صفحات العالم

إنهم يحتفلون بهزيمة الثورة السورية!


ياسر الزعاترة

هناك من أخذوا يحتفلون بهزيمة الثورة السورية ويتبدى ذلك في مقالات وتحليلات ومواقف كثيرة هنا وهناك (بشار الأسد قال ذلك لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص).

والشاهد عندهم هو تراجع منسوب الاحتجاجات في الشارع، وغياب الحشود الضخمة كتلك التي بدأت في حماة ومن ثم دير الزور وحمص وسواها في بعض الأحيان.

يحلو لبعض أولئك الشامتين أن يردَّ ما يراه نجاح النظام لقناعة الناس بمقاومته وممانعته ووجود مؤامرة خارجية، فضلا عن رفضهم للتدخل الأجنبي، إلى جانب الحديث عن خلافات المعارضة في الخارج، فيما الحقيقة أن شيئا من ذلك لا يبدو مقنعا، ربما باستثناء تحفظ الأكثرية على مسألة التدخل الأجنبي، مع حضور هامشي لخلافات المعارضة التي زادت عن الحد الطبيعي.

لكن أحدا من أولئك الذين تفوح من عباراتهم رائحة الشماتة، على تنوع أفكارهم وطوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم، ليس في وارد البحث عن الأسباب التي تجعل النظام قادرا حتى الآن على السيطرة على الوضع بهذا القدر أو ذاك، وفي مقدمتها توفر بنية صلبة من المؤيدين على قاعدة طائفية ومذهبية ومصلحية لم تتوافر عمليا لأي نظام آخر، بما في ذلك النظام اليمني، وهي كتلة لا تقل بأي حال عن ربع السكان، بل إن قطاعا عريضا منها كان ولا يزال يرى المعركة معركة حياة أو موت بالنسبة إليه، ويمكنه تبعا لذلك أن يذهب أبعد مما يريده النظام في سياق القمع وتخويف الناس كما تفعل قطاعات ممن يعرفون بالشبيحة الذين يرتكبون الفظاعات بشكل يومي.

لا نسيء إلى السوريين إذا قلنا إن الدافع الأساسي خلف تردد بعضهم في الانخراط في الثورة هو الخوف (خوف القتل والإصابة والاعتقال)، ويعلم الشامتون أولئك أنه لو توقفت آلة القتل لمدة أسبوع واحد فقط، وسُمح للسوريين بالتظاهر السلمي لرأينا حشودا واعتصامات مليونية تحاكي نظيرتها في مصر، وربما اليمن، ولعل ذلك هو ما يدفع النظام إلى الإصرار على رفض أية مبادرات سياسية تنطوي علي السماح بالاحتجاج السلمي، حتى لو منحته فرصة البقاء في السلطة من الناحية النظرية، إذ أنه يدرك أن التوقف عن القتل والاعتقال لن يمهله طويلا وسيذهب بالوضع مباشرة نحو حشود لا يمكن السيطرة عليها تؤدي إلى سقوطه خلال أسابيع قليلة.

من هنا تتواصل عمليات القتل والاعتقال، والأهم انتشار الجيش وعناصر الشبيحة في كل مكان تلوح منه رائحة الاحتجاج، وإلا فهل بوسع الشامتين إياهم أن يقنعونا بأن النظام وأبواقه ووسائل إعلامه قد تمكنوا من إقناع أهالي حماة الذي خرجوا عن بكرة أبيهم غير مرة، ومثلهم أهالي دير الزور وحمص، قد تمكنوا من إقناعهم بأن النظام مقاوم وممانع، أو أنه جاد في الإصلاح إلى درجة منحه الفرص الكافية لتحقيق المطلوب؟!

بالله عليكم هل ثمة عاقل يمكن أن يقتنع بذلك أم أنها لغة القمع الدموي الأكثر إقناعا، وعنوانها الدبابات وآلاف العناصر من الجيش التي تحتل الساحات وتقتل وتعتقل ومعها جحافل الشبيحة التي تجعل خروج الناس باهظ الكلفة على مختلف الأصعدة؟!

والسؤال الذي يطرح نفسه على أولئك النفر يتعلق بمآل هذا الأمر.

هل ستؤدي سياسات القتل ونشر الجيش وكتائب الشبيحة إلى تهدئة الاحتجاجات، وهل سيقتنع الشعب السوري بوقف ثورته والقبول بحكم بشار الأسد وأبنائه من بعده إلى الأبد؟!

كلا من دون شك فالثورة هنا ليس شرارة عابرة ما إن تخبو بعض الشيء حتى تنتهي، بل هي احتجاج على ظلم وعسف وفساد طويل المدى، ولا يبدو أنه في وارد التوقف، كما أن الثارات التي تعمقت طوال أكثر من ستة شهور (عشرات الآلاف من القتلى والمعتقلين والمعذبين) لن تنهيها أية إجراءات مهما كانت، وسيظل الشعب السوري يواصل مسيرته على تفاوت بين يوم وآخر حتى يحقق مراده في الانتصار والتغيير.

لقد فقد النظام شرعيته من يوم أن أطلق الرصاص الحي وقذائف الدبابات على رؤوس الناس، وليتذكر أولئك أن الثورة هنا ليست تمرد تنظيم سياسي كما كان الحال مع تمرد الإخوان على الأسد (الأب) مطلع الثمانينات، بل هي ثورة شعب، وأقله غالبية تريد الحرية، وهي لن تتوقف حتى تحقق الانتصار مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.

كل ذلك لا يحول بيننا وبين مطالبة قوى المعارضة في الخارج بوقف كل أشكال الحديث عن البدائل السياسية، والتركيز على توسيع إطار الاحتجاجات الشعبية على نحو يربك النظام وسائر حساباته، وسيكون حضور كل تيار أو جهة في الواقع السياسي بحسب دورها في تحقيق الانتصار، وليس بحسب قدرتها على ممارسة الفهلوة وترتيب الاتصالات مع القوى الخارجية ومجاملتها بالوعود والتنازلات السياسية.

هناك الكثير مما يمكن فعله لتوسيع إطار الاحتجاجات وإفشال تكتيكات النظام في قمعها، وهو ما يجب أن يجري التركيز عليه بكل قوة بدل الاقتتال على جلد الدب قبل صيده.

تبقى مخاطر «عسكرة» الانتفاضة التي تطل برأسها منذ أسابيع. ومع أن الخارجين عن النظام وجيشه لم يستشيروا أحدا، إلا أن الإصرار على سلمية الثورة يبدو أفضل لجهة النتائج والتداعيات. نقول ذلك رغم قناعتنا بأن النظام ساقط في الحالتين، مع فارق أن الكلفة في الحالة الثانية ستكون باهظة إلى حد كبير.

*نقلا عن “الدستور” الأردنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى