صفحات مميزةميشيل كيلو

إمرة الجهل/ ميشيل كيلو

 

 

يخبرك كل من يأتي من الداخل السوري أن هناك خطرين يهددان بطي صفحة ما بقي من الثورة والجيش الحر، هما أمراء الحرب وأمراء الجهل. وقد كتب الكثير عن أمراء الحرب، وبيّن كتاب كثيرون ضررهم الجسيم على الطرف الآخر من معادلة السياسية السورية، المعادي أو المضاد أو المعارض للنظام، وأكدوا أنهم جهة تقوض الثورة، وتكبح انتصار الشعب، وتتعارض مصالحها مع مصالحه، لكونها تعمل بأساليب، يمليها، في أحيان كثيرة، تدني وعيها وغربتها عن الواقع ومصالحها الضيقة والأنانية.

وقد تضخم عدد أمراء الحرب والجهل، وتعاظم دورهم في تخريب الثورة، لأسباب بينها تغييب معظم من أطلقوها عن الساحة والوجود، بقوة العنف السلطوي، ورد النظام على التظاهرات الشعبية بطرقٍ، استهدفت تشتيت الحراك، وجعله محدوداً في المكان ومتقطعاً في الزمان، وتعزيز الدور المتزايد للعنصر العامي المغرق في المحلية، والذي يفتقر إلى العلم والمعرفة الضروريين، واتسام وعيه وسلوكه باللاعقلانية أو التقليدية، علماً أن النظام خطط لوضعه على رأس حراك كل حارةٍ، أو محلةٍ، أو قريةٍ، أو جزء من بلدة أو مدينة، وأراد له أن يقود قطاعات من المجتمع الأهلي، يغلب على وعيها الطابع العامي والتقليدي/ المحافظ، فلا عجب أن انعقدت بسرعة صلاتٌ وثيقةٌ بينه وبين رجال دين محليين، أبدوا مثله شجاعةً لافتةً في الشارع، غير أنهم افتقروا، مثله، إلى وعي سياسي حديث، تراتبي وواقعي، بينما تلاشى دور الطرف الآخر من الحراك: المدني، المتعلم والحديث نسبياً، تحت وطأة قمع سلطوي لا يرحم، سعى إلى القضاء عليه، وفرض تداولاً انحدارياً داخل النخب التي تقود الشارع، نزل بمستواها بمرور الوقت.

ولعل مما يثير الاستغراب، الممزوج بالإعجاب، وجود شبانٍ، لا تزيد أعمارهم عن ثلاثين سنة على رأس “كتائب وألوية”، حولهم دورهم إلى سادة في حارتهم، أو حيهم، أو حتى في عدد من الأبنية، فإن كان انتشارهم قرب طرق إمداد حيوية، أو في مواقع حاكمة مكانياً، أو مناطق نفطية، أو عند صوامع حبوب.. إلخ، مكنهم انفرادهم بالأمور من تحقيق صعود سريع، في سلم اجتماعي جديد، تسهم في تشكله فوضى الحرب، والبعثرة التنظيمية والمكانية، ويوطده غياب سلطة دولةٍ بديلةٍ وقويةٍ، في المناطق المحررة، الخاضعة في أحيان كثيرة لـ”أمراء حرب”، تحول انتصار الثورة إلى آخر همومهم، بل صار لهم مصلحة في استمرار العنف، وغدت أبواب كثيرين منهم مفتوحةً على علاقات ومصالح بعيدة، كل البعد، عن مصالح الشعب، بما في ذلك علاقات مع النظام الذي يستخدم بعضهم لاختراق الثورة، وعقد هدن مذلة، واتفاقات وقف إطلاق نار، تخفف الضغط عنه، وتحرر بعض قواه التي يريد استخدامها ضد مناطق أخرى. واليوم، توجد أمثلة متنوعة، تؤكد سير عدد متعاظم منهم في عكس الاتجاه الذي بدأوا مسارهم منه: مسار الثورة.

مثلما تفسد السمكة من رأسها، تفسد الثورة من قيادتها، من قادتها هؤلاء الذين يقوضون، أكثر فأكثر، فرص نجاحها كثورة، ويضعونها أمام معادلةٍ، لا تبقي لها أي خيار آخر، غير أن تقضي عليهم، كي لا يقضوا عليها.

جميع حقوق النشر محفوظة 2014

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى