صفحات الناسوليد بركسية

إنطلاق “الإخبارية السورية”: إعتراف مبكر بالفشل/ وليد بركسية

 

 

بعد أربعة أعوام كاملة، أنهت قناة “الإخبارية السورية” حقبة طويلة جداً من البث التجريبي، وانطلقت بحلة جديدة، مخيبة للآمال، كما كان متوقعاً. لا جديد في ما تحاول “الإخبارية” بلورته ضمن بثها الرسمي المستحدث، بل مزيداً من الخشبية والتصنع أمام الكاميرات فقط، في معادلة إعلامية يشكل فيها الجمهور عنصراً فائضاً عديم الأهمية.

البداية جاءت متوقعة وكلاسيكية “بالنشيد العربي السوري” تلاه لقطات لكادر المحطة والتحضيرات التي سبقت إطلاق البث الجديد، قبل أن يطل مدير “الإخبارية” عماد سارة في كلمة شديدة الرسمية والملل والتملق: “سلام الله عليكم من دمشق أقدم عاصمة في التاريخ وأكثر القلاع صموداً عبر الأزمنة”، كما قال، محاولاً عكس هالة من القدسية الدمشقية الكلاسيكية نحو القناة بأسلوب مكرر، واعداً الجمهور بأن تكون الإخبارية “أول منبر إعلامي يواكب الحدث وفق مواثيق المهنة”.

تبدو مواثيق المهنة التي يتحدث عنها سارة “قيمة عليا” تحرص القناة على التشدق بها، حيث يظهر إعلاميو القناة ومراسلوها وهم يتعهدون أمام الجمهور ويقسمون على الهواء بالحفاظ على مواثيق المهنة الأخلاقية وفق مسؤولية اجتماعية تراعي البنية الأسرية والدينية للمجتمع والابتعاد عن بث المواد التحريضية. مسرحية مباشرة أخرى تزيد من الملل الآتي مع المحطة. فالجمهور لا يبحث عن هذا النوع من الكلام المنمق والمصطنع بقدر ما يبحث عن تنفيذه، وهو ما يبدو بعيداً عن آليات عمل المحطة الرسمية الغارقة في اصطناع الأحداث.

أول الخروق لميثاق الشرف، جاء في المسرحية التالية التي عرضتها القناة، فقدمت فقرة طويلة تعرّف فيها عن مراسليها المنتشرين حول العالم في ما يبدو أنه بث مباشر بين الاستوديو في دمشق وشبكة المراسلين. لكن اللقطات كانت مسجلة وممنتجة بشكل شديد الوضوح على الشاشة، وكمية الاصطناع في افتعال حوار غير موجود زادت من الابتذال ونسفت ميثاق الشرف السابق. وتظهر الشمس برّاقة ومشعة عند كل المراسلين من دون استثناء رغم الفوارق الزمنية المفترضة بينهم بسبب المسافات الجغرافية الشاسعة بينهم!!!

حلة الإخبارية الجديدة تتضمن إطلاق مجموعة من البرامج الجديدة المختلفة بين الوثائقية والحوارية، يدور معظمها في إطار السياسة مع إفساح المجال لبرنامج صباحي وبرنامج رياضي وآخر ثقافي لكسر الجمود وملء الفراغ الذي يتسيد الشاشة طوال اليوم في ظل نقص المواد على ما يبدو، حيث تتكرر – ومنذ اليوم الأول – فواصل المحطة وإعلاناتها الترويجية مرة بعد مرة ولوقت طويل بانتظار البرنامج التالي.

ترفع القناة في حقبتها الجديدة شعار “عين على الواقع”. ويبدو الشعار طموحاً وفيه الكثير من المثالية والهزلية في آن واحد. ففي يومها الأول، بدت الإخبارية منصة متقدمة لبروباغندا النظام لا أكثر، فغاب الواقع السوري إلى حد ما، وبدا كخلفية لما يجري في المنطقة فقط، وكان هم القناة الوحيد هو مهاجمة أعداء النظام وعلى رأسهم تركيا بشكل لاذع ومتكرر، بدل الاهتمام بالداخل السوري وبالناس وهمومهم أو نقل أخبار سوريا الميدانية والسياسية أو حتى المحلية مثلما تنادي المحطة في إعلاناتها الترويجية.

لا تشكل “سوريا” أولوية للقناة بقدر ما يشكلها خصوم النظام وحلفاؤه، يظهر ذلك بوضوح خلال التعريف بالمراسلين، حيث تم إهمال المراسلين الميدانيين في أرجاء سوريا المختلفة لصالح المذيعين الخارجيين للحديث عن الدول الحليفة والدول المعادية. وكان مستنكراً ومستهجناً تركيز المحطة على مراسليها في فلسطين على حساب مراسلي الداخل أيضاً، ليس لأسباب عنصرية بقدر ما أتى ذلك التصدير كتملق وترديد لشعارات النظام حول أولوية القضية الفلسطينية اليوم، في وقت تبلغ فيه المأساة السورية درجة عالية في ظل الدم السوري والبؤس اليومي في مناطق الداخل المختلفة.

في هذا الجو، بدأت القناة ولأول مرة، بث نشرات الأخبار بعدما كانت تكتفي بالتقارير السريعة في ما سبق. نشرة الأخبار لم تقدم الأنباء بالمعنى الحرفي بابتعادها التام عن الآنية واتجاهها نحو الثرثرة. ولملء الفقر المعلوماتي على ما يبدو تم استخدام تقنية 3D لنرى دبابة ومجموعة من العربات الحربية الأخرى تتجول في الاستوديو بينما يتحدث المذيع عن أسلحة “الجيش العربي السوري”.

يمهد سارة في كلمته الافتتاحية لفشل القناة المتوقع في ظل سطوة القنوات العربية الكبرى على سوق الأخبار اليوم، فيقول: “لن ندعي أنكم سترون أنفسكم أمام شاشة إعلامية مبهرة، فما ستتابعونه هو محاولة منا لمنافسة القنوات الفضائية الأخرى، إن لم يكن بصرياً وتقنياً فعلى الأقل تحريرياً”، وكأنه اعتراف ضمني غير مباشر بما ستقدمه القناة من خيبة أمل لا أكثر في ظل لغتها الخشبية ورداءة ما تقدمه للجمهور بصرياً ومعلوماتياً.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى