صفحات المستقبل

إمتحان العين في سوريا/ روجيه عوطة

 

 

هنا الإبادة السورية. كل صورة من صورها تحيلنا إلى المأساة. نظام الأسد يواصل القتل. “جبهة النصرة” و”داعش” يحاولان تقليده. الثوار السوريون لا يتوانون عن الصمود وترسيخ الحضور. أما “المجتمع الدولي”، فيكفي أنه يستمر في الصمت، حتى يكون مشاركاً في الجريمة. هذا ما يستنتجه المرء حين يزور موقع “genocideinsyria“، الذي أطلقته مجموعة “Free Syria Media Hubb”. إذ تتعب عينه من جراء أمرين على الأقل. أولهما، العنف الغليظ والمتشظي، الذي تحويه الصور، وثانيهما سعيه المؤلم إلى مقاومة الاعتياد عليها.

ففي حال جرى ذلك، يتنازل عن الدليل الدامغ على المجزرة، التي ترتكبها السلطات البعثية بحق السوريين. ربما، وموازاة الهدف من الموقع، أي حث زواره على الإلتفات نحو الكارثة النظامية، من الممكن القول أن “الإبادة في سوريا” يدفعنا إلى نقد حاسة النظر، والوقوف على التقاطها الأحداث، والتفاعل معها. لنقل أن صور المذبحة تمتحن عيوننا، التي تجد صعوبة في المشاهدة، وفي اللاتآلف مع القتل.

يصعب هذا الإمتحان أكثر فأكثر، حين يواجهنا الموقع الإلكتروني بسرده الإستفهامي، بحيث أنه لا ينشر الصور والفيديوات فحسب، بل يستمد الأسئلة منها أيضاً. فيطرح إستفهامين رئيسين تحت ألبوميه، الأول والثاني، “أين العدالة؟”، و”مَن سيحميهم؟”. والحق، أن الأجوبة عنهما، وبالعطف العيني على الصور، تصبح ضرورية للغاية، لا، وبل تصير إلحاحها مؤلماً، لا سيما أنها ليست، حتّى اليوم، قاطعة بشأن إسقاط النظام ومعاقبة عصابته.

هذا الواقع يدفع الزائر إلى الحزن، ومن ثم، ينقله إلى الغضب. حينها، يقف عند مفترق طرق. إما أن يذعن للسخط، أو يتنفس قليلاً، مقرراً بذل ما بوسعه من أجل المساعدة. على هذا الأساس، يتذكر أن استسلامه بالعين سيكون خطيراً، إن لم ينتبه إلى طريقة نظره. فثمة في كل صورة منفذ ما، قد يعينه على تسييس المشهد، والإبتعاد قدر الإمكان عن تحويل السوريين إلى مجرد ضحايا، لا حول لهم ولا قوة. وقد تكون الصور، التي تنطوي على أكثر من منفذ، هي التي تمثل النجاة من القصف، أو الإغتيال، أو التعذيب المنظم.

فداخلها، يظهر السوريون قادرين على إنتشال بعضهم البعض من تحت الركام، وعلى سحب جثث رفاقهم الهامدة، أو أجسادهم، التي لا تزال على قيد المقاومة. بعد صور النجاة، تحضر صور الشفاء، أو الإعانة الطبية، حيث يظهر الناجي من الإبادة، وإلى جانبه مَن يساعده، ويقف على أحواله. يُضاف إلى التصويرات هذه، شكلاً آخراً منها، خلاصتها تكفين الموتى، أو دفنهم. وبالتوازي مع هذه الوثائق الفوتوغرافية، ثمة بورتريهات السوريين، الأطفال والبالغين، التي تشير غالبيتها إلى الإصرار والشجاعة، وتالياً، تحدي القاتل، ومحاولة هزيمته بالوجه، الأعزل، صحيح، لكنه، وفي الوقت نفسه، مُدين. إذ أنه يتوجه بنظرات الإتهام إلى كل مسؤول عن استمرار المجزرة، أكان داخلياً، أو إقليمياً، أو عالمياً. وهذا يعني أن نظرة السوري ليس ضحوية، أو بالأحرى لا يصح أن تكون على هذه الحال، فهي نظرة السائل، والمدين، والباحث عن أجوبة بحسب إدانته.

في هذه الجهة، تطرح صور الإبادة في سوريا إشكاليتها، التي تتعلق بإمتحان تسييسها. ذلك، أنها تطالب العين بأن تتغير من دامية إلى مُدينة، أو متَّهِمة، كي تصبح قادرة على مشاهدة أبعادها، والنظر في مضمونها العنيف. فعندما تتوجه العين إلى هذه الصور من نواحي الإدانة، والبحث في محاكمة القاتل، واسقاط نظامه، تستطيع، بهذه الأفعال، أن تخفف من ألم حاملها، دافعة ً إياه إلى قراءة الواقع السوري بعيداً من الضحوية، التي قد تشكل “قضية إنسانية” بحتة، وبالتالي، من السهل الإتجار بها.

كما لو أن الإستسلام لصعوبة النظر في الصورة السورية، يمهد السبيل نحو الخضوع لسهولة الإتجار بثورة السوريين، بعد أن تُسمى “أزمة”، أو “قضية”. لا شك أن صور الإبادة قاسية، ولا شك أن الناظر إليها ستعترضه الكثير من العوائق، كي يقع بعينه عليها. غير أن ذلك، ما يجب أن يؤدي إلى تحول المُشاهد إلى مشارك في تصيير السوريين مجرد ضحايا، وبدل انتقاله من مشاهد إلى مساعد، يكتفي بألمه، الذي من الممكن أن يسكّن اللسان، فتستمر المجزرة، وتتضاعف صورها، التي لا يسود سوى “الصمت” أمامها.

 

http://www.genocideinsyria.org

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى