صفحات الثقافة

إمبرتو إيكو: ورشةُ الروائي وأسرار الصّنعة

 

أحمد المديني

1ـ كل ما كتبه إمبرتو إيكو خضع لنظام، واندرج في خطة عمل، وانضبط لمنهجية لا تعرف الخلل، وذلك نهج طبيعي لمن تدرج في مراتب المعرفة الموسوعية ثقافة ومفاهيم ومدارس ولغات، غرف منها مجتمعة، ثم انتقى حيث ينبغي له الإختصاص، ويجدر به المساهمة في حقل هذه المعرفة التي نجدها في مصنفاته تبحر في عديد اتجاهات، فيما هي مكرسة لشاغل فريد ومقنن، موضوعه دراسة الجمال بأدواته، ومنهج السيميائيات، المعيّنة والمؤولة ككل.

2ـ ليس إيكو خلافا لشهرته الإعلامية التي عممتها صحافة أدبية متعجلة، نصف متعلمة، عالما ولا أديبا سهلا، متاحا لمن يشاء، بل هو متطلب، صعب المراس، متحايل، يصطاد قراءه بسهولة خادعة، فيما يحتاج منهم إلى ثقافة القراءة، وخبرة المتابعة، وتجربة الاطلاع على الأمهات والتنقل الماراتوني بين الاستشهادات والإحالات، من روافد وآفاق شتى ولا نهائية. وأنت لا يمكن أن تدخل عالم، أبحاث إيكو، شأنك مع بول ريكور، كما تشاء وتخرج منها أيضا كما تحب، من أي كتاب أو مبحث، لأنها مترابطة، متآزرة كالسند، ونظرا لأن صاحبها ذو مشروع فكل تأليف هو إنجاز مرحلي في طريقه، وهو عندما قرر الانتقال من البحث السيميائي، ونظريات الجمال، مفاهيم وتطبيقات، إلى النص السردي التخييلي، فإنما ليبرهن على أصالة المشروع وتعددية وجوه مرآته، مراياه العاكسة، لأكاديمي متفرد، بصيغة الجمع.

3ـ اقتحم إمبرتو إيكو مضمار الكتابة الروائية متأخرا، بعد أن حقق منجزا بحثيا كبيرا ورائدا، ترسخ به موقعه، وهو الإيطالي الجنسية، كباحث أنغلوفوني، بدأ مسيرته العلمية متخرجا من قسم الفلسفة بجامعة تورين ببحث عن توما الإكويني (1954) وبأطاريح عن علم الجمال في العهد الوسيط، وكتابه الشهير:’ العمل المفتوح'(1965) تلاه’ البنية الغائبة’، وتتالت دراساته في مباحث التأويل وفلسفة اللغة والسيميائيات، والتنويعات على ظواهر العصر في كتابات طريفة ومجددة رسخت موقعه في الوسط الأكاديمي ببلاده، والعالم الأنكلو سكسوني بأجمعه. جاء الانتقال إلى الرواية مدعوما بهذا الرصيد، ووفرت هي ذيوع الصيت لمن سيبيع 17 مليون نسخة، مترجمة إلى27 لغة من روايته الأولى: ‘إسم الوردة’ (1980)، تلتها ‘بندول فوكو’ (1988)، ‘بودولينو’ (2000) انتهاء بروايته السادسة والأخيرة: ‘مقبرة براغ’ (2010).

4ـ ولد إيكو سنة 1932، أي أنه بلغ اليوم ثمانين حولا، وهي مناسبة ملائمة كي يحتفل هذا العلم بتاريخه المعرفي الأدبي، وهو لم يجد أفضل من الحديث عن الرواية، كنوع من رد الجميل لهذا الجنس الهرمي، كي يراجع ويمئسس تاريخه الأدبي في ضوء مراس طويل، بعد أن كان قد أصدر كتابا منوها بها عنونه: ‘ست جولات في غابات الرواية وسواها’.

بيد أن الأمر هنا يختص بالتجربة الشخصية، وتحمل هذه أربع علامات ينبغي أن تُقرأ بواسطتها كمفاتيح ومنارات: العلامة الأولى، هي اسم المؤلف، يسترجع القارئ بمجرد معاينته على صدر الغلاف مرجعية كاملة ستقود خطاه في القراءة وتلزمه بتبعات، إذ تحول إلى إسم أيقوني. الثانية تتسمّى ‘اعترافات’، (Confessions) والاعترافات إذ تتضمن معنى البوح والإقرار، تنسجم حسب المدلول العقيدي المسيحي مع دلالة الخطيئة وطلب الغفران، ووراء هذا القسم من العنوان ما وراءه. أما العلامة الثالثة، وهي الأفصح وعندنا الأبهر، فمنطوقها هو:’Un jeune romancier'( روائي ناشئ)، بذا يكتمل عنوان الكتاب الجديد الصادر لإيكو بالفرنسية مترجما عن قلمه بالإنجليزية:’Professions dun jeune romancier ‘(Paris,Grasset,2013)، وهو موضوع هذه المقالة ومناسبتها وظلالها.’

5ـ هو موضوع عنانا منذ فترة خلت، حفرنا في بعض تضاريسه وقلّبنا منه تصانيف(أنظر كتابينا: ‘عمل الكاتب، والكاتب يعمل’ و’النحلة العاملة، صناعة الكاتب العربي’ (أزمنة، عمان 2007 و2011 ) كما اشتغل فيه غيرنا بنظر ثاقب، الشاعر أمجد ناصر تحديدا بعناية من يبحث ويتحسس لمسات وكيفية تشكل تجربته الإبداعية، ويفيد من تجارب الآخرين، في آن. والحقيقة أن كثيرا من أدباء العربية لا يولون هذا الموضوع ما يستحق من الحرص، أو ربما لا يفهمونه على وجهه المناسب، تراهم يخوضون فيه كيفما اتفق، أو بسرد ذكريات ونفض خاطر، بينما نحن هنا أمام مختبر الكتابة، شروطها وعُدتها وتدابيرها وحِيلها وما يتأتى عموما وخصوصا من عمل كل كاتب على حدة، إذ يتعلم منه غيره، يصلح أداة لفهم العمل والنفاذ لدهاليزه، وإن كان علينا الانتباه إلى أن حَفْرا من هذا القبيل لا يتأتّى ويجوز، بل يُستحب، إلا لمن يتوفر على رصيد أدبي ذي بال، وشرعت أعماله تسري في مجرى نهر الكلاسيكية العظيم، وإلا فهو قبض ريح.

6ـ لا عجب أن يعمد إمبرتو إيكو إلى هذا التمرين، والاعتراف، الذي هو بوح بأسرار الكتابة، هناك من يتأبى إذاعتها كأنها سر رباني، للاحتفاظ بغموض مصطنع ومُهوّل، ولم لا بداعي حفز القارئ كي يخوض بجهد القراءة المثابرة هذه العملية الشاقة، فليس في النهاية أفضل من النص مهادا وموئلا، بإجماع فقهاء الدرس النقدي الجديد، فوق كل تأويل أو فذلكة إضافية . وصاحب ‘اسم الوردة’ مؤهل لخوض هذا الغمار، والعبور بذا التمرين الخطر، لا يكتفي فيه البائع بعرض بضاعته، لنقل فاكهته، بل الحقل الذي زرعت فيه وكيف نمت، وبأي سماد ترعرعت إلى أن نضجت فقُطِفت، وها هي يانعة مشتهاة، أو ذابلة في بوار. من المؤكد أن من يقدم على عرض كهذا يملك حظا ضروريا من الجاذبية والإثارة، الشهرة أحد أطرافها، إنما العالم المطروق، سحريتُه ، وشجاعة إقدامه على اقتحام ميدان الرواية الذي سبقه إليها عمالقة جددوا في كل أفق ومنحى، حتى لتظن أنهم قلبوا الأرض والإنسان ظهرا لباطن، الوعي واللا وعي، التذكر والمنسي وما بينهما، وصولا إلى اختراق الغد المجهول.

إنما الطريف أن يأتيك هذا الرجل المدجج بالثقافة الموسوعية، والمعرفة الفلسفية، والتحصيل اللغوي، والمهارة السيميائية، والإلغاز الكهنوتي، والخيال الخصيب، وبعد أن طبّقت شهرته الآفاق، وصنع روايةً على غير طراز، لأننا هنا فعلا كما سنرى بصدد صناعة كاملة، لا تكاد تعترف بالموهبة، أو إنها تزدري اعتبارها قطب رحى الفعل الإبداعي. هل هو قول يدفع به الروائي المتأخر شكوك من سيعتبرونه، أو اعتبروه دخيلا على حرفتهم، ومجال نبوغهم الوحيد؟ جائز، إنما ينبغي أن نحمد له تواضعه، وهو ملتبس، مراوغ، أن يعدّ نفسه مجرد روائي ناشئ، وفي الوقت ليحافظ على مكانته الأكاديمية، أم تراه يحب إغاظة الجميع؟ أيا كان الأمر، لابد من الوقوف في مدخل قراءتنا للكتاب (وبالمناسبة نحن لا نلخص أقوال الصحف، أو نقتات على التعليقات المبتسرة، هذه الشوهة الصحفية العربية!) على أول درس يسجله الروائي، لدى كتابة عمله البكر، قوله:’ إن ما يسمى ‘الإلهام’ كلمة رديئة جدا، يستخدمها مؤلفون مخادعون ليظهروا محترمين فنيا. وكما يقول المثل القديم، فإن العبقرية مصنوعة من عُشُر الإلهام، وتسعين في المائة من الجهد والعرق'(16). دليله أن النقد الأول الذي قوبلت بت به ‘إسم الوردة’ اعتبرها مكتوبة تحت تأثير إلهام نوراني، وبسبب صعوباتها المفهومية واللغوية كانت مخصصة لجمهور نخبوي ذي حظوة، وحين تحقق لها الذيوع المعلوم عاد النقاد أنفسهم ليقولوا إن تدبير أمر كتاب ذائع وشعبي ومسلٍّ، فإن مؤلفه توفر على وصفة سحرية، وزادوا قائلين إنه وُضِع حسب برنامج معلوماتي، وهذا قبل أن تظهر المعلوماتية.

7ـ ونظرا للشهرة العالمية لـ’إسم الوردة’ حرص إيكو في اعترافاته على تنوير قرائه المتعطشين، مبينا أنها لم تأخذ منه أكثر من عامين نظرا لمعرفته الشافية بالقرون الوسطى، من هنا أطروحته في الموضوع، ناهيك عن جولاته للاطلاع مباشرة على مآثرها وكاتدرائياتها، لذا حين: ‘قررت كتابة [هذه] الرواية، فكما لو أنني فتحت دولابا كبيرا، حيث راكمت ملفاتي مدى سنوات، وكل موادي ملء يدي، وليس عليّ سوى أن أختار ما أنا بحاجة إليه’ (19). أما رواياته اللاحقة ف’يعترف’ بأنها أخذت منه وقتا أطول: ثماني سنوات، ل’بندول فوكو’؛ وستٌّ ل’الجزيرة..’و’بودولينو’ وأربع سنوات فقط لـ’الملكة لوانا’ بفضل ما توفر في الطفولة من قراءات ورسوم وتسجيلات وقصاصات صحف.. يستخلص المعلم إيكو من هذا الدرس التالي: ‘الرواية ليست ظاهرة لغوية، فمع الشعر يصعب ترجمة الكلمات إذ المهم هو جَرْسُها، وكذا مراد تعددية معناها، حتى إن اختيار الكلمات هو ما يحدد معناها. خلافا لهذا، ف’العالم’ الذي يبنيه المؤلف، والأحداث التي تقع فيه، هو ما يملي الإيقاع، والأسلوب، بل واختيار الكلمات. هكذا، تخضع القصة للقاعدة اللاتينية:’ اقبض على موضوعك، والكلمات ستتبع، بينما علينا قلب هذه المقولة مع الشعر قائلين: ‘إقبض على الكلمات، والموضوع سيتبع’ (22 ـ 23).

8ـ يعترف إيكو أنه كثيرا ما يواجه بذلك السؤال التقليدي: ‘كيف تكتب؟’ فيحلو له الجواب بلا مبالاة: ‘من اليسار إلى اليمين’ مع الحرف اللاتيني طبعا، ثم ألفى نفسه يتعامل بجد مع هذا السؤال، وهو ما يفصل الجواب عنه في الكتاب الذي نحن بصدده، بتدقيقه في عديد أمور يحتاج كل كاتب جدي ومحترف، أن يلم بها ويكون له فيها رأي وخبرة، فزيادة على الثقافة، التي يعتبر الأكاديمي الإيطالي الكبير ضمنا أنها ركيزة العمل، وخاصة لمن يقارب مواضيع ومسائل تدور في عوالمه، فإنه يؤكد الاتصال الحسي بالأشياء، التحقق المباشر للكائنات والمرئيات، وله في هذا تجارب ونوادر. فماذا أولا عن كيف يكتب، يلح القراء، وهل من منطلق تصميم أم فكرة مسبقة بالذات؟ لا يقدم لنا أي تصميم، اللهم قبس لحظة، مثل الرعشة التي انتابته لدى ولوجه خزانة في كنيس قديم، حيث تصفح مجلدا ضخما غارقا في شبه عتمة، ووجهته هذه الرعشة ـ اللحظة نحو الرواية الأولى. بينما مع ‘بندول فوكو’ كانت رؤية البندول في باريس قد ترسبت في الذاكرة من أثر زيارة بعيدة، تاركة تأثيرا عظيما. بينما كتب روايته: ‘جزيرة ..’ بتأثير من سؤال لصحفي فرنسي: ‘لماذا تحسن وصف الفضاءات؟’ وهو ما يبين عمليا كيف أن إيكو يولي الوصف أهمية قصوى فيذرع الشوارع والأحياء لمسافة كلمترات، كما حدث له في باريس أثناء إعداده لرواية البندول، وهو يملي أسماء وعلامات الأزقة والعناوين في مسجل فوري، ويتجشم المشاق والأسفار للوقوف على الأماكن التي تصنع فضاء رواياته، وحيث يتحرك أبطاله، يعبر القارات، شمالا وجنوبا، لجمع المعلومة، والأهم لاختبار أوضاع وأحاسيس شخصياته من خلال وضعه الذاتي في الموقف المحدد، وهو ما يحدث ضربا من التماهي التام مع الواقع، ولكن في الظاهر فقط، لأن التخييل، أي تصور ومقاصد الكاتب تتدخل بطرقها الخاصة لتحريفه وإخضاعه لها.

9ـ ثمة عنصر آخر جدير بالعناية عند إيكو، يختص بعلاقة الفضاء باللغة التي ترسمه، إذ يرى أنه:’ متى ما رسم المؤلف عالمه الروائي الخصوصي فإن تتبع الكلمات تلقائيا، وهي ما يحوز العالم المخصوص'(28) لذا جاء أسلوب’اسم الوردة’ من طرز معلق قروسطوي، أي دقيق، ساذج وضحل. في البندول، يقول إنه احتاج إلى تعدد سجلات الكلام بما يتوافق مع مستوى وطبع كل شخصية، لغة مثقفة تنسجم مع(أغليي) وبلاغة فاشستية بالنسبة لـ(أردنتي)، وأسلوب مزركش مع(غراموند). وكذلك الشأن في ‘جزيرة..’ حيث مثلت الحقبة الثقافية العامل الحاسم في تدبير اللغة، أثرت على الأسلوب، طبعا، وبالذات على بنية الحوار المستمر بين السارد والشخصية. وهو يذهب إلى حد نحت واصطناع لغة ومفردات تنسجم مع أوضاع شخصياته في حقبة تاريخية اندثر تماما كل أثر لغوي عنها، على غرار ما فعل في بودولينو، ووجده اللغويون الإيطاليون مناسبا فعلا للمرحلة، كأنها لغتها( انظر تفصيله في29ـ31).

10ـ لن نستطيع الوقوف على جميع المسائل والنباهات التي فطن إليها هذا ‘الروائي الناشئ’ الذي كان بالأحرى ناشئا، وأضحى اليوم مُعلما كبيرا لهذا الفن، ففي مسار ثلاثة عقود، وست روايات مثيرة وعالمية، توفرت له خبرة المحترف، ووصفات لكل حالة ومحطة في معالجة الكتابة الروائية، لا يقدم عنها هنا إلا الخلاصات والإشارات، ببعض الأمثلة، لا يفوتنا في هذا المقام لفت النظر لمقام القارئ، يضعه إيكو في صلب تكوين عمله، شاجبا بأنه:’ ليس من زمرة الكتاب الرديئين الذين يدعون أنهم لا يكتبون إلا لأنفسهم’ (37) . فضلا عن محور التلقي وصل مؤلف ‘بودولينو’ إلى شأو بعيد في فهم وتصنيف قرائه وعلاقته بهم، بوصفهم طرفا أساسا، ومخاطبا منتجا في رواياته، لأنهم مع النقاد يصنعون التأويل، وهم غير مشروطين بنواياه، والكتاب يؤول: ‘وفق استراتيجية مُركبة تدرج فيها القراء وقدراتهم في لغتهم، بوصفها كنزا اجتماعيا، أي بما يتعدى القواعد النحوية، إلى موسوعية استعمالها التي تشمل الأعراف الثقافية والتأويلات السابقة لنصوصها، بما فيها النص الذي بين يدي القارئ’ (51). وفي ضوء هذه العلاقة والفهم، يصنف القراء إلى: قارئ نموذج، وهو من يقرأ النص في ذاته، بما يحويه، وكما وضعه مؤلفه، وليس كما يريده، وهو وضع القارئ الحرْفي، المتطلب، يخضع النص المحكي أو يبغي أن يتطابق حرفا مع الواقع، وهنا يروي لنا إيكو حقا طرائف جمعته بقراء عينوا ووضعا تصاميم لأماكن ومسارات اعتبروها هي الصحيحة في رواياته، والقصد أن هؤلاء القراء يستخدمون النص أداة لتحقيق رغباتهم ومطابقاتهم، خبرية أو عيانية، كهذا القارئ الذي جادله في إهماله لحريق كان مشتعلا بالضبط من حيث مر وهو يصف مشاهداته لإحدى رواياته.

ـ يمضي إمبرتو إيكو في ‘اعترافاته’ لتشمل المكون الرئيس لكل رواية، أي الشخصية، ويتوقف هنا عند نقطة جوهرية تتصل بطريقة فهمها بين الواقع والتخييل، وهل من إمكانية للحسم بين قدراتها في هذين المستويين، وفي الوضع التخييلي الذي تبدو عنده أكثر إقناعا بما يبز ‘الخبرة الموسوعية’ مثل المقارنة بين صحة انتحار هتلر وانتحار أنا كارنينا، حيث تقنع هذه بمصيرها في الرواية أكثر من زعيم النازية في الواقع. ما يفضي إلى محصلة أن ‘نوع التحقق التخييلي في هوية الشخصية الروائية، كما نتصورها ونتعامل معها، هامة للغاية لتوضيح الفكرة التي نحمل عن الحقيقة'(108).

11ـ وفي الاختيارات الكبرى للروائي تشغل ‘اللائحة’ أي سجل ما نعرفه، نحتاج إليه، نتوفر عليه، نخزّنه، ويشغله المؤلف في عمله وفق حاجة بعينها، وهذا دأبه، مع ضربين من اللوائح: واحدة براغماتية، وثانية إستطيقية، وفي الحالتين هناك دوال ومدلولات. والحاصل، فالكاتب (إيكو، هنا) وقد نبذ الموهبة وحدها يظهر وهو يعمل في ورش ضخم، وبخبرة موسوعية، وتجريبية، لا يترك شيئا للصدفة، ينشئ عالما آهلا بالكائنات والأشياء والخيالات والأسرار، أجل فهذه حرفة لها أسرارها، وهو ما يعترف إيكو بأنه لا يستطيع البوح به:ف: ‘لكي تكتب رواية ناجحة على المؤلف أن يحفظ في السر بعض الوصفات’ (35)، وهذا بالضبط ما فعله هذا الروائي الناشئ، فقط، فتفكروا يا أولي الألباب’!

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى