سمير العيطةصفحات سورية

إنّها حرب أهليّة/ سمير العيطة

يختلف السوريّون حتّى على تسمية الحرب الدائرة على أرضهم. ويرفضون أن يُطلق عليها تعبير “حرب أهليّة”. السلطة القائمة تصفها بحربٍ ضدّ الإرهاب والعصابات المسلّحة. في المقابل تسمّيها أطياف في المعارضة، خاصّة المسلّحة منها، “حرب تحرير ضدّ عصابات الأسد”. “حربٌ ضدّ التكفيريين” من جهة، مقابل “حرب ضدّ الصفويين وحزب اللات” على الجهة الأخرى.

إنّها، وبعيداً عن القاموس المستخدم، “حرب” بالمعنى القانونيّ للتعبير، إذ تخطّت منذ زمن طبيعة الانتفاضة أو الثورة من حيث حدّة معاركها واستطالتها. وأضحت ترقى في كلّ المراجع الدوليّة إلى مرتبة الحرب الأهليّة الأميركيّة أو الإسبانيّة أو اللبنانيّة أو الجزائريّة. وتنطبق عليها أيضاً معايير جرائم الحرب لمحكمة العدل الدوليّة.

ثمّ إنّ نسبة متزايدة من السكّان حملوا السلاح وأصبح القتال بالنسبة لهم مسألة بقاء، على خلفيّة رؤيتهم لمشروع “الآخر” أنّه إزالة لوجودهم. وفي هذا السياق أضحى الصراع على السلطة السياسيّة جزءاً من المعضلة وليس المعضلة الوحيدة التي تنطفئ نار الحرب معها إذا تغيّرت هذه السلطة السياسيّة.

المفارقة في سوريا أنّ معظم الناس وخاصّة السياسيين والمثقفين من هذا الطرف أو ذاك يرفضون الاعتراف جهارة بطبيعة “الحرب الأهليّة” الدائرة. السلطة تتصرّف وكأنّها ما زالت تمثّل الدولة وحقّها في قمع التمرّد المسلّح وحماية الأقليّات، وأطياف المعارضة المسلّحة تتحدّث عن حرب الأسد ضدّ شعبه وعن أنّها حربٌ ضدّ غالبية من قبل طائفة معيّنة يصفونها بطائفة النظام.

ما يسكت عنه الطرفان أهمّ ممّا يصدحان به على وسائل الإعلام. وما لا يقله أحد ويعرفه كثر هو أنّ السلطة القائمة تقصف المدنيين عمداً لترويعهم وتجوّع المناطق المتمرّدة، وأنّ نسبة العلويين من مجموع الشهداء أكبر بكثير من نسبتهم من السكّان، وأنّ جزءاً ملحوظاً من الذين هجّروا عن مساكنهم ذهبوا إلى المناطق التي تسيطر عليه السلطة، وأنّ المقاتلين الأجانب يلعبون دوراً رئيساً لدى كلا الطرفين، وأنّ هؤلاء وأولئك أصبحوا رهينة القوى والدول التي تدعمهم.

كيف السبيل إذاً إلى وقف هذه “الحرب الأهليّة”؟ أهو عبر مسار تفاوضيّ على أسس وثيقة توافق بين أطراف دوليّة وإقليميّة (جنيف 1) وضعت قبل أن تتحوّل سوريا إلى الحرب الأهليّة؟ ربّما، إذا اعترفت هذه الأطراف الدوليّة والإقليميّة أنّ ما يحدث في سوريا قد تحوّل فعلاً إلى حربٍ أهليّة.

يبقى المهمّ حقّاً ليس “جسم الحكم الكامل الصلاحيّات بتوافق الطرفين”، بل إطلاق آليّة تبدأ بنزع فتيل الصراع السعودي-الإيراني وتمرّ بخلق مناخ يمكن ان يبرز فيه ما لدى السوريين من نماذج مانديلا… رجال ونساء يقفون بشجاعة ضدّ تفتّت وطنهم واقتتال أهله.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى