صفحات العالم

إيران وسوريا في «عناكب» لعبة الأمم

 

 هدى الحسيني

يتردد أن ما يجري في إيران وسوريا هو صراع سنّي – شيعي، قد يكون في جزء منه صحيحا، خصوصا إذا أردنا أن نتجاهل نوعية النظامين في البلدين. لكن الصراع هو أيضا أميركي – روسي. بدأ طويلا قبل إعادة انتخاب فلاديمير بوتين رئيسا للمرة الثانية، وسيزداد حدة بعد تسلمه السلطة فعليا في السادس من الشهر المقبل.

قبل انتخابه بأسبوع نشر بوتين «خريطة طريق» لسياسته المقبلة: لا حرب على سوريا، لا حرب على إيران، لا لـ«القصف الإنساني» أو التحريض على «الثورات الملونة». بالنسبة إليه هندسة واشنطن للنظام العالمي الجديد لم تعد واردة، ما يريده هو أن يسود «مبدأ سيادة الدولة».

بالنسبة إلى بوتين، سوريا هي تفصيل مهم، لأسباب ليس أقلها القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس على البحر المتوسط، ولديه هاجس بأن الحلف الأطلسي يريد «إلغاء» هذه القاعدة.

استعد بوتين أيضا للمواجهة عبر إيران. ففي شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، وعلى الرغم من قرون العداء بينهما، قررت روسيا وإيران الدخول في مفاوضات لتشكيل تحالف من أجل تعزيز التعاون الأمني المشترك، وعلى الرغم من أن روسيا كانت قد وافقت على بعض عقوبات الأمم المتحدة بشأن برنامج إيران النووي، فإن المناقشات حول إقامة تحالف استراتيجي بين الدولتين كانت جارية لشهور. عمل خلالها رئيس الوزراء الروسي آنذاك، بوتين على إشعار الدول الغربية بتجنب مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وكان قبل ذلك أكد على أنه لن يسمح بأن تُستخدم أي دولة من دول الاتحاد السوفياتي السابق لشن هجوم على إيران، وكان يقصد أذربيجان.

مع دفاعه عن إيران، لم تستبعد مصادر غربية مطلعة، أن يشمل بحث التحالف الاستراتيجي بين روسيا وإيران، إقامة قواعد روسية عسكرية فوق الأراضي الإيرانية، وقدرت هذه المصادر أن تكون هناك قاعدة في شمال إيران في محافظة أذربيجان الشرقية، والأخرى قرب مضيق هرمز الاستراتيجي. إذا سُمح لهذا التعاون الاستراتيجي بأن يتحقق، وأقامت روسيا قواعد عسكرية فسيُعتبر ذلك بمثابة دعم للاستخبارات الروسية من أجل معرفة ما يجري في جورجيا المجاورة، وفي تركيا وأذربيجان.

بعد مؤتمر اسطنبول الأخير لبحث برنامج إيران النووي، ورغم التعليقات من كل الأطراف بأنه كان إيجابيا، قال علي أكبر صالحي يوم الاثنين الماضي إن بلاده مستعدة لحل كل المشكلات النووية العالقة، في الجولة المقبلة في بغداد، إذا أقرّ الغرب رفع العقوبات المفروضة على إيران. لكنه أضاف أن إيران ستؤكد دائما على حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. أما محمود أحمدي نجاد فقد قال قبل يوم من مؤتمر اسطنبول إن بلاده متمسكة بحقوقها الثابتة ولن تتراجع قيد أنملة حتى أمام أقوى الضغوط.

في ظل المؤتمرات التي عقدت وسوف تعقد ووسط عاصفة التصريحات الإيرانية، لم تتوقف التوقعات عن احتمال حرب في المنطقة. في الولايات المتحدة يقولون، إذا قصفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، واكتفت إيران بالرد بالصواريخ على إسرائيل، فإن أميركا لن تدخل الحرب، لكن إذا توسع الرد الإيراني ليشمل دول الخليج فسوف تجد أميركا نفسها مضطرة للتدخل. ويقولون أيضا: إذا وقعت الحرب في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي قبل شهر واحد من الانتخابات الأميركية، فإنها لن تؤثر على حظوظ الرئيس باراك أوباما، لا بل على العكس، إذ إن الرأي العام الأميركي صار يتقبل التخلص «عسكريا» من «تحديات» إيران وسوريا أيضا.

أما المصادر العسكرية الروسية فإنها تتوقع أن يقع الهجوم على إيران خلال فصل الصيف، ولهذا وضعت موسكو خطة عمل لتحريك القوات الروسية عبر جورجيا، فأرمينيا التي تقع على الحدود مع إيران. وأكد رئيس مجلس الأمن العسكري فيكتور اوزيروف على أن القيادة العسكرية الروسية أعدت خطة في حال شن هجوم على إيران. وحذر نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزني (كان سابقا سفير روسيا لدى الحلف الأطلسي) من أي هجوم على إيران «إيران جارة لنا. إذا تعرضت وشاركت في أي عمل عسكري، فإن ذلك يشكل تهديدا مباشرا لأمننا».

مصادر وزارة الدفاع الروسية تقول إن الجيش الروسي لا يعتقد أن لإسرائيل ما يكفي من العتاد العسكري لضرب الدفاعات الإيرانية وبالتالي فإن تدخلا أميركيا عسكريا سيكون ضروريا.

وكان الروس حذروا «من عواقب لا يمكن التنبؤ بها» إذا ما هوجمت إيران، مع إشارة إلى احتمال أن يشارك الجيش الروسي إذا ما شعرت روسيا بأن مصالحها الحيوية مهددة. وكانت صحيفة «نيزافيسيمايا» ذات التأثير، نقلت عن مصدر عسكري قوله إن «الأوضاع التي تتشكل حول سوريا وإيران تدفع روسيا إلى الإسراع في مسار تحسين مجموعاتها العسكرية في جنوب القوقاز، ومناطق بحر قزوين والبحرين المتوسط والأسود».

من أجل حماية مصالحها الحيوية في هذه المناطق، تقول المصادر إن الاستعدادات الروسية لمثل هذا الهجوم بدأت قبل عامين مع تحديث القاعدة العسكرية «102» في أرمينيا، وهذه تحتل مكانة جيوسياسية رئيسية في المنطقة، ويتخوف الكرملين من أن يفقد هذا الموقع.

توقعات الحرب على إيران، والرغبة في المحافظة على القواعد العسكرية وحماية المصالح الحيوية الروسية، قد تدفع بوتين بعد تسلمه الرئاسة إلى شن هجوم على جورجيا والتخلص من رئيسها مايكل شاكاشفيلي.

يعتقد الروس أن جورجيا سوف تتعاون مع الولايات المتحدة في منع أي إمدادات عسكرية من الوصول إلى القاعدة «102»، التي يتم تزويدها الآن، بالجو، لأن جورجيا قطعت كل طرق النقل البري أمام الإمدادات الروسية. حاليا، وقود هذه القاعدة يأتي من إيران، وفي حال وقوع الحرب، سيُغلق هذا المعبر الحدودي. ووفقا ليوري نيتكاشف النائب السابق لقائد القوات الروسية في القوقاز، فإنه سيكون من الضروري اللجوء إلى القوة العسكرية لخرق الحصار البري الجورجي وإقامة ممرات النقل المؤدية إلى أرمينيا، وهذه الممرات يجب أن تمر وسط جورجيا بالقرب من العاصمة تبليسي نظرا للطرق وتضاريس البلاد.

يعتقد الجيش الروسي، أنه إذا ما اضطرت أميركا للمشاركة في الحرب على إيران، فهي قد تنشر قواتها في جورجيا وأسطولها الحربي في بحر قزوين مع احتمال مساعدة من أذربيجان (أعلنت أخيرا أنها لن تسمح باستعمال أراضيها من قبل إسرائيل للهجوم على إيران). وكانت مصادر دفاعية أميركية كشفت مؤخرا عن أن إسرائيل استأجرت قاعدة لها في أذربيجان، وقد أثار هذا حنق تل أبيب. والمعروف أن إسرائيل وافقت مؤخرا على بيع أذربيجان معدات عسكرية بقيمة 1.6 مليار دولار.

وكان الخبير الأميركي بافل فلجنهاور من «مؤسسة جيمستاون» كتب أن روسيا قد تستغل أي هجوم على إيران لتحرك قواتها جنوبا، لمنع ما تفترض احتماله وهو نشر قواعد عسكرية أميركية في منطقة القوفاز، وللربط مع القوات في أرمينيا، والاستيلاء على ممر الطاقة في جنوب القوقاز، الذي عبره يصل الغاز الطبيعي والنفط من أذربيجان، وتركمانستان والقوفاز إلى الأسواق الأوروبية.

وأضاف أنه «من خلال هجوم عسكري واحد وسريع، قد تضمن روسيا السيطرة على كل مناطق القوقاز وبحر قزوين التي كانت ضمن فلكها في السابق، فتفرض واقعا على الغرب، المشغول إلى أقصى الحدود بإيران، لا يمكنه أن يغيره أو يعيده إلى ما كان عليه».

إن أي انتصار عسكري ولو صغيرا، سيوحد الأمة الروسية وراء الكرملين. لقد دخلت إيران وسوريا في «عناكب» لعبة الأمم، لن يكون هناك احتلال لأي من الدولتين، لكن أيضا، لن يكون هناك استقرار، دخلتا ضمن الصراع الأميركي – الروسي وفي هذه الحالة الجديدة، يجب التفتيش عن النفط والغاز.

ملاحظة عابرة: سيزور الرئيس الروسي بوتين إسرائيل في شهر يونيو (حزيران) المقبل.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى