صفحات الناس

إيران في سوريا: الإستعلاء على الحلفاء/ بشار جابر

 

 

لم يعد خافياً على أحد، الدور الإيراني المتسع في الشأن السوري، بدءاً من الدعم الاقتصادي، وصولاً للدعم العسكري اللوجستي الذي لم يتوقف خلال السنوات الأربع الماضية. فالتدخل الإيراني العسكري يأخذ أشكالاً مستجدة بالتوازي مع الضعف الذي يظهره النظام عسكرياً، والحالات المتكررة لفقدان السيطرة على المناطق المهمة والاسترتيجية. تلك الخسائر باتت تُهدد شيئاً فشيئاً أكثر الأماكن التي يتوفر فيها للنظام أتباع صادقون وموالون دائمون وخاصة العلويين.

التدخل الإيراني، بدأ منذ بداية العام 2015، يقوم على انتشار قوات إيرانية مقاتلة، هي بمصاف قوات النخبة التي دخلت الحرب أسوة بميليشيات شيعية أخرى لبنانية وعراقية تدعمها إيران أيضاً. إلا أن دخول الإيرانيين بمقاتليهم يفرض على النظام تبعات تُريدها إيران بالتخصص؛ كالاستقلال الذاتي والوظيفي في إدارة عمليات القتال وتنفيذها، وفي اختيار الجبهات، ورسم الحدود المطلوب حمايتها. من هنا كانت إيران تقاتل في مناطق تُريدها هي كالساحل السوري، منطقة النظام بشرياً وعسكرياً، حيث حاولت الكتيبة الإيرانية فتح جبهة جبل الأكراد، وفتح جبهة أخرى في جبل التركمان، أي المناطق في شمال وشرق اللاذقية، وهي الحدود الأكثر أهمية للنظام لحماية جماعته الأهلية. إيران تُريد تحقيق انتصار مباشر أمام الجماعة الأهلية التي تُناصر الأسد، بغرض كَسب تأييد مُباشر من العلويين للبعد الإيراني الشيعي في سوريا.

وتستقل عمليات إيران بشكل كثيف -كما مليشيا “حزب الله” ومؤسسته التي استقلت في مناطق القلمون- عن “الأمن العسكري” الذي يتعامل مع المليشيات الأجنبية التي تقاتل مع النظام السوري. فالإيرانيون لن يرضوا بأقل من ذلك في استقلالهم الوظيفي. ولهذا الاستقلال نتائج ملتبسة لدى أتباع النظام السوري، بدءاً من ذهنية الاستعلاء للمقاتلين الشيعة، وصولاً إلى إهمال النظام لمقاتليه وشعورهم بالدونية أمام المقاتل الأجنبي.

المقاتلون الإيرانيون لا يأكلون طعاماً سورياً؛ ففي منطقة الساحل خصص الإيرانيون مطابخ لجنودهم، وإن اشترك المقاتلون السوريون والإيرانيون في معركة، فإن الفارق بين نوعية الطعام يظهر مباشرة، فالنظام لا يُطعم جنوده في المناطق الساحلية كونها موطنهم، وإن اطعمهم فيكتفي بأسوأ الأنواع. الأمر الذي دفع “صفحة أخبار اللاذقية” الموالية للنظام في “فيسبوك” إلى أن تقول: “أمنية مقاتلي الساحل هي طعام لائق، يعني معقولة الإيراني ياكل فروج وجنودنا السوريين بياكلوا بطاطا مسلوقة ورز مسمم”. التعليق جاء بعدما وصل إلى مستشفى الأسد في اللاذقية، 14 مقاتلاً من قوات النظام تعرضوا للتسمم بسبب الطعام الذي توزعه مطابخ “الدفاع الوطني”.

لا يتوقف الاستعلاء الإيراني على الطعام، فاستقلالهم عن مقاتلي النظام يزداد كُلما قاتل الإيرانيون أكثر في الساحل. فقام النظام بتخصيص طابق كامل، منذ شهر تقريباً، في كل مشفى رسمي في الساحل، ليُستقبل فيه الجنود الإيرانيون المُصابون في المعارك. وأحضرت إيران طواقم طبية خاصة لمعالجتهم، وحديثاً وصلت سيارات إسعاف إيرانية لتواكب المعارك وتنقل المصابين الإيرانيين إلى الطوابق المخصصة لعلاجهم. ولا ترضى الإدارة الإيرانية لأي سوري بالتعامل مع المقاتل الإيراني، فحتى الممرضين الذين يُنزلون المصاب من سيارة الإسعاف إيرانيون، وسائق سيارة الإسعاف إيراني أيضاً.

هذه التمييز الذي يعممه الإيرانيون، يوسع الهوة بين المقاتلين السوريين والإيرانيين، خاصة أن العسكريين السوريين يفترشون الأرصفة أمام المشافي لاستكمال علاجهم، ولا يخضعون لعناية كاملة منذ حوالي السنة، فما أن يلتئم جُرح رصاصة، أو يتم تركيب الأسياخ حتى تُعفى الدولة من مسؤولياتها، وتطلب من العسكري مغادرة المستشفى. والمراجعات الطبية باتت تُذل العسكري بسبب الكم الكبير من الُمصابين، ما جعل النظام قاصراً عن إرضاء جنوده أو تأمين حسن استقبالهم. ويزداد غضب قوات النظام، وخاصة العلويين منهم، مع تخصيص طابق كامل للجنود الإيرانيين، في مستشفى الأسد باللاذقية.

مؤخراً، انتهى الإيرانيون من تجهيز الطوابق الخاصة بقواتهم، بمعدات طبية حديثة جاءت خصيصاً من إيران. وذلك رغم أن مستشفيات “الأسد” و”العسكري” و”الوطني” في مدينة اللاذقية تعاني من قلة الأجهزة الطبية؛ فأكثر من نصف الأجهزة التقنية معطلة وغير صالحة للعمل، لكثافة الاستعمال خلال أعوام الحرب، والنظام يتحجج بالحصار المفروض عليه أمام جنوده المصابين، ويُرسل الجنود للمراكز الخاصة للاستطباب، بدلاً من إحضار الأجهزة أو محاولة تأمينها.

يشعر غالب مقاتلي النظام، بالدونية أمام المقاتل الأجنبي. فالتقنية الإيرانية في العمل داخل سوريا، تقنية استعمارية، فيها من التمييز والاستقلالية، ما يحفز على الكراهية حتى من السوريين المواليين للنظام. وما يسمح به النظام للإيراني يجعله أمام أسئلة كبيرة ومهينة، أمام من يقف لحمايته، خاصة من العلويين الذين يشعرون بمظلومية رهيبة من كل حدب وصوب.

إيران باستعلائها الشديد تحوّل الأنظار عنها بوصفها استعماراً بذهنية حديثة، ما قد يدفع جزءاً من النظام السوري لاعتبار روسيا ملاذاً لحمايته من معارضيه ومناصريه. فروسيا أقل طمعاً وأكثر إدراكاً لمصالح الأسد في الانتصار دون أن يخسر مُواليه أو مناطقه لإيران التي تتزايد أطماعها وغربتها عن كل ما يجعل النظام قائماً بوصفه صاحب الشأن والمنتصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى