صفحات العالم

اتفاق الجامعة وسوريا… ممكن؟


 عبد الوهاب بدرخان

لم يكن معروفاً، ولا في أي لحظة، كيف يمكن التوصل الى اتفاق بين الجامعة العربية والنظام السوري. فالأساس عند هذا النظام هو مواصلة القتل لإخماد الانتفاضة، والأساس في المبادرة العربية هو وقف القتل كمدخل الى حوار في القاهرة بين النظام والمعارضة. أي ان على النظام ان يتنازل عن استخدام العنف ليحصل على الحوار “الحقيقي” الذي يمكن ان ينتج حلاً، وان على المعارضة ان تتنازل بقبول التحاور مع نظام قاتل لتحصل على اصلاحات “حقيقية” يمكن ان تؤدي الى تغيير جوهري في بنية النظام.

غادر الوفد السوري الدوحة من دون ابلاغ اللجنة الوزارية العربية رد دمشق على النقاط الثلاث المطروحة: وقف العنف، سحب الآليات العسكرية من المدن، والحوار في القاهرة. بعض المصادر قال ان “العقدة” هي هذا الحوار، فإذا وافقت عليه دمشق تكون اعترفت بأن “الحوار الوطني” الذي طالما تحدثت عنه، وقيل اخيرا ان بشار الاسد سيترأسه، لم يكن سوى سراب، والاهم انها تكون قدمت تنازلا لأن انعقاده في الخارج يفقدها السيطرة عليه.

اذا كانت هذه هي “العقدة”، فماذا عن وقف العنف وسحب الآليات؟ تقول المصادر ان الجانب السوري “وافق” بعد نقاش طويل سأل فيه عن تعريف اللجنة العربية لـ”العنف” المطلوب وقفه ولـ”المدن” المطلوب سحب الآليات منها. وفي النقاش كان هناك تكرار للحديث عن “العصابات المسلحة” و”الارهابيين” بما يعني ان “العنف” الرسمي يجب ان يلاحق هؤلاء ويردعهم، خصوصا بعدما انضم اليهم “الخارجون على القانون”، ويقصد بهم المنشقون عن الجيش. اذاً، علامَ “وافق” الجانب السوري فعلياً في هذا المجال؟ لا أحد يعرف. وهل ان الموافقة تتضمن قبولاً بمراقبين محايدين على الأرض؟ لم تبحث هذه المسألة. وهل يتطرق الاتفاق إلى اطلاق المعتقلين وجلاء مصير المفقودين؟ نعم، لكن آليات التدقيق غير واضحة، فالنظام هو الذي سينتقي ويستنسب، ولم تطرح اللجنة الوزارية من جانبها ان تكون هناك “لجنة مشتركة” مثلا لملاحقة هذا الملف.

كل شيء متروك، إذاً، للنظام ولحسن التزامه تنفيذ ما “يتفق” عليه. لكن، عملياً، لم يتفق على شيء. اذ كان النظام السوري يتطلع فقط الى الخروج بـ”ورقة مشتركة” مع الجامعة تبدو كأنها تزكي منهجه لحل الازمة وعلى طريقته. ربما يفسر ذلك اشارة رئيس الوزراء القطري الى “اللف والدوران والاحتيال” وتشديده على “الاصلاحات الحقيقية”. فلجنة الجامعة ذهبت الى الرئيس السوري بمبادرة واضحة المرامي، وبمسعى عربي قد يكون الأخير، لكنه اراد استغفالها وقد فاته ان كل تعهدات النظام باتت مكشوفة. فلو أبرم اتفاق من دون ضمانات صلبة أصبح قتل اي سوري بعده مكفنا بـ”شرعية” الجامعة العربية.

ولا تزال امام دمشق فرصة للرد على الاقتراحات العربية قبيل اجتماع الجامعة اليوم في القاهرة، لكنها يجب ان تقدم تنازلات جوهرية وأن تكف عن اعتبار الجامعة سوقاً للمغفّلين.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى