صفحات العالم

إيران تساعد الأسد… ولا تنتحر لأجلهِ !


سركيس نعوم

لسوريا الاسد مكان مهم في الاستراتيجيا الشرق الاوسطية للجمهورية الاسلامية الايرانية. فهي التي وقفت معها في اثناء مواجهتها غزو عراق صدام حسين (الراحل) اراضيها بعد تأسيسها بمدة قصيرة مخالفة بذلك الإجماع العربي على تأييد العراق النابع من عامل لا يزال موجوداً اليوم وقد يستمر مستقبلاً هو الخوف المزمن من ايران المسلمة ولكن المختلفة والقوية والغنية والكبيرة. وهي التي جعلتها طرفاً رئيسياً في ازمة الشرق الاوسط، والتي مكّنتها من تحدي اميركا واسرائيل، والتي جعلت مشروعاتها الاقليمية والداخلية المستحيلة في السابق ممكنة. وايران هذه تعترف بدور سوريا بل بجميلها من زمان. وترجمت ذلك دعماً مستمراً لنظامها القريب منها في احد ابرز وجوهه، ولقواها العسكرية ولأجهزتها الامنية وربما “لميليشياتها” الحزبية ولاقتصادها وترسانتها العسكرية. وردت سوريا على ذلك في سرعة اذ سمحت لايران وإن بصعوبة وبعد شكوك ومخاوف كثيرة بانشاء “حزب الله” اللبناني وبرعايته وتدريبه وتسليحه، بل بتحويله ذراعاً امنية ومخابراتية لها في مواجهة اميركا واسرائيل وكل اعدائها. وكانت تلك “ضربة الحظ” لإيران، اذ كان لبنانيو “الحزب” على قدر الرهان والتحدي فهزموا اسرائيل وحرروا لبنان من احتلالها وتحدوا اميركا وحلفاءها العرب، وسيطروا او يكادون ان يسيطروا على لبنان الذي يكاد ان يصبح بدوره محمية ايرانية وليس سورية او ساحة مشتركة بين سوريا وايران كما كان.

هل تستطيع ايران وعلى رغم هذه العلاقة الوثيقة الموصوفة اعلاه ان تنقذ نظام الاسد من التحدي الشعبي الجدي والخطير الذي يواجهه للمرة الأولى منذ قيامه، والذي تسانده في الخارجين العربي والدولي كما في الخارج الاسلامي انظمة وشعوب كثيرة؟

انها تفعل كل ما في وسعها لانقاذه. لكن ما قدمته حتى الآن، على ضخامته، قد يمكّن الرئيس بشار الاسد من “الصمود” في وجه غالبية شعبه، وربما يجنّبه السقوط على طريقة حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي، لكنه لن يجنّبه جرّ بلاده الى حرب اهلية لا بد ان تنتهي في وقت قريب او بعيد، إما بانتصار الغالبية، وإما بتدخل عسكري اقليمي جراء قرار دولي على اعلى المستويات، يقضي على النظام ويؤسس لنظام آخر قد لا يكون فيه شأن مهم لأهل النظام اليوم.

طبعاً يقول البعض ان ايران وانطلاقاً من “اقتناعها” (اذا كانت مقتنعة) بنظرية تعرّض سوريا لمؤامرة التي تتبنى من زمان انها تستطيع مساعدة سوريا بالتعرّض عسكرياً لهؤلاء اي لاسرائيل والقواعد العسكرية لأميركا في دنيا العرب ولحلفائها، وبذلك تعوّض عن غياب الحدود المشتركة بينها وبين سوريا. وهذه خطوة ممكنة نظرياً. لكنها عملياً تبدو مستحيلة التطبيق، ذلك ان امكانات ايران الكبيرة جداً لا تُستعمل، استناداً الى قريبين منها، الا في حال تهددت هي مباشرة، فضلاً عن أن قيادتها العملية وغير الانتحارية والادرى بمصالحها لن تغامر بخوض حرب مدمرة مع اسرائيل واميركا لا يعرف احد نتائجها. علماً ان ابرز هذه النتائج ستكون رجوع ايران عشرات السنين الى الوراء والفشل في انقاذ “سوريا الاسد”. وعلماً ايضاً ان ايران لن تتورع عن اللجوء الى القوة العسكرية في حال تعرّضت لهجوم كبير.

ماذا يعني ذلك؟

يعني اولاً، ان ايران ستستمر في مساعدة سوريا الاسد طالما بقيت واقفة على قدميها. ويعني ثانياً، انها ستستمر في دعمها وإن بعد نشوب حرب اهلية. ويعني ثالثاً، انها ستعمل في الحالين على حماية وضعين اقليميين يشكلان مصلحة حيوية واستراتيجية مباشرة لها. الوضع الاول، هو العراق الذي يحكمه حلفاؤها والذي بدأت تستعمله في دعم حليفها السوري والذي قد يكون قناة الدعم النظامية له مستقبلاً. ذلك انه على حدودها. وما تريده منه ان يكون جزءاً من قوتها المخيفة للعرب، وان لا يعود قوة عسكرية كبيرة مقلقة لها كما في الماضي. اما الوضع الثاني، فهو “حزب الله” ولبنان معه. ويعني ذلك ان “ضياع” سوريا الاسد يجب ان لا يُضيِّع معه “الحزب”. وانجاز ذلك يكون باستكمال سيطرة الحزب على لبنان. علماً، وهذا امر يجب ان يقال، انه في حال مواجهة شاملة ايرانية – اميركية بمشاركة اسرائيلية ومن دونها، او في حال صفقة شاملة بين طهران وواشنطن فان لبنان “حزب الله” وجمهوره قد يبقى او قد يفسح الطريق لقيام لبنان آخر.

هل لا تزال هناك مخارج من الازمة التي يواجهها نظام الاسد في سوريا؟ هل استعمال القوة العسكرية ضده من “أطلسية او اميركية ممكن؟ وما هو الدور الذي يلعبه الاقتصاد في “صموده”؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى