صفحات سوريةفلورنس غزلان

إليكم شعاع من ضوء قلبي وبصيرتي


فلورنس غزلان

مشوارنا بدأناه بشغف وظمأ ..مسحنا دموعاً جفت مخفية مرارة الألم الطويل..كانت الثقة بتاريخنا وبمحبتنا أكبرمن أن تهزها رياح المحيط المفتونة بالقتل والمفتوحة على الحرائق..وقفنا في وجه من امتلكونا بعساكرهم ..وغلاظة قلوبهم ..بموات ضميرهم …هجر الطالب مقاعد العلم..واستقال العامل والموظف من أبواب الرزق….فأرزاق تمنحها العبودية مكارماً من الأسياد ..لفظها المواطن كما لفظ الخوف ..حتى الرضيع كَبُر فجأة ونزع فمه من حلمة الحليب..مدخراً ميزانية الجوع لأحداق انفتحت بعد ليل مستديم…اتسعت دائرة الشوق لحلم أقفلنا دونه الأبواب ..وعانقت أملاً يحبو نحونا مفجراً كل ينابيع الجنون لعشق شعب مذبوح مصلوب ..مقتول في زنازين الرعب على أيدي القادة القوادين.

تعالوا معي يارفاق الدرب الشائك ..يا أولاد القهر المتجلط في دمكم خثرات موت بطيء ..غادِروا إرث الماضي مفسحين الوقت للحاضر والغد قبل أن تغادركم عجلاته المتسابقة نحو زهو الأمم بما تُنتج ..غادروا عالم الغيب وأسماءه الحسنى المبرجة بتيجان طاغوت يرتدي في كل عصر لبوس التضرع لربٍ لاينتظر منكم ألواناً ايمانية..ولايحتاج لسيوفكم المسلولة للدفاع عن سماواته ..فقد منحكم أبواب المعرفة المكنوزة في عقول لاتحتاج إلا للبحث عن مفاتيحها…

تعالوا نفقأ عين الحسد والحقد ونمزق دياجيره المفرغة قلوبنا من المحبة…المسكونة بوهج الموت ورد الفعل القاتل للروح ولللآخر..تعالوا نسمع نشيج أرضكم ..فقد هربت منها بركات العناق الأخوي وسكنتها فوضى الحساب والمحاسبة…بين الفرد وأخيه..تاركين صعاليك المرحلة يلهون بكم ..منسربين من بين أصابعكم…..لاتطيلوا الصخب الفاضح والماسح لطاقاتكم..لاتطيلوا الصخب في سؤال مَن منكم الأول ومَن هو التالي..من هو الأجدر ومن هو الأقدر..من هو المخلص الوفي ومن هو الخائن…فقط ارقبوا كم ضيعتم من الدم المنهمر مطراً من سحابات القصف …فقط لاتتوقفوا عن نقل خطواتكم بين صفوف الأجساد المتمايلة على أنغام العشق الوطني ..أنغام كشف المستور والصبر النافر من العيون….والصمت المقصود يهتف باسم الحدائق الباكية أطفالا ونساء …ماتوا ولهفتهم عالقة فوق شفاههم تبشر باقتراب الحلم يشعل قنديل الانتظار …فلماذا تخلطوا بينه وبين شموع الاحتضار؟؟ لماذا يحمل الصديق بندقية أثقل من قدرة كتفيه .و.ينتظر عتمة الليل ليصطاد زميله…الغائب عن صولات وجولات السياسة..؟…لماذا نحول عشقنا للحرية ولهاً مسلحاً ببندقية؟ وكأن النبض الساخن في عروقنا اشتعلت نيرانه فلم تعد تميز بين سلاطين العسكر وسلاطين العمامات..وغرقت في أسماء السلف الصالح والطالح..فأصيبت بعمى ألوان يحضر بمقتٍ ملحوظ في حواري مُدننا…

تعالوا يا رفاق الطوفان..يا أصدقائي في المدن المغتالة نشرع نوافذ قلوبنا للمحبة ..علَّ هواءها يلفح الغائبين المُغَيبين عن أماكنهم في حقول الوطن…تعالوا …نخوض في عمى الفوضى..نرتب بيتها ونرويه ماء عيوننا ووميض نهاراتنا..ومفردات العشق الأجمل في لغتنا…نُشَكِل منه معاقل أُلفة …وبيادر غفران تمهد لطفولة لم تولد بعد ..نسهر على راحتها…من الآن …قبل أن نئدها بأيدينا…قبل أن نُفجع بتشويه روحها …قبل أن نيتمها قاصدين أو غافلين..

أسألكم بحق الراية المنصوبة ظفراً بأيدي أجدادكم ..أسألكم باسم المرأة التي ولدتكم وتزوجتكم لتكاثروا في الأرض..أسألكم بصوت التائه بين ألعابكم النارية ألا تغرقونا في حرب أهلية…ألا تسقطوا في مصيدة أعدتها بيارق الأسد الغبية..أسألكم بحق الأسماء المنذورة والمهدورة من أجل الضوء القادم والفجر الآتي..أسألكم باسم سوريتنا وبحق أخوتنا ألا تأخذكم حمية العشيرة وعصبة المذهب فتزف شظايانا عرساً للطاغية ينام ويستقر على وجع تشظينا…أسألكم ألا تغرقوا في اللون الأسود القادم من الماضي المُشَّرب بالمذابح والعابر في خواطركم… ألا تجعلوا هاجس الفردوس الموعود غايتكم المنشودة..بل فردوس الأرض السعيدة في الشام العتيقة..أسألكم باسم المساجد والكنائس..حيث ولدت أمتكم وتناسلت بذرتكم..أن تحفظوا إرث التنوع …ألا تأخذكم حمية الخرائب …على حساب حمية المواطنة….أسالكم باسم سنين الجوع والبرد والمرض تجمعكم على مقاطعة الطاغية وتوحيد قلوبكم الصافية..أن تمنحوا الدفء للقلوب المكسورة وتغسلوا درن النفوس المثقوبة…وتنتظروا مع العائدين من غربتهم المفروضة..مع الفجر القادم رفاقاً للشمس..للكلمة الصادقة …لليد المدودة ..ألا تؤججوا نار الحقد وألا ترتكبوا حماقات تندموا عليها وتغسلكم من تاريخكم ….لاتقتلوا النوارس الباحثة عن غذاء أطفالها في مياه اليرموك والفرات والعاصي..باسم حرية لن ترى النور بسلاح الفتك والقتل الأعمى…فالقوارب المثقوبة لاتوصلكم لبر السلام ولا لحلم رصفنا مداميكه حجراً فوق الآخر…وأنتم نيام في كنف السكوت والصيام….أعدوا خيول ذاكرتكم وخيول لغتكم ..أشعلوا قناديل الوئام..ففي حضن المحبة يولد الحلم ويَعُم السلام.

ــ باريس 19/5/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى