صفحات سوريةمنير الخطيب

إقصاء الشيعية والسنّية السياسيتين معاً/ منير الخطيب

 

 

لعبت هجرة اليهود العرب من البلدان العربية، قبيل تأسيس دولة إسرائيل، دوراً مهماً في قيامها. ساهمت عوامل عدة في التحكم بتلك الهجرة، أبرزها: أولاً، الضغوطات التي مارستها سياسات الدولة الإسرائيلية الناشئة على الأقليات اليهودية في البلدان العربية، إضافة للإغراءات، بالطبع، في شأن هجرتها إلى فلسطين. ثانياً، الخلفية الأيديولوجية الصهيونية التي غذت تلك السياسات بكثافة حضور العناصر العدوانية والدينية والعنصرية فيها. ثالثاً، هشاشة وتقليدية الأنسجة المجتمعية في البلدان العربية، التي لم تستطع إدماج الأقليات اليهودية، وبالتالي عزلهم عن السياسات الإسرائيلية.

صحيح أن الفوارق بين إيران وإسرائيل، بالنسبة الى العرب والمسلمين، كبيرة وجوهرية، وكذلك لا يمكن إقامة مقارنة تاريخية بين الشيعة واليهود العرب. لكن مواقف الطوائف الشيعية في بلدان المشرق العربي من السياسات الإمبريالية الإيرانية فيه، تشي بأمر خطير:

أولاً، يواجه المشرق العربي، منذ أكثر من ثلاثة عقود، سياسات إيرانية، تستند إلى قاع أيديولوجي – نفعي، يغذيها بعناصر العدوانية والمذهبية والعنصرية تجاه العرب.

ثانياً، من الواضح أن عناصر من الطوائف الشيعية المشرقية تستقوي بالعدوانية الإيرانية، كي تمارس الغلبة على «مجتمعاتها»، بواسطة تبنيها منطق القوة العارية وتحولها إلى حاضنة للمليشيات المذهبية، بعدما كانت خزانات الأحزاب اليسارية، بخاصة في لبنان.

ثالثاً، إن هشاشة الأنسجة المجتمعية لبلدان المشرق العربي، التي طردت الحداثة من ثقافتها وعلاقاتها وسياساتها، ولم تستطع بعد مرور عقود على استقلالها أن تؤسس دولها الوطنية، سمحت للعدوانية الإيرانية أن تخترقها وتلعب فيها وفقاً لمصالحها، مثلما سمحت منتصف القرن الماضي للسياسات الإسرائيلية باللعب بوضع الأقليات اليهودية العربية.

رابعاً، إن استقدام إيران للميليشيات الشيعية من أفغانستان وباكستان لقتال السوريين والعراقيين، يذكّر باستقدام دولة إسرائيل الناشئة لعصابات الهاغاناه وغيرها لقتال الفلسطينيين.

خامساً، تحمل تصريحات كبار القادة الإيرانيين، مؤخراً، الكثير من الاستخفاف بالعرب، بخاصة أنها تتزامن مع ظهور الصور الاستفزازية للجنرال قاسم سليماني على الجبهات في سورية والعراق. يذكّر ذلك أيضاً، بتصريحات بن غوريون وغولدا مائير التي كانت تستفز العرب على الدوام.

إن تفكيك هذا المضمون للمسألة الشيعية في المشرق العربي هو من المقدمات اللازمة لبناء وطنيات في بلدانه، وهو، أيضاً، مسؤولية السنة قبل أن يكون مسؤولية الشيعة، بوصف السنة «القوم الأكثري الذي يحمل أكثر من غيره الهم القومي». وقد أورد الراحل جوزيف سماحة في كتابه القّيم «سلام عابر» فكرة في غاية الأهمية: «إن المسألة اليهودية باتت قضية عربية بعد أن صدرتها أوروبا إلى العرب». كذلك فمنع الشيعة من الذهاب على خطى اليهود العرب مسؤولية سنّية أساساً. من هنا تتأتى أهمية أن يشكل السنّة أطراً وطنية جامعة وطاردة للأيديولوجية السنّويّة ولتنظيمات الإسلام السياسي الحصرية.

تستلزم المشاريع الوطنية في بلدان المشرق العربي، من جملة شروط أخرى، شرطين ضروريين: أولهما، تخلي السنّة والشيعة معاً عن إدخال تنظيمات الإسلام السياسي إلى المجال العام، أي إلى مجال الدولة. وثانيهما، تخلي الطرفين عن فكرة العبور الأيديولوجي في بعدها المذهبي لحدود الكيانات الوطنية التي رسمتها اتفاقية سايكس – بيكو.

وكما قال ماركس في كتابه «المسألة اليهودية»: يجب إعدام اليهودية سياسياً. لقد بات من الضروري كي تستمر الحياة الآدمية في المشرق العربي أن نقيم الحد على الشيعية والسنّية السياسيتين معاً.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى