صفحات الحوار

إين بلاك: السوريون يعلمون أن حكم الأسد قد انتهى «لكن قد يأخذ وقتا».. وخائفون من الثمن


الصحافي الإسباني إسبينوزا: أثناء النهار لم يكن من المستحيل التحرك فحسب بل من أقصى درجات المخاطرة

لندن: نادية التركي

رغم اختلاف الطريقة التي دخل بها كل من إين بلاك الصحافي البريطاني بصحيفة «الغارديان» البريطانية والذي دخل سوريا بطريقة شرعية بعد أن منحه النظام تأشيرة في محاولة لإظهار التزامه بالمبادرة العربية الأولى، ودخول المراسل الإسباني إسبينوزا الذي تسلل لبابا عمرو ثم تمكن من الهروب ليلا بعد مطاردة وقصف «عنيف متواصل» من قوات النظام، ورغم اختلاف ظروف العمل ومكانه لكن النتيجة كانت واحدة وهي أن الناس يعيشون «المعاناة» كما قال خافيير و«الخوف» حسب بلاك.

وقال الصحافي البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط إن الناس في سوريا خائفون جدا من المستقبل، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» التي التقته بمقر صحيفته بلندن أن «السوريين يقولون: إنهم يعلمون أن حكم الأسد قد انتهى لكن قد يأخذ وقتا، والناس خائفون من الثمن».

وأشار إلى تخوف الناس، خصوصا لأن المجتمع الدولي لا يفعل من أجلهم شيئا، وخاصة مع ارتفاع وتيرة القتل الذي أعلنت عنه الأمم المتحدة مؤخرا، كما أشار إلى أن الكثير من السوريين يتم اعتقالهم وفي الوقت ذاته يتم الإفراج عن «المجرمين».

وعن أهم الاختلافات بين ثورة ليبيا وسوريا قال بلاك: «في ليبيا كنا نعلم منذ البداية أن عددا كبيرا ممن انشقوا عن القذافي من الكبار. لكن في سوريا لم يقع ذلك، لا أحد من الكبار وهذا خلاف كبير».

وقال: إن في سوريا النظام والمعارضة غير متساوين فهم يمتلكون البنادق وهو يمتلك الدبابات، وقال: إن ليبيا محافظة وتعتمد على قبائل مما يسهل الانشقاقات لكن سوريا تدار بعدد قليل من العلويين».

وقال بلاك «لا أعتقد أن سوريا محصنة من نتيجة الثورات، والتغيير سيأتي لكن بثمن مرتفع جدا». وقال بلاك إنه عند حديثه مع الناس ومنهم سائق تاكسي أخبره أن الناس في سوريا قلقون على الاقتصاد والسياحة التي وصفها بـ«ميتة، والفنادق خالية». وواصل بلاك: «الطرقات أغلبها مغلقة تملؤها الحواجز، والمباني الحكومية من دون كهرباء، والأسعار مرتفعة جدا سواء بالنسبة للمواد الغذائية أو البنزين، الأوضاع ليست طبيعية أبدا».

وحول دخوله لسوريا قال إين إنه دخل بتأشيرة من السلطات الرسمية السورية وإنه كان قد تقدم منذ انطلاق الثورة في سوريا بطلب للحصول على تأشيرة لكن لم يتلق أي إجابة. لكنه كان محظوظا أن اختارته الحكومة السورية مع مجموعة أخرى من الصحافيين الأجانب لتظهر أنها تتجاوب مع المبادرة العربية الأولى وقال بلاك في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أنني حصلت على التأشيرة السورية لأن الحكومة السورية تحبني أو من أجل لون عيني، فقط أرادت وقتها أن تثبت أنها تتجاوب مع المبادرة العربية».

وأضاف: «بدأوا وقتها يمنحون التأشيرات من وقت لآخر لأسباب مختلفة وهناك بعض زملائي طلبوا كذلك تأشيرات لكن لم يحصلوا على جواب».

وعن الأسباب التي دفعته للذهاب لسوريا قال الصحافي البريطاني: «أردت رؤية ما يقع على الأرض، لأني كنت واعيا جدا أنه إذا لم أذهب بنفسي فلن أتمكن من معرفة ما يحدث، خاصة مع ما تنقله المعارضة عما يحدث ميدانيا والذي قابلته تصريحات رسمية مقتضبة، أردت أن أرى ما يحدث، وتحدثت مع الكثير من الناس الذين قدموا لي المساعدة».

وعن تحركاته قال بلاك: «كنت أتحرك في دمشق من دون صعوبات تذكر، لكني كنت تقريبا متأكدا من أن مكالماتي الهاتفية مراقبة وأعتقد أن إيميلاتي كانت كذلك».

وقال بلاك إنه شعر بتغيير في المجتمع السوري وإنه لاحظ أن الناس أصبحوا يتكلمون أكثر من قبل، الناس يتحدثون بأكثر حرية في دمشق، وقال: «الناس كانوا لا يتحدثون حسب ما لاحظته في زيارتي سنة 2007 لسوريا، لكن الآن الناس العاديين مثل سائق تاكسي التقيته في كفرسوسة بعد لحظات من لقائه بدأ يتحدث»، وأضاف يبدو ظاهريا أن «كثيرين من الناس يؤيدون الحكومة لكن هذا صحيح أم لا مسألة أخرى حسب الموقع»، وقال: إنه يبدو أن نظام الأسد مسيطر على وسط المدينة حيث يعيش الكثير من موظفي الحكومة، وكذلك تلاحظ حضورا قويا جدا للأمن والشرطة والشبيحة. وعندما سألت إين عن كيف يميز الشبيحة عن الناس العاديين قال: غالبا الذين يرتدون جاكيتات جلدية، وبنطلونات عسكرية هم «بلطجية» يقفون في الشوارع المؤدية للميادين لإيقاف أي تحرك جماعي نحوها.

كما قال بلاك إنه لاحظ انقطاع الكهرباء عن كثير من الأماكن في العاصمة السورية دمشق وأوضح: «ذهبت لتمديد مدة تأشيرتي في وزارة الداخلية فلم يكن لهم كهرباء، علامات عدم الاستقرار كانت واضحة».

وتمكن إين خلال وجوده في شهر يناير (كانون الثاني) بسوريا من دخول الزبداني التي تبعد نحو 40 كلم من دمشق، وقال: «لم يكن من السهل الوصول إليها رغم قربها، وكان يتوجب علي إقامة اتفاقات خاصة مع بعض الأطراف الذين ساعدوني، وتمكنت من الدخول».

وفي وصف للزبداني وأهلها قال بلاك: «من قابلتهم كانوا يريدون تقديم أنفسهم على أنهم تمكنوا من تحرير بلدتهم، وعلى أن الزبداني منطقة محررة، وتتوسطها شجرة الحرية، حيث يوجد أسماء الشهداء».

وتحدث بلاك عن ملاحظته بروز ظاهرة المواطن الصحافي حيث بدأ المعارضون السوريون يصورون وبدأت الوجوه تظهر في الفيديوهات وقال إين: «يريدون أن يظهروا أنهم يقاومون النظام، هم يظهرون وجوههم وأنهم أحرار أرادوا الأشياء تتغير».

وأكد بلاك أنه التقى في دمشق مع عدد من الشباب المعارضين وقال: إنهم ينتمون لمستوى اجتماعي مرموق وإنهم متعلمون وخريجو جامعات وهم مطلوبون يتخفون تحت هويات غير صحيحة.

كنا نتحدث عن التفجيرات الانتحارية في الميداني.

وعن تفجير حمص في 11 من يناير الماضي والذي قتل فيه صحافي فرنسي قال الصحافي بـ«الغارديان» إن «وزارة الإعلام نظمت رحلة وقسمونا إلى فريقين وكنا في حمص في نفس اليوم وقمنا بنفس الأشياء نحن والفريق الأول، بدأناها بزيارة لمستشفى عسكري وكانوا يأخذوننا على طريق طويل، وبرروا هذا أنه لصعوبة السياقة والمعوقات في الطريق العادي، ورأينا جنودا عاديين».

وأضاف: «سمعنا خبر ما حدث للفريق الثاني الذي كان الصحافي الفرنسي معهم، وبعد الحادث لم تتضح الأمور لأن كلا من الحكومة والمعارضة تبادلتا الاتهامات».

ويعتبر خافيير إسبينوزا مراسل صحيفة «ألموندو» الإسبانية نفسه محظوظا لأنه نجا من براثن قوات النظام السوري بأعجوبة، وكما قال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» لم أجرح ولم أتعرض إلى أي ضرر، وما زلت أعمل كمراسل من بيروت. وعن الظروف الإنسانية لسكان بابا عمرو قال إسبينوزا إنها «سيئة جدا فالمواد الغذائية مفقودة تماما، ولا توجد كهرباء، والخدمات في المستشفيات محدودة جدا»، مضيفا: «إذا كانت الإصابات خفيفة يمكن معالجتها، أما إذا كانت خطيرة فلا مجال لعمليات جراحية كبيرة، فإمكانات المستشفيات هناك لا تسمح بذلك».

وقال: إن الناس يظلون مختبئين طوال اليوم يخرجون فقط في الليل فقط للبحث عن الغذاء. وأوضح: «أثناء النهار ليس من المستحيل فقط التحرك، بل من أقصى درجات المخاطرة».

وتحدث خافيير لـ«الشرق الأوسط» عن أن الناس في بابا عمرو «كانوا يريدون العالم أن يعرف وضعهم وأنهم يريدون الحرية ويريدون تغيير أوضاعهم، أن يعيشوا في ديمقراطية، وأهم رسالة هي أنهم كانوا يريدون أن يطلعوا العالم على معاناتهم. هم يقولون: إنهم يعانون لأنهم يريدون الحرية».

وحول خبر وفاته الذي أعلنته وكالة الأنباء السورية قال: «فور أن سمعت الخبر عرفت سببه، فقد فقدت حقيبتي التي كان بداخلها حاسوبي الشخصي والكثير من البطاقات باسمي في كمين، وأحدهم قتل وكانت حقيبتي بقربه لذلك قالوا: إني قتلت. وقد حاولت استرجاع الحقيبة لكن ذلك كان مستحيلا».

وفي حديثه عن تفاصل رحلة الهروب التي اضطر لها بعد أن استحالت مواصلة العمل في بابا عمرو، التي لا يحبذ تسميتها المغامرة بل هي «شيء مختلف»، قال خافيير: «كنا مدنيين وصحافيين وجرحى من بابا عمرو وعناصر من الجيش الحر أيضا وكانت الساعة نحو التاسعة ليلا وكنا نحو 50 شخصا وأردنا الهروب، وتخطي الخط الأمامي، وكنا قريبين جدا من مواقع الجيش السوري فكان يجب علينا أن لا نحدث أي صوت، لكن يبدو أنهم تمكنوا من اكتشاف أمرنا فبدأ القصف كثيفا وبدأ الجميع يركض في اتجاهات مختلفة، وقتل البعض أثناء الهروب، كما سقط الكثير من الجرحى الذين لم نتمكن من تحريكهم من أماكنهم، وأتذكر أن أحدهم كانت رجله مكسورة وجريح آخر، وأتذكر أن اثنين لم يتمكنا من الهروب، لكن تمكنت من الهرب مع مجموعة واختبأنا نحو ساعة في إحدى الغابات المجاورة إلى أن تم وقف إطلاق النار، وكان إطلاق النار كثيفا جدا». وأضاف: «وكنت أتذكر قليلا الطريق لأنه كان نفس الطريق الذي سلكته للدخول لبابا عمرو، لكن لم أكن متأكدا من طريق الهروب لكن ما كنت أعرفه أن الجنود موجودون على اليسار فقلت لمن بقي من مرافقين لي: فلنهرب إلى اليمين، وقالوا لي يبدو أنك تعرف المكان أحسن منا فسنتبعك. وبدأنا بالتحرك شيئا فشيئا مع الاختباء بالأشجار سالكين طريق الريف».

وأوضح: «كنا نتحرك ولم نكن نعلم إلى أين نذهب وجدنا بوابة فاقتحمناها، لأننا متيقنون من أن أغلب سكان المنطقة ينتمون للثورة. كنا ثلاثة أحدنا فلسطيني وآخر سوري، وظهر أحدهم – من الجيش الحر – وبدأوا بمساعدتنا وأخذونا على دراجة نارية، وساعدونا على الهروب، وعلمنا أن عناصر الجيش الحر هم من يراقبون ويتحكمون خاصة في المناطق الريفية المحيطة ليلا».

قال إسبينوزا إنه كان يتتبع الثورات أينما انطلقت وبأنه ذهب لمصر والبحرين واليمن، وعن تفاصيل دخوله لسوريا رفض الصحافي الإسباني إعطاء أي تفاصيل المكان الذي دخل منه أو الطريقة التي دخل بها، حرصا على أمن من ساعدوه وعلى من يرغبون في دخول البلاد واكتفى بالقول «دخلت بطريقة غير شرعية للبلاد».

ولم يزر خلال زيارته الأخيرة لسوريا سوى منطقة بابا عمرو، مع أنه سبق أن زار منطقة إدلب ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وعن الفرق بين الثورة الليبية والثورة السورية قال إسبينوزا إن «الأمر مختلف بالنسبة للثوار الليبيين الذين كانت لهم منذ البداية قاعدة واضحة في بنغازي حيث ساندهم جانب من الجيش المنشق فتمكنوا من امتلاك أسلحة ودبابات منذ المراحل الأولى، لكن بالنسبة للمعارضة السورية هم لا أسلحة لهم باستثناء بعض بنادق الكلاشنيكوف أو الأسلحة البسيطة جدا ولا أحد يزودهم بالأسلحة، فقط بعض الأسلحة التي قد تكون وصلتهم عبر السوق السوداء لكن في ليبيا يختلف الأمر».

وعند سؤاله عن رأيه في تسليح المعارضة قال إسبينوزا إنه ليس متأكدا من أن هذا هو الحل المناسب، لكنه يرى أن المثال اليمني جيد وأن تنحي صالح كان جيدا وحد من الاقتتال في اليمن وقد يعمل مثل هذا الحل في سوريا.

وفي ختام الحوار قال إسبينوزا «أنا أرجو أن ما وقع للصحافيين لا يحبطهم ويجعلهم يتراجعون عن زيارة مواقع الأحداث لأنه لو وقع هذا فسيجعلنا نعتمد على الأخبار غير المحايدة والتي تأتي من الحكومات فقط». وأضاف: «كل العالم فيه أخطار وليست المرة الأولى وليست هذه أولى مناطق عدم الاستقرار، والناس لا يبدو أنهم سيتنازلون أو يتراجعون عما بدأوه».

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى