زين الشاميصفحات سورية

إلى أين يذهب بشار الأسد بالطائفة العلوية؟

زين الشامي
المجزرة التي شهدها حي «كرم الزيتون» في مدينة حمص أخيرا وذهب ضحيتها نحو 45 شخصا غالبيتهم من الاطفال والنساء، لم تكن المجزرة الاولى التي ترتكب بحق مدنيين عزل منذ بدء حركة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس بشار الاسد في سوريا، فقد حصلت مجازر مشابهة في درعا وجبل الزاوية في ادلب واحياء اخرى من مدينة حمص ومناطقها مثل «الرستن» و «تلبسية» و»القصير» وغيرها. لكن ربما تكون مجزرة «كرم الزيتون» اكثر ايلاما من غيرها لعدة اسباب من بينها انها ارتكبت بحق ضحايا غالبيتهم من الاطفال والنساء، وهي اضافة الى ذلك تم تصوير ضحاياها عبر كاميرات الاجهزة النقالة ما سمح بعرضها لاحقا على وسائل الاعلام فيما لم تتوفر الفرصة لمجازر اخرى لأن تصور او ربما لأن الضحايا كانوا من الشبان والرجال.
لكن رغم ذلك تبقى المجزرة مجزرة بغض النظر عن هوية وعدد الضحايا واعمارهم واجناسهم او حتى الى اي دين وطائفة ينتمون. فما قامت به عصابات الهاغاناه وشتيرن في كفر قاسم في اربعينيات القرن الماضي في فلسطين وبغض النظر عن عدد الضحايا واعمارهم كان مجزرة، وما فعلته القوات الاسرائيلية في «قانا» في جنوب لبنان اكثر من مرة بحق اهالي المنطقة هو مجزرة، وما فعله هتلر بحق اليهود كان مجزرة، كذلك ما فعله صدام حسين بحق الاكراد حين استخدم السلاح الكيماوي بحقهم كان مجزرة. نحن نريد القول ان قتل عدد من الناس الابرياء هو فعل مدان مهما كان مرتكبه او الدوافع التي كانت وراءه.
من ناحية ثانية، لم تكن مجزرة «كرم الزيتون» هي المجزرة الاولى التي يرتكبها النظام السوري او قواته الامنية او مؤيدين له او «شبيحته»، لقد ارتكب هذا النظام مجازر عدة في الثمانينات على هامش حربه مع «الاخوان المسلمين» حين قتل اسر وعائلات بكاملها في مدينة حماه، وحين تمت تسوية الكثير من منازل المدينة بالارض فوق ساكينها. كذلك شهدت منطقة جسر الشغور في ادلب مجزرة مروعة في تلك الحقبة، وهي المجزرة التي احيا ذكراها الناشطون السوريون في العاشر من مارس الماضي. أيضا تم ارتكاب مجزرة بحق السجناء السياسيين في سجن صيدنايا عام 2008 راح ضحيتها العشرات.
ما نود قوله ان النظام السوري وحده من يتحمل مسؤولية تلك المجازر بغض النظر عن المنفذين الذين هم في النتيجة مجرد اداة، وهم لم يكونوا ليفعلوا ذلك لو لم يحظوا بالتغطية الكاملة لجريمتهم النكراء. هذا يجب ان يقود الى نتيجة واحدة مؤداها ان غريم وخصم الشعب السوري هو النظام السوري نفسه وليس زيد او عمرو من الناس، وليس جماعة او طائفة معينة ينتمي اليها من ارتكب ونفذ الجريمة.
ننحن ندرك ونعي تماما ان المصاب اليم جدا وان هناك الكثير ممن يفكرون بالانتقام، ومنهم من بات يحمل طائفة بأكملها مسؤولية المجازر التي ترتكب، لكن التفكير بمثل هذه الطريقة لن يقود الا الى نتائج ترضي النظام وتلتقي مع ما يرسم له، الا وهو ادخال البلاد في حالة من الاقتتال الطائفي بحيث يضل السوريون البوصلة والغاية الرئيسية التي ثاروا من اجلها، الا وهي بناء دولة الحرية والعدالة والكرامة واسقاط النظام بكل ما فيه من رموز.
ثم من ناحية اخرى، ان طريق الثأر هي طريق طويلة ولن تنتهي، فكلما امعن طرف في ارتكاب جريمة فسيرد عليه الطرف الآخر بارتكاب جريمة انتقامية، وهذا كله يقود الى متاهات الحرب الاهلية التي ستحرق معها الاخضر واليابس وتدمر السوريين جميعا.
هذا لا يعفي ابدا ابناء الطائفة العلوية وخاصة نخبهم السياسية المثقفة التي عانت من النظام مثلما عانى بقية السوريين من ان يقوموا بدور تاريخي في هذه اللحظات العصيبة لأن ترك النظام السوري «الاسدي» يقود الطائفة الى حيث يريد سيكون له عواقب لا تحمد عقباها على مصير ومستقبل الطائفة ككل. نقول ذلك لأننا نعرف تماما ان النظام او «العائلة الحاكمة» سيأتي يوم وتواجه مصيرها المحتوم، اما البقية من ابناء الطائفة فسيعيشون في سورية كما عاشوا فيها لآلاف السنين مع بقية اخوانهم من الطوائف الاخرى، وهذا يعني ان من مصلحة هذه الطائفة ألا تدخل او تسمح بادخالها في نفق الحرب الطائفية، خاصة اذا ما علمنا انها محاطة بمحيط ونسيج اجتماعي طائفي وديني مختلف وهو اكبر منها عدديا سواء على المستوى الداخلي او الاقليمي. ان خيار الطائفة بأن تحافظ على مسافة بينها وبين النظام لصالح المصلحة العليا للوطن السوري وثورته هو افضل الضمانات لها ولسورية المستقبل فيما لو اراد الجميع ان يعيش بخير ووئام وتحت حكم دولة القانون والمؤسسات.
من ناحية ثانية، فإن افضل انتقام لضحايا واهالي المجزرة هو الانتقام من الاسد ونظامه بحيث لا يصبح اهالي الضحايا او ممن يفكرون بالانتقام كما يتوقع النظام ويريد ويتمنى، اي ان يتحول الضحايا الى طائفيين، حاقدين، قتلة.
ان التحدي الحقيقي هو أن يبقى المنتفضون ومن اصابتهم الجريمة مخلصين للقيم والمثل التي جاءت الثورة السورية لأجلها الا وهي بناء دولة جديدة قائمة على القانون والعدالة والمحاسبة وعلى قيم التسامح، الشهامة، النبل، و المحبة، لأنه لو كان عكس ذلك فكيف للسوريين أن يصبحوا احرارا، اقصد لو تخلى الثائر عن القيم النبيلة؟
صحيح ان هناك من يقول ان الناس تغيرت بعد هذه المجازر المروعة وان الغضب والألم يجعلهم يقولون أشياءً أخرى الآن… لكن رغم ذلك نقول ان الغضب هو نتيجة منطقية وصحية وطبيعية لهول ما يحدث ولكن عند التفكير العميق بما حدث فإن الثائر لا يتحول إلى مجرم، وشتان بين المجرم والثائر. المجرم يقتل بغرض القتل اما الثائر فإنه مستعد للموت دائما من اجل قيم انسانية كبيرة يؤمن بها.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى