها بلاد الشام، أرض المنشر والمحشر. ادّخروا واقياتكم الذكرية للمتعة ونساء الروزنامة، ضعوها على رؤوسكم، السوري يحب الوصال مباشرة، الكثرة والتناسل بعد كل هذه الضحايا، هي قنبلته الوحيدة.

وتتحدث عبارة في البند الثالث عن الإجلاء “الطوعي” من مناطق حلب، المحطمة كهشيم المحتضر، ولا تزال الجثث تتنفس تحت الردم، والصواب أن يكون إجلاءً يا غالي. الجلاء يرِد عادة في تعبيرات السوريين اليومية في ثلاث سياقات: جلاء المستعمر الفرنسي، أو في المطبخ عند جلي الصحون، أو الجلاء المدرسي، الذي عليه صورة الرئيس المواطن بدلا من صورة الطالب المحتل.

ولأن الفراغ الديمغرافي مكروه، فقد أشار الإعلان إلى الجلاء الجزئي لكفريا والفوعة إلى المناطق المخلاة، ضيعتان مقابل أعرق مدينتين في العالم.

المقايضة كان غرضها البرهان على المساواة، وتكافؤ الفرص، يمكن أن نتذكر تأسيس باكستان المفصولة عن الهند، أو بنغلاديش عن باكستان.

كان الفرز الطائفي على قدم وساق، في الجيش والإدارة والحياة سراً، الآن هو علني يفضحه إعلان موسكو، قصة طائفية معلنة يا ماركيز يا غالي.

وهناك بند رابع في الإعلان يتحدث عن وقف إطلاق النار، ثم يلغيه في البند الثامن عندما يتحدث عن مكافحة تنظيم الدولة، وجبهة النصرة التي لم يقبل المجتمع الدولي بتوبتها عن اسمها، تغيير الأسماء غير مسموح به، ويمكن حلاً لهذ المعضلة أن يطلبوا من تنظيم الدولة وفتح الشام أن يميزوا أنفسهم بثياب فوسفورية خاصة، حتى يقصفوهم مع الدروع البشرية، عدد سكان سوريا كان 23 مليون درعا بشرياً للرئيس المدرع بشعبه.

أمريكا والغرب غائبون عن المؤتمر، لقد تركوا الفخار يكسر بعضه بضعاً، سيصيبهم منه شظايا كثيرة، فقد صار العالم قرداحة واحدة، مع الأسف يا غالي.

من الرسائل العلمانية “البعثية” الرمزية أن يخلع خطيب الجامع الأموي الجديد لقب “الإمام” على بوتين، وأن يفتتح عضو مجلس شعب سوري برنامج الاتجاه المعاكس بعد النصر الروسي الفارسي على الشعب السوري بآية ” إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً…”

لقد قُتلنا بالبراميل وحرقاً تحت التعذيب وبالكيمياء والبقلاوة لكن أنكى القتل أن نقضي تحت أنقاض الضحك.

خراشو ..  سنرى.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى