صفحات سورية

إيران وخيارات الحل السياسي في سوريا/ هشام منوّر ()

 

 

تسعى طهران إلى الحفاظ على دورها كطرف رئيس في الأزمة السورية، وهو ما يفسر مسارعتها إلى قبول المشاركة في اجتماعات فيينا التي عقدت في أكتوبر و نوفمبر ، ويبدو أن ذلك يعود، في قسم منه، إلى محاولتها تجاوز العقبات السابقة التي حالت دون مشاركتها في اجتماعات جنيف، خاصة بعد تحسن علاقاتها مع الدول الغربية عقب الوصول إلى الاتفاق النووي في يوليو ، إلى جانب حرصها على احتواء أية تداعيات سلبية قد تنجم عن تقارب روسي- أميركي محتمل حول آليات الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة في سوريا.

تعد إيران من أكثر الدول الداعمة لنظام الأسد، على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد كان ذلك سبباً في استبعادها من الجهود السابقة للوصول إلى تسوية على أساس أنها «جزء من المشكلة«. إلا أن ثمة متغيرات جديدة دفعت في اتجاه إعادة إشراك إيران في تلك الجهود، بعد أن قدمت طهران مبادرة لتسوية الأزمة السورية، ركزت على وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة «وحدة وطنية«، وإعادة صياغة الدستور لضمان حقوق الأقليات، وإجراء انتخابات بإشراف دولي.

هذه التصريحات والمواقف السياسية «بكل معنى الكلمة» والتي لم تترافق مع مواقف عسكرية موازية في ظل تعاظم الدعم العسكري لنظام الأسد والدفع بقوات عسكرية جديدة إلى سورية، ترافقت مع بروز اتجاه دولي وإقليمي جديد يرى ضرورة إشراك الأطراف الداعمة للنظام السوري في الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية، على أساس أن ذلك يمكن أن يشكل ضمانة لعدم سعيها إلى عرقلة تلك الجهود في المستقبل.

لقد سعت طهران إلى استغلال الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس، في نوفمبر ، من أجل دفع علاقاتها مع الدول الغربية خطوات إلى الأمام، وهو ما عكسه تأكيد الرئيس حسن روحاني على أن «محاربة الدولة الإسلامية بكل قوتنا أمر بالغ الأهمية«، وذلك بعد يوم واحد من دعوة باريس لتشكيل تحالف كبير للقضاء على التنظيم المتشدد.

ويمكن تفسير الاهتمام الإيراني بالانخراط في الجهود السياسية الخاصة بالأزمة السورية في ضوء عدة عوامل، فبعيداً عن نظرية تبني دبلوماسية إقليمية لتعزيز مكانة إيران، لا سيما بعد الوصول إلى الاتفاق النووي مع مجموعة «+»، وإظهار مدى استعداد طهران للمشاركة في الوصول إلى تسويات للأزمات الإقليمية المختلفة، والتي باتت «ممجوجة« ومكررة، ظهرت اتجاهات عديدة داخل إيران تشير إلى ضرورة الحذر من تداعيات الانخراط العسكري الروسي في سوريا، والذي ربما يفرض تداعيات لا تبدو هينة على مصالح إيران، وهو ما عبر عنه قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري بقوله إن «روسيا جاءت إلى سورية للبحث عن مصالحها ولا يهمها بقاء الأسد كما تفعل إيران».

بالإضافة إلى ذلك، استمرار الخسائر التي تتكبدها إيران في سوريا، على المستويين الاقتصادي والعسكري، فإلى جانب الدعم المالي الذي تقدمه إيران لنظام الأسد، والذي قدره المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بـ مليارات دولار سنوياً، فقد فقدت إيران العديد من كوادر الحرس الثوري على غرار العميد حسين همداني، والعميد نادر حميد القيادي في قوات «الباسيج«.

يبدو أن ثمة خيارات عديدة يمكن أن تتجه إليها إيران في الفترة المقبلة للتعامل مع تطورات الأزمة السورية، أولها، الانسحاب التدريجي من سوريا، لا سيما في ظل الخسائر البشرية والاقتصادية التي منيت بها مؤخرا، فضلا عن الضغوط الداخلية لتحسين المستوى المعيشي، خاصة أن إيران لم تحصل بعد على العوائد المالية المتوقعة من الوصول إلى الاتفاق النووي. لكن هذا الخيار ربما يكون مستبعدا في الفترة الحالية، بسبب مخاوف إيران من احتمال اتجاه روسيا إلى محاولة ملء الفراغ الناتج عن هذا الانسحاب، في ظل ارتفاع مستوى انخراطها العسكري في سوريا، فضلا عن اتساع نطاق التنسيق الأميركي- التركي في شمال سوريا.

قد تلجأ إيران في الفترة المقبلة إلى تغطية مشاركتها العسكرية في سورية من خلال الانضمام إلى تحالف دولي جديد للحرب ضد تنظيم «داعش«، مع الحرص على استبعاد الحديث عن مستقبل الأسد في الحكم، ومنح الأولوية لمحاربة الإرهاب، وربما محاولة إقناع الدول الغربية بإمكانية التعاون بين الطرفين في مجال منع تدفق اللاجئين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية عن المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق. لكن إلى الآن لم يتبلور أي اتجاه دولي للتنسيق مع إيران في مجال الحرب ضد «الإرهاب»، خاصة في ظل تزايد احتمالات رفض بعض الأطراف الإقليمية لذلك.

لا يمكن في هذا السياق إغفال مسألة تصاعد حدة الخلاف مع روسيا، خاصة في ظل تمسك إيران بمشاركة الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في مقابل تراجع نسبي في الموقف الروسي إزاء التعامل مع مسألة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، ولكن هذا المسار غير محتمل، على الأقل في المدى القريب، خصوصاً في ظل حرص روسيا على توجيه رسائل طمأنة إلى إيران، بشأن التداعيات بعيدة المدى لتدخلها العسكري في سوريا، وهو ما أكدته زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران في نوفمبر ، والتي أبلغ فيها خامنئي بأن «روسيا لا تطعن حلفاءها من الخلف«.! ويبدو أن موسكو تحاول من خلال ذلك تأكيد أنها لن تسعى إلى تهديد مصالح إيران في سوريا، في حالة ما إذا اتجهت إلى التعاون مع باقي الدول للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.

() كاتب وباحث

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى