صفحات الثقافةممدوح عزام

إن الزمان كأهله/ ممدوح عزام

 

 

 

هذا شطر من بيت شعري كتبه أبو العلاء المعري، قبل ألف عام، لا يلعن فيه الزمان الذي عاش في ظلّه، وحسب، بل كل الأزمان الغابرة، والآتية أيضاً. وفي آخر الشطر كلمة: غدار. ولو لم يضعها لكان من المحتمل أن تصح عبارته على كل زمن. غير أن الشاعر كان يقصدها هي بالذات.

لا يختص المعري بهذه الإشارة وحده. ففي الغالب يميل الناس في كل زمن إلى اعتبار السنوات التي يعيشون في ظلّها، مؤشرا على نهاية الزمان، أو قيام الساعة، هذا إذا كانوا متدينين. أو يرون فيها انحطاطا في القيم يشير إلى انحلال حضاري لا مناص من أن يؤدي بالبشر فيها إلى الهاوية. وفي كل مرة نسمع، أو نقرأ من يردد عبارات الذم للزمان الرمادي، أو الدموي، أو المنحل.

ومثل هذه التوجهات تستوطن جميع البلدان التي تشهد تلك الانهيارات الكبيرة في القيم، أو تلك التي تشهد حروباً مجانية يذهب ضحيتها الآلاف من الناس. ويكاد هذا يشمل معظم التاريخ العربي. وقد يعكس حالة اليأس التي يعتقد شاتمو الزمان أنها أبدية، أو أنها متأصلة في الجنس البشري، أو يميلون إلى القول بأن الوضاعة واللؤم صفات أصيلة في البشر، وأن ما يظهر من أحوال أخرى إنما هو الحالة المؤقتة للروح الفاسدة أصلاً.

والملاحظ أن السوريين قد تقلّبوا في الأعوام الخمسة الماضية بين موقفين، الأول هو سب الزمان، أو الشكوى من الدهر، والثاني هو الأمل بالآتي المأمول، وهو في الغالب مسنود بالحلم، والبحث عن الحرية والكرامة. أو مدعوم بالماضي المشرق الذي يقال إنه كان موجوداً في الأزمنة البديلة.

وتكثر في كتابات بعض السوريين التسميات المعروفة عن الزمن: الزمن الرديء، أو زمن الخراب. وفي الغالب فإن من يحمل هذا الرأي يعتقد أنه يعيش وحيداً في آخر الزمان. وأنه المقصود شخصيا “بالكارثة”.

وقد ظهرت شتائم للعالم، والمحيط الجغرافي، في وسائل التواصل الاجتماعي تحمِّل المسؤولية للخارج في ما آل إليه حال السوريين. أي أن لحظة الزمان الملعونة، ارتبطت هذه المرة بتعميم اللؤم على الجغرافية أيضاً، وهي تعكس نوعاً من الرغبة المتعجلة في الوصول إلى الغايات في أزمان قياسية، فيما يبدو الزمان عنيداً، أو عاجزاً، أو متمهلاً، ينضج الآمال في ناره الهادئة، لا في مراجل الحماسة.

والحال فإن الأحلام لا تتحقق غالبا، أو تحتاج لزمان طويل كي تتحقق. فتحلّ اللعنات على فترات الانتظار التي تتسم بغلبة الظلم بين الناس.

والناس لا يذمون الزمان بسبب عجزهم أمام الطبيعة مثلاً، أو عدم فهمهم لبعض المظاهر الغامضة في الكون، بل لأنهم يتعرّضون للظلم، أو القمع، أو يرون الفساد وسوء النية، والوضاعة، لدى آخرين من النوع البشري. وشكوى الدهر عبارة مجازية تعكس حجم الخوف المرير من أن يفهم الآخر الحاكم مصادر شكوانا، واتجاهات شتائمنا. أو هي نوع من الاحتيال على المعنى يشتم الزمان، وهو يعني به البشر الذين يجعلون من مصالحهم بديلاً وحيداً للحياة الحرة لباقي البشر.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى