صفحات سورية

إفلاس النظام السوري

 


د. أميمة أحمد

دخلت الانتفاضة السورية شهرها الثالث ولازالت وسيلة النظام الحل الأمني لقمعها، ويعامل الشعب معاملة السيد للعبد، معاملة تستحي منها عهود العبودية، القتل والمهانة لمن تمرد على طاعة السيد، ونسي الرئيس بشار وحاشيته أننا في الألفية الثالثة، ألفية الديمقراطية والحرية وكرامة الإنسان، الأثافي التي جعلت الشباب السوري ينتفض على عبوديته لينال حريته ويصون كرامته.

وفي ظل غياب غير مبرر لرئيس الدولة بشار الأسد، لدرجة لم يعد يرد على هواتف الأمين العام للأمم المتحد بان كي مون، وغاب معه الموقف الرسمي تماما مما يجري، وأطلق أبواقه ذات البلطجة الصوتية، العاجزة حتى عن إقناع نفسها لما تريد أن تقنع به السوريين والرأي العام الدولي، ومعظم هؤلاء يقدمون أنفسهم بـ’دكتور في جامعة دمشق ومتخصص في الدراسات الإستراتيجية، أو رئيس مركز للدراسات الإستراتيجية أو كاتب صحافي’ أساؤوا للنظام أكثر مما دافعوا عنه، ولو كانت لدى سورية سياسة إعلامية لكان التلفزيون استضاف الرأي الآخر كبرهان على إصلاحات الرئيس التي أعلن عنها، ولكن الصحافة السورية كانت طرفا في القمع، لذا أتوقف عند الصحافة كإعلامية، فقد أذهلني تصريح الدكتور أحمد الحاج علي الكاتب الصحافي، للجزيرة عن غياب الإعلام الدولي عن الأحداث، فقال بالحرف ‘طبعا يغيب حتى لا يفبرك أخبارا ليست على أرض الواقع’، الدهشة لأن الصحافي المهني يدافع عن حق الصحافيين باستقاء المعلومات من عين المكان ومن مصادرها، بينما أحمد الحاج علي يخون زملاءه ببساطة ‘فبركة الخبر’، لست أدري من يفبرك الأخبار هؤلاء الذين يعتمدون على وسائل الاتصال الاجتماعي (الفيسبوك) وما تجود به من أفلام فيديو صورها متظاهرون هم مشروع شهداء، وقبل استشهادهم التقطوا بهواتفهم النقالة بعضا مما يجري بالواقع، ليصبح هو الصحافي، ولولا المواطن الصحافي لكانت تلك الجرائم التي تُرتكب طي الكتمان، جراء التعتيم الإعلامي الرسمي، حيث استأسد التلفزيون السوري في تزوير الحقائق. ولعل المضحك المبكي تلك المكالمة التي زعم أن ‘السلفيين يتصلون بالإعلام ويفبركون أخبارا’، وكانت القناة التي يتصلون بها تريد شاهد عيان على حادثة البنت المخطوفة في جسر الشغور، حيث المجتمع كما نعلم محافظ، ويصبح الدم للركب عند الاعتداء على الأعراض، لكن التلفزيون السوري ‘ فلتة زمانه بالمهنية’ يستضيف عم البنت المخطوفة ليتحدث هاتفيا (وما أدرانا كمشاهدين أن المتحدث هو عم البنت؟) تحدث الضيف وكأن اختطاف ابنة أخيه حدث عابر وهو يردد ‘نحن بأمان والله يخلي الجيش اللي حمانا، خطفوها لما كانت رايحة مع ابن اختها …’، إلى هذا الحد بلغ غباء الإعلام السوري؟ هذا غيض من فيض في التجييش ضد الشعب السوري برمته، لم يترك هذا الإعلام المنحاز بغباء صفة قبيحة إلا وصف فيها المتظاهرين، ‘سلفيين، مندسين، إرهابيين، عملاء، خونة، يعملون لأجندة خارجية ..’، ولم يقولوا عنهم انهم سوريون، وهذا مؤسف جدا.

بعد ثلاثة أشهر من هذا العهر الإعلامي والفجور الأمني لم يستطع النظام قمع الانتفاضة، وكانت الدكتورة بثينة شعبان المستشارة بالرئاسة قد صرحت في 10 ايار/مايو الماضي’لقد تجاوزت سورية الأزمة وأصبحت من الماضي، ونحن مقبلون على إصلاحات أقرها الرئيس بشار الأسد’، يومها خرج الجيش من درعا وتوجه إلى تلكلخ، حيث ارتكب مجازر مروعة، جعلت الأهالي يفرون حفاة عراة إلى لبنان الجار، الذي وقف الشعب السوري الى جانبه عند محنته خلال العدوان الإسرائيلي عليه عام 2006، فقد استقبلت العائلات السورية مئات الآلاف من اللبنانيين في منازلها وأكرمتهم، لكن عند نزوح السوريين للاحتماء بأشقائهم اللبنانيين تصدت لهم شبيحة حزب الله وطردتهم وسلمتهم للنظام السوري كمطلوبين فارين، والتلفزيون السوري وقناة الدنيا لرامي مخلوف مع قناة المنار وقناة بري تعرض شهود الزور عن سلاح دخل سورية من جماعة تيار المستقبل 14 آذار، وان الحريري وراء هؤلاء السلفيين، والغريب حد الدهشة أن زملاء نكن لهم كل الود والاحترام تخلوا عن مهنيتهم وراحوا يطبلون على هوى المنار والتلفزيون السوري وتلفزيون حركة أمل وتلفزيون دنيا، عمليا هذه المواقف إدانة لمصداقية أصحابها، وتشكيك بمهنيتهم، كان بإمكانهم الصمت أفضل من أن ينطقوا كفرا، وتصبح شهادتهم محل ترويج إعلامي لتجييش الحقد والضغينة ضد أبناء سورية، الذين طفح كيلهم من الذل فخرجوا بصدور عارية يواجهون الموت، وكل متظاهر مشروع شهيد أو معتقل سيموت تحت التعذيب، لم يسلم من هذا القمع الوحشي حتى الأطفال، فحمزة الخطيب هزت جثته المشوهة الضمير العالمي، في وقت راح التلفزيون يشرح ببذاءة لا تحترم الموت ‘أن الجثة تأخروا بتسليمها فانتفخت’، ولكن لماذا الرصاص في صدر الفتى، ولماذا قطعوا عضوه؟ هل خافوا أن ينجب ثائرا في قبره وهو لم يبلغ الحلم بعد؟

ولم يكتف بعض المثقفين بتزوير حقائق ما يجري في المدن والبلدات السورية من قتل واعتقال واغتصاب وانتهاك حرمات وتخريب وحرق، بل تطوعوا لتوزيع الوطنية على زملائهم ممن اتخذوا موقفا إنسانيا إزاء أهالي درعا بأخذ الحليب والدواء للأطفال. منى واصف سيدة الدراما العربية، وأصالة نصري سيدة الغناء، وكتّاب وصحافيون وقعوا على بيان يرفض العنف، فانبرى هؤلاء ‘المثقفون’ أتباع النظام بهجوم غير مسبوق، وبصفاقة ووقاحة قل نظيرها، راحوا يصفون هؤلاء الذين انتصروا للإنسان وحقه بالحياة ‘بالخيانة’، ومنهم من تمادى وطلب تجريد السيدة منى واصف من وسام الجمهورية، الذي قلدها إياه الرئيس بشار الأسد، وكأنه أعطاها الوسام مزية ومنّة وهي التي رفعت رأس سورية شامخا في كل ساحات الفن بالعالم، لاعليك سيدتي الرائعة منى واصف، موقفك الشجاع وسام على صدورنا جميعا، وأنت نجمة لا تطالك ألسنة السفهاء.

هؤلاء ديدنهم منذ بدء الانتفاضة تبرير سياسة الحل الأمني التي اتخذها النظام لقمع الانتفاضة، لكنها فشلت، وما جرى في درعا وتلكلخ وجسر الشغور، يدلل على إفلاس النظام تماما في إيجاد حل للخروج من الأزمة السورية. وإذا أراد الخروج الآن من الأزمة عليه وقف أعمال العنف فورا، بسحب الجيش وقوات الأمن من الشوارع والمدن السورية، وإطلاق سراح سجناء رأي الانتفاضة والقدماء وعودة المنفيين من دون شروط، فهذا عربون النية الصافية للحل، وبعدها الدعوة لمؤتمر حوار وطني يشارك فيه كل الطيف السياسي والاجتماعي السوري، جدوله نقطة واحدة: كيف نوصل مركب سورية آمنا وسلميا إلى الديمقراطية، ونعتقد أن بيان التنسيقيات المحلية قد وضع خارطة طريق، تخرج سورية إلى بر الأمان. نأمل أن يستمع العقلاء في النظام إلى صوت العقل لإنهاء هذه المأساة الوطنية .

 

‘ كاتبة سورية مقيمة في الجزائر

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى