صفحات الثقافة

إليف شفق أعلنتها: أنا مزدوجة الميول الجنسية.. فضجّت تركيا/ عدنان نعوف

 

 

بات بإمكان الكاتبة التركيّة الشهيرة، إليف شفق، أن تتضامن مع نفسها بوصفها جزءاً من “الآخر” الذي لطالما شكّل محور أعمالها ومواقفها. الأقليّات بالانتماءات أو بالميول؛ المنسيّون والمقموعون والهامشيّون وكل مَن “هم ليسوا في المركز”؛ أولئك الذين تغنّت إليف طويلاً بمساندتها لهم، تُعلن اليوم أنها منهم وإنْ بشكلٍ غير مباشر.

“لم أكن أملك الشجاعة لأعلن على المَلأ بأنني مزدوجة الميول الجنسية Bisexual، فقد خشيتُ من السخرية والكراهية التي سَتلِي إعلاني هذا بالتأكيد”.

على منصّة TED حيث يتشارك الأشخاص المؤثّرون تجاربهم الملهِمة مع الجمهور، اختارت صاحبة “قواعد العشق الأربعون” أن تتحدث عن هذه النقطة في سياق كلمتها، الأمر الذي سيجلب لها انتقادات متوقّعة، لكنه سيملأ فراغاً كان أسير إشارات استفهام واحتمالات و”تلميحات” بالنسبة لكثيرين.

لكنْ مَن يَحكُم على هذه اللحظة من المُجاهرة بالميل الجنسي بوصفها ذروة لبناء متدرّج أو وضوحاً بعد تلميح؟ لا أحد سوى إليف التي أوصلت هذه الصورة عن قصد أو غير قصد، فسجلُّ تصريحاتها ولقاءاتها يحفَل بتفسيرات متنوّعة لاهتماماتها (على الأقل في ذهن المتابع)، فمرّةً تُرجِع اهتمامها بـ”الآخر” إلى رؤيتها لدور الأدب عموماً، ومرةً تقول إنها لاحظت (في نفسها) تركيزها في كل كِتاب من كتبها على قضايا المرأة والمثليّين والأقليات.

وبعيداً من الربط بين توجّهات إليف وبين حياتها الخاصة، فإنه من الواجب الإشارة إلى تخصّص هذه الكاتبة التركيّة بحثيّاً وعملياً، فهي الحاصلة على شهادة ماجستير في الدراسات الجندريّة ودراسات المرأة، والناشطة اجتماعياً على مستوى عالمي، والمعروفة بدفاعها عن حرية التعبير وإيمانها بالفردانية لا بالهويّات الجمعيّة القومية والدينيّة والثقافية.

بالنسبة للأتراك، لم يكن ليمرّ إعلان روائيّتهم وكسرها “حاجز الصمت”، من دون تجاذبات تمحورت حول تفنيدَ ما أشاعته عن تركيا كبلدٍ يثير مخاوف أصحاب الميول الجنسية الغريبة.

وضمن حملة الدفاع عن صورة بلدهم، أشار ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي إلى وجود “الكثير من المثليين والمتحولين في تركيا كما في أوروبا” ممن لا يخشون التعبير عن أنفسهم. ولتأكيد هذه الفكرة، انتشرت صورة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجمعهُ وعقيلته مع المغنّية المتحولة جنسياً “بولنت إرسوي” Bülent Ersoy، كما تطرّق البعض إلى سيرة المغني التركي الراحل “زكي موران” Zeki Muren المعروف بمثليّته، والذي عاش “من دون أن يحاسبه أحد على ذلك”.

والحال أن ما يسميه البعض “شذوذاً جنسياً” لا يتسبّب بعقوبة قانونية لصاحبه في تركيا (حتى اليوم)، لكنّ القبول الاجتماعي يظلّ محلّ قلق في بلد تتحكّم استقطاباته السياسيّة والإيديولوجيّة الحادّة في المزاج الشعبي.

بهذا المعنى، يمكن أن نفهم نظرة مجموعة من الأتراك لكلام إليف على أنه “إهانة لتركيا” داعينَ إلى محاكمتها وإسقاط الجنسية التركيّة عنها.

وسبق للكاتبة أن دخلت المحاكم في العام 2005 بسبب روايتها “لقيطة اسطنبول” التي تطرقت إلى قضية الأرمن ذات الحساسية في بلدها الأم.

وتعيش شفق في بريطانيا حالياً، علماً أن مسيرة حياتها امتازت بالتجوال والتنقل في مدن الغرب. فهي فرنسية المولد من والدين تركيين، ورافقت أمّها الدبلوماسيّة في أماكن عملها، واعتادت الحياة في غياب الأب عقب انفصال والديها.

ومنذ ذلك الوقت، ساهمت تجارب إليف في تشكيل صورة تركيا “اللاأبويّة” المشتهاة في وعيها، ما أوصلها إلى تبني وجهات نظر لا تنفصل عن واقع الاصطفافات السياسية، ومهاجمة من يحاولون جرّ هذه “الأمة الحائرة بين الشرق والغرب” إلى الخلف.

من هذا المنطلق جاءت الرّدود القاسية على الكاتبة، مزيجاً بين الشخصي والسياسي والديني والهويّاتي، وهو ما لا يعتبر غريباً على مجتمعها، إضافة إلى أن شفق متموضعة في صراع بين معسكرين تركييّن متنازعين يتجاوزان التمثيل الحزبي إلى الحالة الفكرية.

وفي مجمل التعليقات المنقسمة حول كلام إليف والبحث عميقاً في دوافعها، فقد تعرّضت لاتّهامات باللّعب على وتر تسويقي، وبأنها “كانت تتهرّب من موضوع المثلية بدايةً من أجل بيع كتبها”. فيما رأى البعض الآخر في اعترافها بميولها الجنسية، خطوة تستبق طرح كتابٍ جديد، أو حتى محاولة “لحصد جائزة نوبل”.

هذا التأويل بَلورهُ الصحافي في صحيفة “حرييت”، ومقدّم البرامج التركي الشهير أحمد هاكان، عبر مقال وضع فيه إليف- إلى جانب الكاتب أورهان باموق- بين مجموعة ممن أسماهم “مرضى جذب الانتباه”، صانعاً قائمة من شخصيات أدبيّة واجتماعيّة تشترك في هذه الخاصيّة، بحسب رأيه. واعتبر هاكان أنه “لو كانت هناك جائزة لمرَض لفت الأنظار، فالرابحة ستكون إليف شفق”. وسخر الكاتب من تبنّي مواطنته لقضايا عديدة رأى فيها تناقضاً، “ففي بعض الأحيان تجدُها ليبرالية، وفي أحيان أخرى صوفيّة، أو باحثة عن معنى الإنسان… والآن تتجه نحو الجنس”.

لكن، في مقابل سيل الانتقاد الجارف الذي تعرضت له شفق، فقد شهدت الساحة الإعلامية كذلك تعاطفاً ووعياً في التفاعل مع كلمتها، والفصل بين “روعة كتاباتها ونتاجها الأدبي وبين حياتها الشخصية”. بل واستهجن البعض التركيز على فقرة قصيرة من حديثها الذي استمرّ قرابة 20 دقيقة وتضمّن أفكاراً خلّاقة في الفلسفة والأدب، معلنين دعمهم لإليف “التي تُذكّرُنا بأن الإنسان له حق التفكير بشكل حر ومختلف”.

وذهبت كاتبة في صحيفة “صباح”، إلى التقليل من شأن ما أعلنته الكاتبة التركية، مشيرةً إلى أن الأمر لا يستدعي ما جرى من انقسام حول شأن خاص. غير أن الصحافيّة نوّهت، في الوقت ذاته، بأهمية المواضيع المتناولة في منصة TED، وختمت بالقول إن “هذا الإعلان فتح الباب أمام الناس ليعرفوا أكثر ويسألوا: من هم مزدوجو الميل الجنسي، وكيف يكونون؟”.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى