صفحات سوريةغازي دحمان

إيران تواجه الخليج بضم العراق وسورية/ غازي دحمان

 

 

 

ليس مصادفة ذهاب إيران إلى التأكيد على تنسيقها مع أنظمة العراق وسورية، وإمكانية مأسسة العلاقات معهما، في وقت كانت دول الخليج تعلن من الدوحة عن رفع سقف درجات التعاون والتنسيق بين أعضائها، بما قد يشمل قضايا عسكرية وأمنية، فما حصل على ضفتي الخليج لم يكن سوى ترتيبات حان وقتها، وستظهر نتائجها العملانية بالتتابع، في إطار نسق يمكن تسميته بإعادة تشكيل قواعد اللعبة في المنطقة.

ليس سراً أن دول الخليج، في المدرك الإيراني، وضمن تقديراتها وتصوراتها الاستراتيجية، تشكّل المكّون الوحيد، ضمن المنظومة العربية، التي لا تزال لديها القدرة والمحفّز على مواجهة سياسات إيران في المنطقة، فهي، بالإضافة إلى العراق وسورية والأردن، تشكّل القلب العربي، كما أنها الجهة الوحيدة التي قد تشكّل النواة لإمكانية إعادة بناء النظام العربي من جديد، وتفعيل أهدافه ومقوماته. وبالتالي، أرادت إيران استباق أي إمكانية تطور في هذا الاتجاه، عبر إيصال الرسائل إلى قمة الدوحة بأن الوقت فات، وأن أي إجراءات قد تتخذها دول الخليج لم تعد ذات فائدة، فقطار إيران استقر في المحطات العراقية والسورية، وأن دول الخليج باتت في حالة من الانكشاف الاستراتيجي، بعد أن انتزعت طهران منها كل أحزمة الأمان وساحات الحركة وفضاءات المناورة، براً وبحراً، من الشام إلى اليمن، ومن شواطئ البصرة إلى مضيق باب المندب.

وليس سراً، في المقابل، أن دول الخليج باتت مدركة أنها تقع على خط حزمة من المتغيّرات الإقليمية والدولية، والتي تنذر كلها بالخطر، ولم يعد هناك فائض من الوقت لتركها تتشكل. وبالتالي، لا بد من إعادة ترتيب المخاطر، وتحديد مصادرها والعمل الجدي على مواجهتها. وليس خافياً أن ما صنعته إيران في المنطقة يأتي على رأس قائمة المخاطر. كل التحضيرات والترتيبات التي سبقت انعقاد مؤتمر الدوحة كانت تصب في هذا الاتجاه، حتى الأطراف التي كانت تراهن على عدم انعقاد القمة، ثم الفشل في اتخاذ قراراتها، كانت مدفوعة بهاجس الخوف من تحويل الفعل الخليجي إلى عمل استراتيجي مثمر.

أرادت إيران التدليس على دول الخليج، بداية من اسم المؤتمر الذي عقدته، ولم يحضره غير وكلائها، “العالم في مواجهة التطرف والإرهاب”، إلى رمزية مكان لقاء وزراء خارجية إيران وسورية والعراق، “مكتب الدراسات السياسية والدولية في وزارة الخارجية الإيرانية”. وفي ذلك كله، أرادت الإيحاء بأنها وكيلة عن العالم في محاربة الإرهاب، وأنها حصلت على هذا الدور، نتيجة المفاوضات التي تجريها مع الغرب على ملفها النووي، وأن العالم صار مقتنعاً بوجهة نظرها في هذا الموضوع، على ما حاول رئيسها، حسن روحاني، الإيحاء به.

لا شك أنّ إيران على دراية تامة بالتوجهات الخليجية الجديدة، وخصوصاً ما يتعلق منها بإعادة تجديد قواعد الاشتباك، وأن ذلك سيطال حكماً ساحات نفوذ إيران، بما يعنيه ذلك من اصطدام حتمي قادم مع البنى والهياكل التي أسستها، وإمكانية تأسيس بدائل لها. وتتحسس إيران من الشرعية التي تملكها دول الخليج في الفضاء العربي، والمستندة إلى مكونات الهوية والتاريخ المشترك والرغبة الشعبية، وهو ما لا تمتلكه طهران، كما أنّ دول الخليج صارت على دراية، نتيجة مراقبتها تداعيات الأحداث في المنطقة، وطبيعة المساومات الجارية، أنّها ما لم تشكّل إطاراً قوياً ومركز ثقل وتصوغ استجابات متماسكة، فإنّه لا توجد ضمانات كافية لعدم وصول التداعيات إليها وتعرضها للمخاطر.

تحاول إيران استباق هجوم خليجي مضاد، وهي تدرك أن مشروعها فقد زخمه، وما لم تسعَ إلى تثبيته باعتراف دولي، فإن من الصعب المحافظة عليه ضمن الإمكانات المتاحة لها حالياً، وخصوصاً بعد انتشارها الواسع الذي يفوق طاقتها. وبالتالي، هي تدرك أن توجه الخليج نحو بلورة موارده، وتفعيل طاقاته، ضمن مشروع مضاد، سيعني تحطيماً أكيداً لمشروعها الذي استنفد كل طاقاتها. وإذا كانت إيران صرخت على جبهة واحدة “تخفيض أسعار النفط”، فإنها، بلا شك، لن تصمد أمام تداعي الجبهات عليها.

تسعى إيران على عجل إلى تلفيق حالة سياسية في العراق، وهي تدرك أن الوضع يتغيّر بسرعة لغير صالحها، لن يسعفها الوقت في منع تشكل بنية سنية عربية في العراق، ولن يعود بإمكانها تسخير موارد العراق لدعم تشكيلاتها في المنطقة، فخزائن العراق باتت فارغة، والمشاركة السنية في السلطة ستستدعي التركيز على الشفافية في الميزانيات، ما لم تخضع المسألة برمتها لرقابة دولية، بغرض ترشيد الإنفاق. وفي سورية، يتكشّف أن طهران كانت، بطريقة أو أخرى، وراء مبادرة “تثبيت الأوضاع” في محاولة لتثبيت ما تبقى من نظام الأسد وإنقاذه، فالتطورات على الأرض والتقديرات العسكرية توضح أن الوضع في سورية لن يكون في صالحها بعد فترة.

إيران، وفي الوقت الضائع، ترفع في وجه التحرك الخليجي الجديد، آخر البنى العربية الفاعلة، بطاقة “مأسسة العلاقات” مع ما تعتبره محمياتها في سورية والعراق، وهو في الواقع “إعلان ضم” أكثر منه مأسسة لعلاقات غير متكافئة أصلاً، ورسالتها أن أي تصعيد للمواجهة سيعني إعلان هيكلية جديدة للعلاقة بين إيران وتوابعها، تعيد تقسيم الإقليم على أسس وهويات جديدة، وإخراج البلدين من المنظومة العربية نهائياً.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى